الخَريـف العـربي

زياد الحارثي

بعد مسيرة للثورات العربية التي اعتبرها البعض سعيا للديمقراطية، واعتبرها البعض الآخر ثورة غضب لشعوب بعد سنين من الاستبداد، بل سنين من الدكتاتورية الموجعة، واختلطت الدماء هنا وهناك، ابتداء بالثورة التونسية، وانتهاء بالمأساة السورية، إنها ثورة التغيير، إنها ثورة الربيع العربي، ثم ارتحل الربيع ودارت الأيام، وحل فصل الخريف، وتساقطت الأوراق، ونشطت الرياح، وظهرت الغيوم، فحجبت خيوط الشمس الذهبية، فأصبح النهار قصيرا، والليل طويلا، ثم لم تجد تلك الثورات من هذا الربيع سوى لقاء خريف يمزق البرد إهابه، وتضطرب به أسنانه، فأصبح الربيع محاطا بهول هذا الخريف المفزع الذي يرهبه ليلا بدوي رياحه، وهزيم رعوده، ووميض بروقه، فيطول ليله حتى يتذكر الربيع قول امرئ القيس:
وليل كموج البحر أرخى سدوله
علـي بأنـواع الهمـوم ليبتـلي..
لابد أن نسأل أنفسنا، لماذا تغيرت الألوان لهذه الأوراق من الأخضر إلى الأصفر، بل لماذا تساقطت وكثرت هجرة الطيور التي تبحث عن الموئل المناسب؟، إنها هموم وهواجس تمزق خلجات النفوس جراء هذا الربيع،
لا يكتوي بنارها إلا من عاش حرها، ولسعة بردها، وكم نتمنى زوال هذا الخريف المفزع !، لتتسارع عقارب الساعة نحو ربيع جديد، تزهر فيه أوراق جديدة ليست كسابقتها، وتشرق شمس يوم جميل، يحمل في طياته الابتسامة والحب والصفاء.. وأخيرا، هذا ما جنته أيدينا تجاه الربيع العربي، فلنصبر على حرارته ومرارته.
* عضو هيئة التدريس في جامعة الملك عبدالعزيز.