ربّ النهار وربّ الليل في رمضان

وليد احمد فتيحي

استوحيت عنوان مقالي هذا وبعض الأفكار فيه من خطبة للشيخ علي أبو الحسن، يحفظه الله، في مسجد تجار جدة. وكما عوَّدنا الشيخ في كثير من خطبه العميقة فإنه يُعيننا على أن نرى الأشياء كما لم نرها من قبل، يُعرِّيها من ثيابها المزيفة التي أُلْبِسَتْها وتبلدت أحاسيسنا تجاهها.
عندما ننظر للتناقض البين بين نهار ومساء بعض المسلمين في رمضان فإنه لا يسعنا إلاَّ أن نتعجب. أوهذا يقدَّم لرب واحد؟!..
أصبح النهار وقت الامتناع عن كل شيء فعَّال، بل أصبح وقت الراحة والنوم والعمل الخفيف، وأصبح الليل وقت إشباع الرغبات والانغماس في أطايب الطعام والشراب، وأنواع المسليات التي تتميز بل وتنفرد بها ليالي رمضان.
يعرف أصحاب الدعايات والإعلانات وينصحون أصحاب الأعمال الجادة البناءة أن لا يعلنوا في رمضان فكل شيء يذوب ويميع بين إعلانات السلع الاستهلاكية من أكل وشرب وتسلية، فإن كنت في مجال التعليم أو الصحة أو الصناعة أو غيرها من الأعمال البناءة فإنك حتماً ستذوب وتميع إن تجرأت وحاولت إيصال معلومة تخاطب شيئاً غير تلبية وإشباع الملذات والسلع الاستهلاكية.
إذا كانت الشياطين مصفدة في رمضان .. فمن أين تأتي الشياطين؟.
أم هي نفوسنا التي جُبلت على الانغماس في الملذات؟.
وكله يعود إلى فلسفة العلاقة مع الشيطان هل هي علاقة مُدافعة أم مُراغمة؟!.. الله سبحانه وتعالى يريدها منا علاقة مُراغمة .. أن نغزو الشيطان في عُقر داره .. أن نُذله وهذه أحب العبادات إلى الله .. أن نتخذ الشيطان عدّواً«فاتخذوه عدواً» نحاربه ونغزوه ونحقق عليه الانتصارات في هذا الشهر الفضيل.
وكيف يكون ذلك وقد أصبح الشهر شهر الانغماس في النعم والملذات، فهو شهر الحوافز التسويقية، وشهر الاستهلاك اللامُرشد، وشهر عقود السبق والمسابقات التى أصبحت أشبه ماتكون باليانصيب، وتفاهة التسالي بعد الإفطار وبعد الصلاة وكلها أنواع من التسالي التي لا تغير مسار مجتمع ولا تصحح وجهته، وهذا مخالف لروح الشهر وغايته ومقصده الذي من أجله فُرض.
ضاعت سمة الجهاد والجدية وهذا يُفرح الشيطان في أصفاده.
لم يصبح الهم هو كيف تغير السلوك في هذا الشهر بالانكباب على دراسة سنن الله في التغيير وتفعيل آليات التغيير المناسبة لذلك، وإنما أصبح الهم هو التسابق على كان صور الماديات.
وانتشر مايمكن أن نطلق عليه «الفوضى الإصلاحية» في كل المجالات.
فنجد من كل همه أن يختم القرآن كل 3 أيام دون أن يكون للتدبر والتأمل في القرآن وتفسيره أو العمل به رصيد. فقط قراءة سطحية.
كَلُّ مِهني .. وسبات نهاري .. وضجيج سمعي .. وتكالب على الملذات .. واختلال التوازن في الأداء العبادي .. وانشغال عن الثغور الحياتية .. وضياع سمة الجدية واستبدالها بالسمة الدعائية للسلع الاستهلاكية..
أوهكذا انتهى حالنا مع رمضان؟..