أمين عام جديد للأمم المتحدة.. فتش عن واشنطن..!؟

طلال صالح بنان

بات من شبه المؤكد معرفة اسم وجنسية الأمين العام الجديد للأمم المتحدة، الذي سيخلف الأمين الحالي كوفي عنان عند نهاية ولايته الثانية والأخيرة في 31 ديسمبر القادم، بعد تقلده لهذا المنصب لعشر سنوات متتالية. أمس الأول: حظي الكوري الجنوبي بان كي-مون، في تصويت تجريبي في مجلس الأمن، على ثقة المجلس فيه، ليتم التصويت عليه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، تمهيداً لتقلده المنصب الدولي الرفيع. بان كي سيكون الأمين العام ( الآسيوي ) الثاني للأمم المتحدة، بعد أن سبقه في هذا المنصب يو ثانت البورمي ( 1961 ـ 1971). كان المنصب، في السابق ولا يزال، بؤرة صراع في مجلس الأمن، ولا يعد اختياره من قِبَل الجمعية العامة للأمم المتحدة، سوى إجراء شكلي، يعكس تبعية الجمعية العامة لمجلس الأمن، أكثر مما يعكس تبعية الأمين العام للمجلس، حتى في حالة احتمال رفض الجمعية العامة لتوصية مجلس الأمن، في ما يخص من يتقلد المنصب..!؟ تعكس تجربة الأمين العام الحالي، كما ستعكس تجربة الأمين العام الجديد، سطوة الولايات المتحدة على المنصب وصاحبه، بعيداً عن تأثير ونفوذ الأعضاء الدائمين في المجلس، كما كان الأمر في عهد الحرب الباردة، عندما كان المنصب وصاحبه، يعكسان نظام القطبية الثنائية الذي كان سائداً، حتى انهيار نظام الحرب الباردة، في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي. على أي حال، بموجب ميثاق الأمم المتحدة، سيظل المنصب وصاحبه، يتبع مرجعية مجلس الأمن، خاصة في القضايا الجوهرية التي لها علاقة بقضايا السلام والأمن والدوليين... وكل ما له علاقة بخدمة مصالح القطب أو الأقطاب، التي تتحكم في حركة السياسة الدولية.. ولن يكون اتصاله بالجمعية العامة، إلا في حدود اختصاصات ضيقة ومحدودة، لها علاقة بمنظمات الأمم المتحدة المتخصصة، والقضايا التي تُثار في الجمعية العامة، سواء في اجتماعاتها العادية أو غير العادية. بالرغم مما قد يضيفه المنصب، على صاحبه ودوره، إلا أن الأمين العام للأمم المتحدة سوف يكون مرتبطاً، بصورة وثيقة بمجلس الأمن، كمرجعية أولى وأساسية.. وعليه، في كل الأحوال أن يراقب توجهات الفعاليات المهمة في مجلس الأمن، كأهم وسيلة لضمان بقائه في منصبه، خاصة إذا ما كان يخطط للبقاء في المنصب، لفترة ثانية. من هنا، نلمس أهمية الدعم الذي لقيه المرشح الكوري الجنوبي من الولايات المتحدة، بصفة خاصة، التي كانت وراء انتقائه. في الفترة القادمة سينصب اهتمام واشنطن بشبه الجزيرة الكورية، في الوقت الذي تصر كوريا الشمالية على التمسك ببرنامجها النووي.. وتقترب أكثر من تطوير إمكانات ردع غير تقليدية، قد تهدد أمن الولايات المتحدة. الأمين العام الجديد للأمم المتحدة، سوف يكون رأس الحربة “الدبلوماسية” التي تدفعها واشنطن، في أية جولة جديدة من المفاوضات مع كوريا الجنوبية.. أو أية مواجهة محتملة مع كوريا بيونغ يانغ، بسبب برنامجها النووي. المشكلة هنا تأييد الصين للتوصية بتعيين بان كي ( الكوري الجنوبي ) أميناً عاماً جديداً للأمم المتحدة. الصين، منذ أن استعادت منصبها الدائم في مجلس الأمن، معروف عنها سلوكها السلبي في المجلس، إلا في ما يخص تطورات الأحداث في مجالها الحيوي، في منطقة شرق وجنوب شرق آسيا. تمرير الصين لرغبة الولايات المتحدة في اختيار دبلوماسي كوري جنوبي لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة، وهي تعرف مدى اهتمام الولايات المتحدة بملف كوريا الشمالية النووي، وهي الحليف الوحيد لبيونغ يانغ، يثير الكثير من التساؤلات. هل تهدف الصين بهذه الخطوة، لدعم الخيار الدبلوماسي، من خلال اللجنة السداسية، التي تتعامل مع ملف كوريا الشمالية.. أو أن بكين تهدف بهذا، لطمأنة اليابان وكذا كوريا الجنوبية ، بأنها لن تسمح لكوريا الشمالية أن تهدد أمنهما، وإن كانت ما زالت ترفض ـ بشدة ـ أي احتمال لتطور خيارات غير دبلوماسية للتعامل مع ملف كوريا الشمالية النووي. بالقطع الصين، لن تسمح بتمرير أي قرار من مجلس الأمن، حتى لو استند إلى توصية من الأمين العام، باستخدام القوة للتعامل مع ملف كوريا الشمالية النووي. كما أن بكين، لن تسمح بتمرير أي نظام متشدد للعقوبات تحول بينها وبين مد يد المساعدة لحليفتها، في الجنوب ( كوريا الشمالية ). ولكن، من ناحية أخرى تهدف بكين بالموافقة على تعيين بان كي الدبلوماسي الكوري الجنوبي المخضرم، الذي لديه اطلاع كافٍ، بوصفه وزير خارجية سابقا لكوريا الجنوبية، بملف العلاقات الكورية- الكورية، وكذا بملف برنامج كوريا الشمالية النووي. ثم إن الصين، في النهاية، ستستثمر اختيار بان كي المقرب لواشنطن، في تفعيل أعمال اللجنة السداسية التي تضطلع بملف برنامج بيونغ يانغ النووي.. وحتى تكون لها دالة نافذة في أروقة صناعة السياسة الخارجية الأمريكية، للاقتراب من حل دبلوماسي للأزمة، يُبعد ـ مع الوقت ـ خيار المواجهة العنيفة، التي قد يندفع لها “الصقور” في واشنطن. لا يجب أن يفوت علينا الدور الذي ستلعبه الأمانة العامة للأمم المتحدة، في حرب الولايات المتحدة على ما تسميه الإرهاب، في المرحلة القادمة. المنطقة التي يجيء منها الأمين العام الجديد للأمم المتحدة، فيها دول إسلامية كبرى مثل إندونيسيا وماليزيا.. ودول بها جاليات إسلامية كبيرة مثل الفلبين وتايلاند وسنغافورا.. ويقع إلى جوار تلك المنطقة تجمعات إسلامية ضخمة مثل ما هو حاصل في الهند وباكستان، حيث حدثت في كثير من مجتمعات تلك الدول اختراقات للقاعدة... بالإضافة إلى سيادة الروح العدائية الواضحة في تلك المجتمعات الإسلامية، لسياسة الولايات المتحدة الخارجية، في فلسطين وأفغانستان والعراق... وكذا تجاه دولها، والمجتمعات الإسلامية، في تلك الدول. كذلك لا يمكن فصل اختيار دبلوماسي كوري جنوبي لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة، بعيداً عن اعتبارات النمو المتزايد في اقتصاديات دول شرق وجنوب شرق آسيا. ليس الاعتبارات السياسة والاستراتيجية، وحدها، التي تثير اهتمام الولايات المتحدة بتلك المنطقة، بل الاعتبارات الاقتصادية، لها دورٌ كبير، ايضاً. مع الوقت تتزايد معدلات عجز الميزان التجاري الأمريكي، مع معظم النمور الاقتصادية الآسيوية، بدايةً من الصين ونهاية بتايلاند، مروراً بكوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورا... بالإضافة إلى العجز المزمن في الميزان التجاري مع اليابان. وجود أمين عام جديد، من المنطقة يحظى بدعم الولايات المتحدة ويتوقف مصير بقائه في المنصب، على مدى رضا واشنطن عنه، سوف يساعد الولايات المتحدة في إعادة ترتيب حركة التجارة الدولية عبر الباسفيك، لتصب في مصلحة الولايات المتحدة. تكامل الأدوار بين منظمة التجارة العالمية، والأمم المتحدة، من شأنه أن يدفع تجاه خدمة مصالح الولايات المتحدة الاقتصادية، في أكثر المناطق التي يعاني فيها ميزان الولايات المتحدة التجاري من خلل مزمن في التجارة البينية عبر الباسفيك. اعتبارات سياسية واستراتيجية وأمنية واقتصادية، كانت وراء واشنطن للدفع بدبلوماسي كوري جنوبي ليكون الأمين العام القادم للأمم المتحدة. ولكن هل يكون الأمين العام الجديد مرضياً عنه من قبل واشنطن، مثل كوفي عنان.. أم سرعان ما يحل به غضب البيت الأبيض، مثل ما كان عليه الحال مع بطرس غالي. الأيام وحدها هي التي سترينا إلى أين تسير الأمم المتحدة، بقيادة أمينها العام الجديد.