عزيمة الرجال تشق الصخور وتتصدّى لمهربي الجبال

بعضه سهل الشق وآخر صعب ومؤذ

عزيمة الرجال تشق الصخور وتتصدّى لمهربي الجبال

محمد الهتار (الشريط الحدودي)

بالأمس عشت في أجواء لم أعهدها من قبل، ظلام دامس وصمت رهيب وثبات في المكان. بالأمس شاهدت كيف يتسلل المخربون وكيف كانوا يحاولون إدخال سمومهم إلى وطننا للنيل من شبابنا. بالأمس كان كل شيء حولي يقول إلا الوطن وسيستمر كل شيء يغرد باسم الوطن. عند الرمح الأول من شروق الشمس انطلقت هذه المرحلة في رحلة قيل لي إنها ستكون تاريخية ومختلفة عن ما شاهدته من قبل وأن علي أن أستمتع بما سأشاهده وفي الوقت نفسه أن لا أخشى شيئا مما سأراه.
انطلق بنا قائد السيارة عبر طريق معبد سار بنا فوقه كيلو مترات اخترق خلالها العديد من القرى ثم عرجنا إلى طريق رملي ومن خلاله مررنا بالعديد من نقاط حرس الحدود على الشريط الحدودي وهناك رأيت بيوتا قريبة من الشريط الحدودي كانت خالية من سكانها قيل لي إن سكانها انتقلوا إلى مواقع أخرى أكثر أمنا بعد تعرضهم إلى أهداف للغير.
واصلنا سيرنا وأنا أفكر فيما سمعته أن رحلتي هذه ستكون رحلة مختلفة ولم أفق إلا على إيقاف سرعة السيارة عند قطاع العارضة الذي يشرف عليه العميد مليدان آل مليدان الذي اصطحبنا في جولة داخل القطاع تنقلنا خلالها بين الأقسام والتقينا بعدد من الضباط والجنود، فالجميع كانوا فخورين بانتسابهم إلى حرس الحدود وجميعهم قالوا وبصوت واحد نعم إننا نشعر بالحنين ونتشوق لأبنائنا ولكن حبنا للوطن فوق كل اعتبار.
بداية الرحلة
وبصحبة العميد مليدان استقللنا السيارة وإذا بالعقيد عبدالله بن محفوظ الذي كان يجلس بجواري في المقعد الخلفي يطالعني ويقول من هنا تبدأ رحلة اليوم، وبدأنا في السير وعبر الطريق الذي سلكناه شاهدت العديد من الرجال الذين توزعوا هنا وهناك الجميع كانوا يعملون بقوة وعزيمة رغم تطاير الغبار والأتربة التي كانت تهب على أجسادهم والجميع كانوا مرتدين زيهم العسكري بانضباط وكأنهم في المكتب.
توقفنا عند بعض الدوريات والتقينا ببعض الجنود ولمسنا عزيمتهم وحبهم الكبير لهذا الوطن وأنهم سعداء في أداء واجبهم الوطني وأن أرواحهم فداء للوطن دون تمكين العدو من التسلل إليه أو إدخال ممنوعاته.
شق الجبال
انتهى الطريق الترابي وبدأنا في الصعود إلى جبل «المشرق» وهو من الجبال العالية والمحاذية على الشريط الحدودي كان الطريق واسعا ثم بدأ يضيق قليلا فيما انتشرت المعدات الثقيلة التي كان خلفها رجال بواسل من حرس الحدود يشقون الجبال ويمهدونها. حينها قال العميد آل مليدان : منذ سنوات ونحن نسعى إلى شق هذه الجبال من أجل تسهيل الطلوع والنزول وهو أمر شاق للغاية وفي الوقت نفسه هو عمل ممتع فيه التحدي للنفس وفيه عزيمة وإصرار على بلوغ الهدف مهما طالت المدة ومهما واجهنا من صعاب فهذه الجبال تختلف في عناصرها بعضه سهل الشق وبعضه صعب ومؤذٍ ، ومع ذلك وكما ترى فقد بلغنا منتصف الصعود إلى الجبل بالسيارة لا أقول بسهولة ولكن استطعنا الصعود، وسترى كلما صعدنا رجالا بمعداتهم يعملون من أجل أن تسير معدات إخوتهم المكلفين بمتابعة حدودنا وحماية وطننا من الأشرار في طريق معبد. وقال: منطقتنا هذه تعتبر من المناطق الخطرة جدا نتيجة التضاريس الصعبة ونتيجة لتنوع هذه التضاريس التي لا تقتصر فقط على الجبال، فيها الرملية وفيها الأودية وفيها الغابات والشعوب والمنحدرات، وهي من المناطق التي يكثر فيها السكن من الجانب الآخر ولهم أسواقهم وتجمعاتهم.
ارتفاعات شاهقة
واصلنا طريق رحلتنا وكنا كلما صعدنا وجدت الرجال البواسل منتشرين يمشطون المنطقة بحثا عن متسلل أو مهرب تسول له نفسه اجتياز هذه الحدود الآمنة.
واصلنا حتى بلغنا قمة الجبل ورغم ارتفاعه الشاهق إلا أن العميد آل مليدان قال: كل هذه الارتفاعات التي تشاهدها والتي في معظمها تشكل أخطار الانزلاق، إلا أنها هدف للمهربين والمتسلليل لاستخدامها في طرقهم لكن الرجال لهم بالمرصاد صباحا كان الوقت أم ليلا وفي كثير من الأوقات نحبط حيلهم ونلقي القبض عليهم ونزج بهم إلى السجن وفي بعض الأحيان نرسلهم إلى المستشفيات للعلاج من آثار الجروح التي تعرضوا لها أثناء تسلقهم الجبال، وفي بعض الأحيان نجد بعض الجثث المتوفاة نتيجة تعرضهم للسقوط أو للدغات الثعابين والعقارب السامة.
ومن قمة الجبل الشاهق الارتفاع «المشرق» طالعنا سيارات تسير وأشخاصا يمشون وبيوتا شيدت قالوا إنها بيوت للجانب الآخر من الشريط الحدودي، ركبنا سيارتنا وعدنا من حيث أتينا لتنطلق المرحلة الثانية من رحلتنا وهذه المرة إلى قطاع الدائر الذي يديره العقيد قاسم منقري وهو الذي يختلف عن بقية القطاعات لاختلاف تضاريس المنطقة ولاختلاف المضبوطات واختلاف المهربين.
تمركز الدوريات
في داخل القطاع رأيت أرتالا من السيارات المختلفة الموديلات بعضها جديد والبعض من النوع القديم رصت بجوار بعضها، وقيل لنا هي مضبوطات للمهربين حاولوا استخدامها في بعض الممنوعات وإركاب المتسللين فيها لكن البواسل من حرس الحدود أحبطوا حيلهم وألقوا القبض عليهم وصادروا هذه السيارات. وفيما كنا نهم بالتوجه إلى مكتب قائد القطاع رأينا سيارة فيها مجموعة من الأشخاص ورجال أمن يتحدثون معهم، اقتربنا منهم وعلمنا أنه ألقي عليهم القبض قبل دقائق وهم يهمون باجتياز الحدود محملين بالممنوعات.
محمد قايد قال : الشيطان ضحك علي وأوهمني أن بإمكاني الحصول على المال بأسرع ما يمكن وعبر طريق سهل لا يحتاج سوى حمل هذه الممنوعات من القات والوصول بها إلى حدود المملكة القريبة جدا من موقع سكننا وإلقائها من فوق الشبك ومن ثم العودة من حيث أتينا.
القبض على الدليل
ويقول زميله ناصر سعيد : سماعي أن فلانا نجح في الوصول إلى الشبك وعاد إلى أهله سالما وغانما بالمال شجعني على ذلك ، ولم أتردد عندما همس أحد أقاربي بأن أرافقه، وقلت لأبنائي إنني سأعود إليهم بعد يومين وتوجهت إلى المكان الذي حدد لنا منه لننطلق وعندما حل المساء واسودت السماء حملت متاعي وأغراضي وانطلقت بصحبة البعض وقبل بلوغنا سور الشبك وقعنا في قبضة رجال حرس الحدود ومعنا الدليل الذي كنا نعتقد أن بإمكانه أن يسير بنا إلى بر الأمان وليس إلى يد الجنود.
فحيح الثعابين
يواصل ويقول : لقد تحملت الكثير في رحلتي هذه رغم أنها لا تتعدى الساعات تعبت من المشي على القدمين وشعرت بالخوف وأنا أضعهما فوق الصخور وكنت أتمايل في مشيي وأتمسك بحجارة الجبال وكاد قلبي أكثر من مرة أن يتوقف وأنا أسمع فحيح الثعابين وعواء الذئاب وكدت أن أعود من حيث أتيت لكن رفاقي منعوني وقالوا لي استمر واستمررت حتى ألقي علي القبض الذي أراه أفضل لي من استمراري في طريق قد يكون فيه هلاكي وقبري.
ويضيف زميلهم ناصر ثابت أن سبب إقدامهم على سلوك دروب الشيطان ظروفهم المادية ووسوسة الآخرين لهم وتصويرهم أن الأمور سهلة جدا، ويقول: لا أعرف هل الذين بالغوا لنا في هذا القول سلكوا هذه الطرق أم أنهم سمعوا من الآخرين.
تسعة في سيارة واحدة
وهذه قصة تسعة أشخاص ألقي القبض عليهم وهم يستقلون سيارة صغيرة يابانية الصنع كانوا يحاولون التسلل للدخول إلى البلد المجاور لكن الرجال البواسل كانوا لهم بالمرصاد.
أحمد نعمان وصف ركوبهم السيارة الصغيرة بهذا العدد هو بمثابة مغامرة وحلم وكان يتمنى أن ينتهي سريعا ولكن بعيدا عن القبض عليهم، واصفا الطريقة التي كان يجلسون فيها داخل السيارة بالطريقة العجيبة حيث كل اثنين منهم يحتضنان بعضهما وكان هواء السيارة ولاغلاق نوافذها وكثرة عدد من بداخلها هواء فاسدا.
ويضيف زميله سلمان الراعي قائلا: ظروفي هي السبب أولادي كبروا وأنا غير قادر على توفير احتياجاتهم قدمت إلى هنا قبل سنتين معتمرا ثم قررت العودة مع نعمان لكن قبض علينا رجال الحرس ونحن نحاول الدخول عبر الحدود بواسطة السيارة.
تهريب الحشيش
والتقينا بمجموعة من مهربي المخدرات «الحشيش» وبداية قال صلاح يوسف وهو شاب في العشرين من عمره: ألقي القبض علي وأنا أحاول الدخول إلى المملكة محملا كميات من الحشيش حملتها فوق ظهري بعد أن اتفقت مع رجل لأول مرة أراه في حياتي التقيته بالقرب من الحدود.
ويضيف زميله علي شوعي قائلا : ألقي القبض علي وأنا أحاول أن أدخل محملا بكمية من الحشيش ومقدار عددها أربعة بلاطات أوقعتني في السجن ولا أدري كم سيكون حكمها في السجن.
البحث عن السجن
وقال حسن: أنا من الجنسية الارترية ألقي القبض علي وأنا أهم بدخول أراضي المملكة محملا بالحشيش والبداية كانت من المقهي القريب من الحدود السعودية اليمنية حيث كنت جالسا وإذا بأحدهم جلس بالقرب مني وقال تريد عملا وأبلغته برغبتي وابتعد عني ثم عاد وقال: اتبعني وإذا بي أرى مجموعة من الأشخاص يتبعونه وتوقف بنا عند إحدى الغرف وأعطى كل واحد منا مائة ريال سعودي، وقال: اجلسوا هنا حتى المساء سأبلغكم بما تفعلون وعندما حل المساء جاءنا وأعطى كل واحد منا حملة وقال انطلقوا مع هذا الرجل وأشار بيده إلى رجل كان يقف بالقرب منه، هو سيوصلكم إلى شبك الحدود وعند بلوغكم له قولوا يامحمد وسيظهر لكم شخص ألقوا ما بيدكم من فوق السور وعودوا إلى هنا لتتسلموا باقي أتعابكم لكن الذي حصل لا أن تسلمنا أتعابنا ولا أوصلنا ما كان بيدنا أو عدنا إلى أهلنا.