المجال الغربي والنزعة الإنسانية .. النقد الخارجي
الخميس / 18 / ذو القعدة / 1433 هـ الخميس 04 أكتوبر 2012 20:01
زكي الميلاد
وضع الغرب نفسه في دائرة النقد والاتهام، حين أطاح بالنزعة الإنسانية وانقلب عليها، وذلك بالطريقة التي تعامل فيها مع بقية العالم، فما أن امتلك القوة والقدرة والتقدم، حتى أخذ يفكر بمنطق التوسع والسيطرة والاستعمار، بحثا عن الثروات والأسواق والأيدي العاملة، السلوك الذي أظهر الغرب في صورة المتوحش والناهب والبغيض، وذلك ما دفع المجتمعات والشعوب إلى مقاومته وكراهيته والثورة عليه.
وبهذا السلوك يكون الغرب قد فقد مصداقيته أمام بقية العالم، وفرغ النزعة الإنسانية من محتواها القيمي والأخلاقي، وكشف عن معاييره المزدوجة، وظهر للعالم وكأن النزعة الإنسانية هي نزعة خاصة بالمجتمع الغربي دون غيره من المجتمعات الأخرى، أو كأن هذه النزعة تناسب الإنسان الأوروبي ولا تناسب غيره، أو هي حق للمواطن الأوروبي وليست حقا لغيره.
ونتيجة لهذا السلوك، وبسبب هذه المواقف والسياسات ارتفعت وتوالت الأصوات الناقدة للغرب في داخله، وفي خارجه، وحافظت هذه الأصوات الناقدة على بقائها واستمراريتها ومازالت مستمرة إلى اليوم، وذلك لأن الغرب لم يغير من أنماطه السلوكية تجاه بقية العالم، ومازال يتعامل بمعاييره المزدوجة، فسلوكه داخل محيطه غير سلوكه خارج محيطه.
وفي تفسير هذا الموقف، هناك من يرى أن خطاب النزعة الإنسانية في الغرب، يعتمد مفهوم الجوهر الغربي للإنسان، ليبرر استعمار غير الأوروبي تحت شعار الإنسانوية، وأنسنة غير الغربيين، ولما كان غير الغربي حسب هذا الخطاب ليس ذا جوهر إنسانوي، كان من الحري بالإنسانوي الغربي أن يهيمن عليه عسكريا واقتصاديا وثقافيا.
واحتجاجا على هذا الموقف، وعلى هذه السياسات، ارتفع صوت الطبيب والمحلل النفسي فرانز فانون (1925 ــ 1961)، صاحب كتاب (المعذبون في الأرض)، وهو يحث على ترك هذه الأوروبا حيث لا يكلون من الحديث عن الإنسان، لكنهم يقتلون البشر أينما وجدوهم ... لقد خنقوا البشرية بأسرها تقريبا باسم ما يدعونه التجربة الروحية.
وحين توقف مالك بن نبي أمام هذه القضية، في سياق اختلافه مع المستشرق الإنجليزي هاملتون جيب، في كتابه (وجهة العالم الإسلامي)، صرح قائلا: إن حديثنا عن إنسانية أوروبا لا يكون إلا حديثا عن نزعة إنسانية جذبية دون إشعاع، وفي هذه الحالة نراها تعني إنسانية أوروبية في الداخل، وإنسانية استعمارية في الخارج..
ولم يستطع أن يصمت أمام هذه القضية حتى محمد أركون نفسه، الذي أخذ عليه أصحاب كتاب (دليل الناقد الأدبي)، بأنه يطرح النزعة الإنسانية وكأنها أحدث مكتسبات الفكر المعاصر، فقد وصف أركون هذه النزعة في كتابه (الفكر الإسلامي .. نقد واجتهاد)، بالنزعة الشكلانية والتجريدية، واعتبرها نزعة لا تقيم أي مقارنة بين تعاليم الفلسفة الإنسية النبيلة والسامية، وبين الممارسات السياسية التي تجري على أرض الواقع، إنها في وادٍ والواقع في وادٍ آخر، لا يكفي أن نقول نحن إنسيون، نحن مع النزعة الإنسانية والإنسية، نحن نعتبر الإنسان أكبر قيمة في الوجود، ثم نمارس شيئا مختلفا على أرض الواقع، نمارس التمييز والاستبعاد ضد الأجنبي أو المختلف وضعا أو لغة أو وجها أو دينا! هذه إنسية شكلانية.
almilad@almilad.org
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 115 مسافة ثم الرسالة
وبهذا السلوك يكون الغرب قد فقد مصداقيته أمام بقية العالم، وفرغ النزعة الإنسانية من محتواها القيمي والأخلاقي، وكشف عن معاييره المزدوجة، وظهر للعالم وكأن النزعة الإنسانية هي نزعة خاصة بالمجتمع الغربي دون غيره من المجتمعات الأخرى، أو كأن هذه النزعة تناسب الإنسان الأوروبي ولا تناسب غيره، أو هي حق للمواطن الأوروبي وليست حقا لغيره.
ونتيجة لهذا السلوك، وبسبب هذه المواقف والسياسات ارتفعت وتوالت الأصوات الناقدة للغرب في داخله، وفي خارجه، وحافظت هذه الأصوات الناقدة على بقائها واستمراريتها ومازالت مستمرة إلى اليوم، وذلك لأن الغرب لم يغير من أنماطه السلوكية تجاه بقية العالم، ومازال يتعامل بمعاييره المزدوجة، فسلوكه داخل محيطه غير سلوكه خارج محيطه.
وفي تفسير هذا الموقف، هناك من يرى أن خطاب النزعة الإنسانية في الغرب، يعتمد مفهوم الجوهر الغربي للإنسان، ليبرر استعمار غير الأوروبي تحت شعار الإنسانوية، وأنسنة غير الغربيين، ولما كان غير الغربي حسب هذا الخطاب ليس ذا جوهر إنسانوي، كان من الحري بالإنسانوي الغربي أن يهيمن عليه عسكريا واقتصاديا وثقافيا.
واحتجاجا على هذا الموقف، وعلى هذه السياسات، ارتفع صوت الطبيب والمحلل النفسي فرانز فانون (1925 ــ 1961)، صاحب كتاب (المعذبون في الأرض)، وهو يحث على ترك هذه الأوروبا حيث لا يكلون من الحديث عن الإنسان، لكنهم يقتلون البشر أينما وجدوهم ... لقد خنقوا البشرية بأسرها تقريبا باسم ما يدعونه التجربة الروحية.
وحين توقف مالك بن نبي أمام هذه القضية، في سياق اختلافه مع المستشرق الإنجليزي هاملتون جيب، في كتابه (وجهة العالم الإسلامي)، صرح قائلا: إن حديثنا عن إنسانية أوروبا لا يكون إلا حديثا عن نزعة إنسانية جذبية دون إشعاع، وفي هذه الحالة نراها تعني إنسانية أوروبية في الداخل، وإنسانية استعمارية في الخارج..
ولم يستطع أن يصمت أمام هذه القضية حتى محمد أركون نفسه، الذي أخذ عليه أصحاب كتاب (دليل الناقد الأدبي)، بأنه يطرح النزعة الإنسانية وكأنها أحدث مكتسبات الفكر المعاصر، فقد وصف أركون هذه النزعة في كتابه (الفكر الإسلامي .. نقد واجتهاد)، بالنزعة الشكلانية والتجريدية، واعتبرها نزعة لا تقيم أي مقارنة بين تعاليم الفلسفة الإنسية النبيلة والسامية، وبين الممارسات السياسية التي تجري على أرض الواقع، إنها في وادٍ والواقع في وادٍ آخر، لا يكفي أن نقول نحن إنسيون، نحن مع النزعة الإنسانية والإنسية، نحن نعتبر الإنسان أكبر قيمة في الوجود، ثم نمارس شيئا مختلفا على أرض الواقع، نمارس التمييز والاستبعاد ضد الأجنبي أو المختلف وضعا أو لغة أو وجها أو دينا! هذه إنسية شكلانية.
almilad@almilad.org
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 115 مسافة ثم الرسالة