محاذير داخلية و إقليمية لخيار الفيدرالية «الطائفية» في العراق
الجمعة / 20 / رمضان / 1427 هـ الجمعة 13 أكتوبر 2006 20:41
د. طلال صالح بنان
الفيدرالية أحد أشكال الدولة الاتحادية، في تشكيلات الدول الحديثة. وهي نظام عملي وفعال تُقام عليه الدولة الحديثة من عدة أقاليم تتمتع بسلطات وصلاحيات واسعة في إدارة شؤونها المحلية، بعيداً عن السلطة الفيدرالية للحكومة المركزية في العاصمة. الخلفية النظرية لهذا النوع من الدول تقوم على مبدأ التكامل بين أقاليم مختلفة قد لا تتوفر في أيٍ منها عناصر الدولة الحديثة، بصورة ملائمة.. أو لا تتوفر بها إمكانات البقاء والاستمرار كـ ( دول ) سواءً لأسباب إقليمية أو دولية أو اقتصادية أو ديموغرافية. الولايات المتحدة الأمريكية تمثل النموذج “الكلاسيكي” لمثل هذه الدول الفيدرالية. في المقابل: نموذج الدولة الموحدة، التي يطغى عليها وجود سلطة مركزية قوية في العاصمة، ولا تتمتع أقاليمها بأي من أشكال الحكم الذاتي، بعيداً عن هيمنة الحكومة المركزية في الدولة، قد تتفتت... بل وقد تزول، بدءاً بالتحول إلى النظام الفيدرالي، خاصة إذا ما طغى عنصر الطائفية على الاعتبارات السياسية في تشكيل الدولة. العراق، على سبيل المثال، من الناحية التاريخية، يأخذ بنموذج الدولة الموحدة، منذ أن كانت بغداد عاصمة الدولة العباسية، وحتى قبل ذلك عندما أنشأ الحجاج بن يوسف الثقفي مدينة واسط، بعد أن توارى دور الكوفة المركزي في حكم العراق، بعد مقتل الخليفة الراشد علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
عراق الدولة وعراق النخبة السياسية الحاكمة، كان يمثل صيغة الدولة الموحدة، التي تتمتع فيها العاصمة بصلاحيات واسعة على أقاليم العراق المختلفة. صحيح، في العصر الحديث، حصلت محاولات لإعطاء الأكراد في الشمال نوع من الحكم الذاتي، حتى في فترة حكم البعث، إلا أن مشكلة انفصال الشمال الكردي عن الدولة العراقية وسلطة بغداد، كانت تسبب مشاكل سياسية داخلية وإقليمية لسلطة بغداد المركزية... وكان أوج هذا التحول في فترة فرض ما كان يسمى بحظر الطيران العسكري للحكومة العراقية، في مجال جوي يمتد من خط 32 إلى خط عرض 36 ، مما أسس، عملياً، للتطور الحاصل هذه الأيام لتفتيت العراق، خاصة من الشمال، حيث استثمر الأكراد هذا الوضع طوال فترة ما بعد حرب الخليج الأولى إلى الآن، في تأسيس حكم محلي قوي، يقترب من ذلك التي تتمتع به الدول لا الأقاليم في النظام الفيدرالي. تطورٌ، مثل هذا لم يحدث في الجنوب ( الشيعي )، على الأقل بالمستوى الذي حصل في إقليم كردستان في الشمال.
منذ حرب الخليج الثانية، التي انتهت باحتلال العراق، يلاحظ: أن كلاً من الشيعة في الجنوب والأكراد في الشمال، حاولوا أن يستغلوا الوضع سياسياً، ويطوروا صياغة للاتحاد الفيدرالي في العراق، تسمح للأكراد في الشمال والشيعة في الجنوب، بإنشاء كيانات فيدرالية مستقلة، بصورة كبيرة، عن أية حكومة مركزية تنشأ في بغداد حيث يسيطر العرب السنة على وسط العراق، ما بين خطي عرض 32، 36... وبالتالي: يتخلص الشيعة والأكراد من سيطرة القلة من العرب السنة على العراق.
القانون الذي أقرته الجمعية الوطنية يوم الأربعاء الماضي باعتماد آليات وإجراءات تشكيل الأقاليم أي بعبارة أخرى: اعتماد النظام الفيدرالي في العراق، بما يعنيه ذلك من وجود حكومة مركزية ( ضعيفة ) في بغداد تهتم بشؤون السياسة الخارجية والدفاع.. وربما النفط، بينما تتكون، في الأقاليم، شمالاً وجنوباً، حكومات محلية قوية تتمتع بسلطات وصلاحيات واسعة، حتى في ما يخص إدارة الثروات..!؟ بل وحتى في ما يخص تطوير علاقات خارجية، مع قوىً إقليمية ودولية، مما يعني إمكانية تطوير شكل من أشكال ازدواج التمثيل الدبلوماسي، بعيداً عن السلطة المركزية في العاصمة..!؟
على أي حال لم يلق القانون معارضة في داخل الجمعية الوطنية لإقراره لسيطرة جبهة الائتلاف الشيعية والتحالف الكردي، اللذين يتمتعان بأغلبية مطلقة في الجمعية الوطنية لازمة لتمرير القانون، بالرغم من اعتراض أحزاب العرب السنة وبعض الأحزاب الشيعية وكذا الأحزاب العلمانية الأخرى. وكان قد سبق إقرار القانون إجراءات أحادية اتخذتها “حكومة” ما يسمى بـ “إقليم كردستان العراق” عندما رفضت رفع علم الدولة العراقية على الأراضي الكردية، ورُفِع، بدلاً عنه، “علم” “حكومة كردستان العراق”..!؟
المشكلة في هذا التحول إلى صيغة الدولة الفيدرالية الاتحادية في العراق أنه قام على أساس طائفي، وليس جغرافيا، في المقام الأول. الطوائف المختلفة في العراق، يمكن ملاحظة انتشارها في أقاليم مختلفة، بالرغم من تمركزها في أقاليم معينة. على سبيل المثال، : هناك تداخل شيعي سني وإلى حد ما كردي في بغداد، رغم وجود غالبية للعرب السنة في أقاليم وسط العراق. ليس على مستوى الأقاليم هناك اختلاط وتداخل ديموغرافي بين السكان، بل على مستوى المدن، أيضاً. الأكراد على سبيل المثال يطالبون بمدينة كركوك الغنية بالنفط، رغم وجود جماعات كبيرة عربية سنية وشيعة وتركمان في المدينة.
هناك أيضاً، إشكال إقليمي في التطور نحو الفيدرالية في العراق. تركيا، على سبيل المثال لن تسمح بقيام دولة كردية في شمال العراق، بل إنها لن تسمح بإلحاق مدينة كركوك بإقليم كردستان، الذي تحكمه “حكومة” كردستان العراق. علاقات الائتلاف الشيعي الذي كانت وراء سن القانون، الوثيقة مع إيران، تبعث القلق عربيا، باحتمال تطور إلحاق جنوب العراق، بإيران، ليصبح جنوب العراق جزءاً من إيران وليس العراق...!؟ الأمر الذي يخلط أوراق التوازن الإقليمي في منطقة الخليج العربي.. ويهدد، بصورة مباشرة الأمن القومي العربي.
هذا البعد الطائفي الضيق، لصيغة الفيدرالية ، هو الذي يؤذن بحالة من عدم الاستقرار في العراق، قد تقوده إلى حرب أهلية.. و يؤذن أيضاً، بتطور حالة من عدم الاستقرار الإقليمي، في المنطقة، لا يقل خطورة عن احتمال اندلاع حرب أهلية طاحنة في العراق، بسبب توجهات الشيعة والأكراد الانفصالية وضعف إمكانات العرب السنة في الإبقاء على وحدة العراق... مع تطور مصالح إقليمية ودولية نحو انهيار الدولة في العراق... بل وحتى إبادة الشعب العراقي، نفسه. أظهرت دراسة أمريكية جديدة: منذ حرب الخليج الثانية، فقد العراق ما يقرب من 700 ألف شخص، بمعدل 500 عراقي يقتلون يومياً. إذا استمر معدل القتل في العراقيين، بهذا المستوى، فإنه خلال عشرين سنة لن يوجد عراقي واحد في أرض الرافدين.
عراق الدولة وعراق النخبة السياسية الحاكمة، كان يمثل صيغة الدولة الموحدة، التي تتمتع فيها العاصمة بصلاحيات واسعة على أقاليم العراق المختلفة. صحيح، في العصر الحديث، حصلت محاولات لإعطاء الأكراد في الشمال نوع من الحكم الذاتي، حتى في فترة حكم البعث، إلا أن مشكلة انفصال الشمال الكردي عن الدولة العراقية وسلطة بغداد، كانت تسبب مشاكل سياسية داخلية وإقليمية لسلطة بغداد المركزية... وكان أوج هذا التحول في فترة فرض ما كان يسمى بحظر الطيران العسكري للحكومة العراقية، في مجال جوي يمتد من خط 32 إلى خط عرض 36 ، مما أسس، عملياً، للتطور الحاصل هذه الأيام لتفتيت العراق، خاصة من الشمال، حيث استثمر الأكراد هذا الوضع طوال فترة ما بعد حرب الخليج الأولى إلى الآن، في تأسيس حكم محلي قوي، يقترب من ذلك التي تتمتع به الدول لا الأقاليم في النظام الفيدرالي. تطورٌ، مثل هذا لم يحدث في الجنوب ( الشيعي )، على الأقل بالمستوى الذي حصل في إقليم كردستان في الشمال.
منذ حرب الخليج الثانية، التي انتهت باحتلال العراق، يلاحظ: أن كلاً من الشيعة في الجنوب والأكراد في الشمال، حاولوا أن يستغلوا الوضع سياسياً، ويطوروا صياغة للاتحاد الفيدرالي في العراق، تسمح للأكراد في الشمال والشيعة في الجنوب، بإنشاء كيانات فيدرالية مستقلة، بصورة كبيرة، عن أية حكومة مركزية تنشأ في بغداد حيث يسيطر العرب السنة على وسط العراق، ما بين خطي عرض 32، 36... وبالتالي: يتخلص الشيعة والأكراد من سيطرة القلة من العرب السنة على العراق.
القانون الذي أقرته الجمعية الوطنية يوم الأربعاء الماضي باعتماد آليات وإجراءات تشكيل الأقاليم أي بعبارة أخرى: اعتماد النظام الفيدرالي في العراق، بما يعنيه ذلك من وجود حكومة مركزية ( ضعيفة ) في بغداد تهتم بشؤون السياسة الخارجية والدفاع.. وربما النفط، بينما تتكون، في الأقاليم، شمالاً وجنوباً، حكومات محلية قوية تتمتع بسلطات وصلاحيات واسعة، حتى في ما يخص إدارة الثروات..!؟ بل وحتى في ما يخص تطوير علاقات خارجية، مع قوىً إقليمية ودولية، مما يعني إمكانية تطوير شكل من أشكال ازدواج التمثيل الدبلوماسي، بعيداً عن السلطة المركزية في العاصمة..!؟
على أي حال لم يلق القانون معارضة في داخل الجمعية الوطنية لإقراره لسيطرة جبهة الائتلاف الشيعية والتحالف الكردي، اللذين يتمتعان بأغلبية مطلقة في الجمعية الوطنية لازمة لتمرير القانون، بالرغم من اعتراض أحزاب العرب السنة وبعض الأحزاب الشيعية وكذا الأحزاب العلمانية الأخرى. وكان قد سبق إقرار القانون إجراءات أحادية اتخذتها “حكومة” ما يسمى بـ “إقليم كردستان العراق” عندما رفضت رفع علم الدولة العراقية على الأراضي الكردية، ورُفِع، بدلاً عنه، “علم” “حكومة كردستان العراق”..!؟
المشكلة في هذا التحول إلى صيغة الدولة الفيدرالية الاتحادية في العراق أنه قام على أساس طائفي، وليس جغرافيا، في المقام الأول. الطوائف المختلفة في العراق، يمكن ملاحظة انتشارها في أقاليم مختلفة، بالرغم من تمركزها في أقاليم معينة. على سبيل المثال، : هناك تداخل شيعي سني وإلى حد ما كردي في بغداد، رغم وجود غالبية للعرب السنة في أقاليم وسط العراق. ليس على مستوى الأقاليم هناك اختلاط وتداخل ديموغرافي بين السكان، بل على مستوى المدن، أيضاً. الأكراد على سبيل المثال يطالبون بمدينة كركوك الغنية بالنفط، رغم وجود جماعات كبيرة عربية سنية وشيعة وتركمان في المدينة.
هناك أيضاً، إشكال إقليمي في التطور نحو الفيدرالية في العراق. تركيا، على سبيل المثال لن تسمح بقيام دولة كردية في شمال العراق، بل إنها لن تسمح بإلحاق مدينة كركوك بإقليم كردستان، الذي تحكمه “حكومة” كردستان العراق. علاقات الائتلاف الشيعي الذي كانت وراء سن القانون، الوثيقة مع إيران، تبعث القلق عربيا، باحتمال تطور إلحاق جنوب العراق، بإيران، ليصبح جنوب العراق جزءاً من إيران وليس العراق...!؟ الأمر الذي يخلط أوراق التوازن الإقليمي في منطقة الخليج العربي.. ويهدد، بصورة مباشرة الأمن القومي العربي.
هذا البعد الطائفي الضيق، لصيغة الفيدرالية ، هو الذي يؤذن بحالة من عدم الاستقرار في العراق، قد تقوده إلى حرب أهلية.. و يؤذن أيضاً، بتطور حالة من عدم الاستقرار الإقليمي، في المنطقة، لا يقل خطورة عن احتمال اندلاع حرب أهلية طاحنة في العراق، بسبب توجهات الشيعة والأكراد الانفصالية وضعف إمكانات العرب السنة في الإبقاء على وحدة العراق... مع تطور مصالح إقليمية ودولية نحو انهيار الدولة في العراق... بل وحتى إبادة الشعب العراقي، نفسه. أظهرت دراسة أمريكية جديدة: منذ حرب الخليج الثانية، فقد العراق ما يقرب من 700 ألف شخص، بمعدل 500 عراقي يقتلون يومياً. إذا استمر معدل القتل في العراقيين، بهذا المستوى، فإنه خلال عشرين سنة لن يوجد عراقي واحد في أرض الرافدين.