فاقد الثقة

نايف الرشدان

كل امرئ أعرف الخلق بنفسه، لن يجد من يدله على ذاته أهدى من خطواته، ولن يجد من يقيمه في سلوكه أفضل من مسلكه، ولن تكون له أية مزية حين لا يستكين إلا بالرزية، أشبه الخلائق بك هو أنت، وأقربهم لك صلة ورحما هي ذاتك، وأكثرهم بك ولك فهما هي نياتك، وألصق الخلق بأسرارك هو ضميرك، وأوثق العرى بأفكارك هو مصيرك، وما من لغة أرأف بك من عبارات الإقرار، ولا جهة أعرف بك من شريك القرار، طرائق الهروب ممهدة دون ضجيج، لكنها لا تؤدي بك إلى الأبواب بل إلى النوافذ المغلقة، حتى وإن اتسع المكان المرتكض، معابر النجاة في ثقة تعمر جوانحك، وفي ثقة تؤكد مدائحك، لست محوجا إلى داعم السبيل أكثر من حاجتك إلى عالم نبيل، فلا تغتررن بقلائد معادة، حين تهطل بين يديك قصائد الإشادة، ثق بما لديك من قدرات في الإدارة، فتلك لا ترى إلا بصادق العبارة، وحين تهمي عليك موهمات ظنك، فثق بشيء غير ملهمات فنك، فلا تمترين بعذب أحلامك، ولا تفترين على غيرك بأوهامك. قيمة الإنسان تنبع من داخله وليست من خارجه، حقيقة (من أنت) تستطيع أن تعبر عنك، يبدأ الناس الحديث عن حالك من خلالك، وليس من خلال رأيك فيك، البدء من مخبرك وليس من مظهرك، لن يصغي الجميع كثيرا لأحاديثك عن جنابك، ولن تصدق فيك مدائح أحبابك، ولن تكون الكلمات الراقصة تعبيرا عن كلام الفصل والحسم والتصديق على شخصيتك الطارئة؛ لأن شخصيتك الثابتة غائصة في مجاهل الزيف، ما تظهره الحقيقة الغائبة هو أنت في الخفاء أنت في العلن أنت في تعاملك أنت في تألمك وتأملك أنت في رجائك أنت في بكائك أنت في غضبك أنت في فرحك أنت من خلال دارك أنت من خلال جارك، أنت من خلال أنت بما تحمله في دواخلك من قمم وما تفقده من قيم بما تنطوي عليه أضلعك من شيمات أو بما يطوي لسانك من شتيمات، أنت الحقيقي.. ليس أنت بين أهلك بين زملائك بين أحبابك، أنت الذي تمثل ذاتك الحقيقية.. ليس أنت بابتسامة تجيد رسمها لثوان وتظهر في بيتك بوجهٍ ثان، ثق بنفسك دون حاجة إلى استنطاق غيرك، وثق بما لديك باستحضار خيرك، دع عنك بهارج الشتات وخذ بقوة مناهج الثبات، وما استجلابك الثناء على نفسك إلا محاولة يائسة على هامش جديدك لإضافة معنى إلى رصيدك، وأنت لو التفت إلى مزاياك الرائعة، لم تحتج إلى مراياك الضائعة، فلا تكترثن بالحديث عما تدور حوله الشبهات ولا تدورن حول حمى الزلات ولا تكثر من ذكر هادم المروءات، وعد من حيث كنت، فتش في جميع جنباتك وجوابك، لتجدن بديع موهباتك وصوابك، إنك متى تبينت في موئل طروحاتك وتمليت في مأمل طموحاتك، وجدت بونا شاسعا بين ما تبتنيه وما تتبينه.
يا صاحبي يا فاقد ثقاتك بذاتك.. ويا من انعطفت عن طريق نجاحاتك، بملاحقة غريق مساحاتك، إياك أن يمر قطار العمر من جوارك وأنت غارق في حوارك، يا صديقي القديم عد كما كنت لأنك حين تعيد نظراتك بين أخلاقك، ستجد أن نظراءك مضوا بجميع أوراقك!
يا صاحبي.. تملك الكثير من قدراتك لو أنك بذلت القليل من تقديراتك.


nrshdan@gmail.com