سطور من وجه بيئي

عبدالمؤمن القين

في تونس العاصمة حوالى عام 1994م التقيت بالدكتور عبدالعزيز بن محمد العيسى مدير الإدارة العامة للتراخيص والمخالفات البيئية بالرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، وكنت ممثلا لوزارة الثقافة والإعلام في لجنة تسيير التربية والتوعية والإعلام البيئي المنبثقة عن مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة في دول الخليج العربي. وإن من أهم أسس العمل البيئي والتوعية البيئية أن يطلع المشتغل بهما بنفسه على واقع البلد الذي يعقد فيه الاجتماع، فكان أن اصطحبنا الدكتور العيسى برفقة الأستاذ فوزي فلمبان -يرحمه الله- من الرئاسة، والأستاذ منير هلوي من الهيئة الملكية للجبيل وينبع، إلى مدينة قربص ذات الشلالات الغنية بالمياه المعدنية المنحدرة من أعالي الجبال وهي ذات فائدة صحية كبريتية وعلى امتداد الطريق شاهدنا أشجار الزيتون دائمة الخضرة والتي لا تتحات طوال فصول السنة. وبعد العودة إلى المملكة توالت الاتصالات بيننا، وفي كل مرة تتوثق الصلة علميا إلى هذا اليوم الذي أجد نفسي أمام خبير بيئة بلاده قبل أي شيء آخر، فيزداد إعجابي به ومن خلال قراءة سيرته الذاتية ابتعثته جامعة أم القرى للولايات المتحدة الامريكية فحصل على الماجستير في الجغرافيا من جامعة غرب متشجان، وعاد إلى المملكة ليعمل على وظيفة إدارية بمعهد الأرصاد ودراسة المناطق الجافة قبل تحويله لكلية وفق نظام الكونسورتيوم، إذ قام عدد من الخبراء وأعضاء هيئة التدريس بجامعة الكونسورتيوم الأمريكية بزيارة المملكة لدراسة بيئتها الصحراوية وظروفها البيئة المختلفة. قام هؤلاء الخبراء بزيارة منطقة حائل عن طريق البر التي كانت مأهولة بالبدو والرعاة المنتمين لشمر وعدد من بادية عنزة وحرب والرشايدة، فهي منطقة تاريخية رعوية مشهورة، فلا يكاد يمر العام حتى تتعرض للأمطار الغزيرة لأكثر من مرة في العام. واستطاع الدكتور العيسى باعتباره مرافقا للخبراء، فهو يجيد اللغة الانجليزية ولهجة البادية، استطاع جمع كثير من المعلومات عن المنطقة، ولقي تشجيعا من عضوي الفريق الدكتور ثموثي فينان والأستاذ الدكتور ثيودور داوننق بجامعة أريزونا (توسان)، وأفادته تلك المعلومات -فيما بعد- باستحداث وظيفة محاضر بالمعهد. وبعد ذلك حصل على الدكتوراه من جامعة أريزونا في البيئة البشرية والحضاريةHuman and cultural ecology، وقارن فيها بين حياة الهنود الحمر بأريزونا وحياة البادية بالمملكة.. ولعله من المناسب أن تشمل جهود البيئة ارتباطه بحضارة الإسلام، إذ عمل تحت إشراف أستاذ الدراسات الشرقية الدكتور ويلسون بقسم الدراسات الشرقية Oriental Studies، فترجم ولخص خمسين مقالا منشورا بعدد من المجلات العلمية وعدد من محتويات كتب البيئة وعلم الإنسان المتخصصة في العلاقات المتبادلة بين البيئة والسكان في مناطق الهامش الواقعة بعدد من دول أمريكا الجنوبية وقارة افريقيا. بعدئذ توجه الباحث إلى المملكة لإجراء البحث بمنطقة حائل حيث وجد العون من صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز أمير المنطقة آنذاك واتخذ من (موقق) وهي قرية صغيرة نقطة انطلاق نحو الأماكن والأراضي المتوطن فيها البدو، فأجرى معهم المقابلات الشخصية. هذا غيض من فيض من جهود الدكتور العيسى الدؤوبة حصل بعدها على درجة الدكتوراه بامتحان في البيئة البشرية والحضاريةHuman and cultural Environment، وتم تعيينه بمصلحة الأرصاد وحماية البيئة (سابقا) الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، على وظيفة مدير إدارة البيئة البشرية، وتقاعد عام 1427هـ بالمرتبة الحادية عشرة بعد تمديد فترة عمله ثلاث سنوات بعد تعيين صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن ناصر بن عبدالعزيز رئيسا عاما للأرصاد وحماية البيئة عام 1422هـ. وأخيرا ستظهر جهود الدكتور العيسى في كتاب يصدر قريبا إن شاء الله تعالى، يطالع فيه القارئ جولاته في مناطق مختلفة من المملكة ووصفه لبيئتها الحيوانية والنباتية والبشرية، والله ولي التوفيق.