لا سوق مشتركة دون إرادة سياسية .. والأولوية لأزمتي البطالة والغذاء
تشابه القاعدة الإنتاجية يعزز التنافس على حساب التكامل .. اقتصاديون خلال ندوة عكاظ:
الجمعة / 06 / ربيع الأول / 1434 هـ الجمعة 18 يناير 2013 19:13
أدار الندوة: علي الدويحي، صالح الزهراني
قال اقتصاديون إن السوق العربية المشتركة تواجه تحديات رئيسية من أبرزها الإرادة السياسية وعراقيل انتقال العمالة ورؤوس الأموال فضلا عن أزمتي البطالة والغذاء، معربين عن أملهم في أن تضع قمة الرياض الاقتصادية الأسبوع الجاري خارطة طريق للوصول إلى الاتحاد الجمركي بحلول 2015 والسوق العربية المشتركة بحلول 2020. وشددوا على أهمية إزالة المعوقات الجمركية التي تحول دون سرعة نفاذ السلع إلى الأسواق العربية، مشيرين إلى أهمية عدم رفع سقف التوقعات من قمة الرياض للظروف الاستثنائية الصعبة التي تعقد فيها. ودعوا في الندوة التي نظمتها «عكاظ» بمناسبة القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية التي تستضيفها الرياض خلال الأسبوع الحالي إلى ضرورة إعادة الروح إلى القطاع الزراعي العربي من أجل تعزيز الأمن الغذائي في ظل الاعتماد على الاستيراد بنسبة 90 في المائة ومنح الأولوية للاستثمارات العربية والمشاريع الزراعية المشتركة لتوفير الغذاء لغالبية سكان الوطن العربي. فإلى نص الندوة:
• «عكاظ»: كيف تنظرون إلى الظروف التي تعقد فيها القمة الاقتصادية العربية بالرياض؟
د. سالم باعجاجة: لا شك أن الظروف التي تعقد فيها القمة حاليا غاية في الدقة والحساسية في ظل حالة الضبابية وعدم الاستقرار السياسي اللذين تعيشهما بعض الدول مما يلقي بظلال كثيفة على إمكانية تحقيقها لأهدافها الكبرى، كما تعقد أيضا في ظل تبعات الأزمة الاقتصادية العالمية التي يعاني منها العالم منذ 2008. ولا شك أن كل هذه المعطيات تحتم على الدول العربية العمل بجدية من أجل رفع مستوى التعاون الاقتصادي لحل الكثير من الأزمات التي تواجهها على صعيد ارتفاع المواد الغذائية على وجه الخصوص ووجود أزمات متكررة في الحصول على المحاصيل الأساسية لظروف ارتفاع الأسعار والتغيرات المناخية.
عبد المنعم الشنقيطي: لا جدال على أن انعقاد القمة في المملكة يعزز من فرص نجاحها بفضل توجهات خادم
الحرمين العروبية والمكانة التي تتمتع بها المملكة التي يبلغ إنتاجها المحلي قرابة 25% من الإنتاج العربي، كما تملك 25% من الاحتياطي النفطي العالمي، فضلا عن عضويتها في مجموعة العشرين ولعبها لدور هام في سوق النفط العالمي. وفي اعتقادي انه قد حان الوقت لتحرير القرار الاقتصادي من الخلافات السياسية حتى تمضى قاطرة التعاون الاقتصادي العربي إلى الأمام بدون أي مؤثرات سلبية.
عصام خليفة: لا شك أن القمة العربية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية تعقد في ظل أوضاع سياسية صعبة تعيشها بعض الدول العربية بالإضافة إلى المشاكل والتحديات الاقتصادية التي تعاني منها هذه الدول، مؤكدا أن حركة التجارة والاستثمار بين الدول العربية ما زالت ضعيفة ودون مستوى الطموح، فحجم التجارة البينية العربية لم يتجاوز الـ10 في المائة من حجم التجارة الكلية للوطن العربي، حيث إنها لم تتجاوز 155 مليار دولار في عام 2010م، فقد بلغت قيمة الصادرات العربية البينية مع نهاية عام 2010م ما قيمته 77.7 مليار دولار مقابل 77.30 مليار دولار قيمة الواردات العربية البينية، كما تجاوز حجم الاستثمارات العربية خارج الوطن العربي التريلون دولار، بينما لم تتخط قيمة الاستثمارات داخل الدول العربية حاجز 100 مليار دولار، ومعظمها ينصب في مشاريع عمرانية وعقارية وسياحية والاتصالات.
عبد الله الفلالي: الظروف الراهنة تحتم علينا عدم رفع السقف المطلوب من القمة، وإن كنا نتطلع إلى أن نرى الاتحاد الجمركي والسوق العربية المشتركة على أرض الواقع بعد إزالة الكثير من المعوقات التي تعترض التعاون العربي منذ سنوات. ولا شك أن تركيز القمة على بعض الملفات المحددة يعزز من فرص نجاحها وفي صدارتها السكك الحديدية والكهرباء والاتصالات والغاز والأمن الغذائي ودعم الاستثمارات البينية وتفعيل الاتحاد الجمركي الذي يواجه معوقات عديدة.
أزمة البطالة
• «عكاظ»: تتطلع القمة إلى تحقيق التكامل الاقتصادي وتفعيل العمل العربي المشترك، كيف يمكن أن يتحقق ذلك؟
د. سالم: لا جدال على أن التحديات التي تواجه الدول العربية متقاربة، خاصة فيما يتعلق بأزمتي البطالة والإسكان، وتشابه القاعدة الإنتاجية واللجوء إلى التصدير دون الاهتمام بالصناعة لتعزيز القيمة المضافة. ولعل هذا الأمر يحد من إمكانية التوسع في المشاريع المشتركة بما يقلل من الازدواجية والتنافس وتعارض المصالح. ولعل البداية تبدأ من إخلاص النوايا وإعادة النظر في الارتباطات الخارجية للكثير من الدول العربية مع التكتلات الخارجية التي قد تتعارض مصالحها مع الأمة العربية. ولا شك أنه في ظل وجود الكثير من الأراضي الصالحة للزراعة يمكن البدء بمشروعات مشتركة لمواجهة أزمة الغذاء في الدول العربية التي تستورد 90% من غذائها، خاصة من الحبوب الاستراتيجية مثل القمح والأرز والذرة.
الشنقيطي: إن مراجعة سريعة للتعاون العربي الاقتصادي على مدى الستين عاما الماضية تؤكد أن المشكلة تكمن في ربط الاقتصاد بالمنعطفات السياسية التي تمر بها الأمة، ومن هنا تبقى الإرادة السياسية أساس أية انطلاقة اقتصادية في المرحلة المقبلة. ويأتي بعد ذلك ضرورة إجراء إصلاحات إدارية واقتصادية تعزز انسيابية البضائع وانتقال العمالة وإزالة المعوقات الجمركية المتعلقة وتعزيز تدفق الاستثمارات العربية. وفي اعتقادي أن فتح هذا الملف بشفافية تامة بات من الضرورة بمكان خاصة أن له تأثيرات مباشرة على واقع سوق العمل في الدول المختلفة.
خليفة: لا شك أن هناك أسبابا عديدة ساهمت في عرقلة جهود التعاون الاقتصادي العربي من أهمها: عدم توفر إرادة سياسية عربية والتزام سياسي حقيقي وثابت من قبل الدول العربية بتحقيق تعاون اقتصادي في كافة المجالات، وعدم الرغبة في تقديم تنازلات والتخلي عن بعض سلطاتها لصالح التجمع الإقليمي العربي، وضعف البنية التحتية لكثير من الدول العربية وأهمها الكهرباء والنقل والاتصالات، وهشاشة القاعدة الصناعية لكثير من الدول وتشابه السلع المعروضة للتجارة، وغالبيتها تعتمد على المواد الخام الأولية مثل النفط والمنتجات الزراعية، وعدم وجود صناعات للسلع الرأسمالية مثل الأجهزة الإلكترونية والكهربائية والسيارات وغيرها من الصناعات الرأسمالية وبالتالي تعتمد على وارداتها من الدول المتقدمة صناعياً، وعدم وجود أسس وتشريعات قانونية واضحة غير قابلة للتفسير والتأويل وفق الأمزجة والمصالح الضيقة للدول، والاعتماد الشديد لبعض الدول على الرسوم الجمركية كمورد رئيسي لها، ووجود رقابة نقدية في بعض الدول العربية وصعوبة تحويل العملات مقابل العملات الصعبة، والأداء البيروقراطي وطول الإجراءات في بعض الدول التي قد تستغرق شهورا طويلة جعلها بيئة غير جاذبة للاستثمار وحال دون استثمار الشركات الخاصة فيها، وعدم توفر قاعدة معلوماتية عربية حديثة تؤمن المعلومات الضرورية واللازمة عن المتغيرات «البينية، الاقتصادية، السياسية، الفنية، السوقية»، التي تساهم في بناء استراتيجية اقتصادية وتسويقية سليمة جاذبة للاستثمارات، وعدم وجود مؤسسات مالية عربية مشتركة لديها القدرة على الاستفادة من الإمكانيات المالية العربية المتاحة والمزايا النسبية وتوظيفها لصالح الاقتصاد العربي.
ونظراً لإدراك قيادة المملكة بالظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الوطن العربي وإحساسها بمسؤوليتها العظيمة، فقد دعا خادم الحرمين الشريفين قادة الأمة العربية لحضور هذا المؤتمر الاقتصادي.
اختلاف مستوى المعيشة
الفلالي: الوطن العربي يعاني من صعوبات هيكلية تحد من التعاون الفعال بين دوله المختلفة على الرغم من القرارات الوردية والآمال التي يتم الحديث عنها، ومن تلك المعوقات وجود تفاوت ملموس في المستويات المعيشية وخشية البعض من فتح أسواقهم بصورة كاملة أمام عمالة الدول الفقيرة فيعاني شبابها من مصاعب اقتصادية أكبر. وهذا بلا جدال حق لهم، أما الأمر الثاني فهو عدم وجود تباين كبير في الإنتاج العربي، الأمر الذي يحد من فرص التكامل، ويعزز على العكس من ذلك المنافسة القوية. وقد أدت معاناة الكثير من الدول العربية من أزمات ديون كبيرة إلى رهن قرارها السياسي والاقتصادي للمنظمات الدولية الداعمة وبعض التكتلات الاقتصادية التي قد لا تنسجم مع الرؤى العربية.
• «عكاظ»: كيف تنظرون إلى الآمال المعقودة على الاتحاد الجمركي في 2015 والسوق المشتركة في 2020؟
د. سالم: كما ذكرت سلفا، تظل الأهداف الاقتصادية الكبرى للدول العربية مرهونة بالإرادة السياسية، وقد لمسنا في السنوات الأخيرة نقلة في هذا الاتجاه ويكفي الإشارة إلى زيادة حركة التبادل التجاري العربي إلى 60 مليار دولار مقارنة بـ32 مليار دولار فقط قبل 7 سنوات. كما زاد حجم تدفق البضائع العربية بنسبة كبيرة أيضا بعد إزالة الكثير من المعوقات الجمركية وقواعد منشأ السلع. وما زالت أمامنا تحديات كبيرة في هذا الجانب ومنها المشاكل الإجرائية في المنافذ والرسوم التي يتم فرضها على مرور الشاحنات وارتفاع كلفة النقل البري، فضلا عن الصعوبات في حصول السائقين على تأشيرات المرور.
الشنقيطي: لست مع الصورة الضبابية التي يراها البعض لمستقبل التعاون العربي، وأتشبث بالأمل لأنه لا سبيل أمامنا غيره في ظل بروز تكتلات عديدة ناجحة في أوروبا والامريكتين وأفريقيا وآسيا، فيما الدول العربية ما زالت تعيش في خلافات مستمرة. وفي اعتقادي أنه يمكن البناء على هذه التجارب لأننا لن نخترع العجلة من جديد سواء عربيا أو خليجيا، كما أن التحديات تفرض علينا تعزيز الربط البري والكهربائي والبحث عن تقنيات للطاقة الجديدة، وإعادة الروح إلى الزراعة في البيئة العربية حتى نأكل مما ننتج.
خليفة: ولعلاج كثير من معوقات التبادل التجاري وزيادة الاستثمارات بين الدول العربية هناك العديد من الإصلاحات والإجراءات لا بد من اتخاذها.. منها:
ــ إزالة كل القيود وإزالة كل المعوقات الجمركية وغير الجمركية من أمام حركة رجال العمال العرب وحركة السلع والاستثمارات.
ــ تسهيل انتقال رجال الأعمال العرب دون الحصول على تأشيرة دخول من الدول العربية الأخرى، حيث إن التجربة أثبتت أن رجال الأعمال العرب ساهموا في دعم اقتصاد بلدانهم عندما توافرت لهم الظروف الملائمة.
ــ عدم اللجوء إلى التدابير غير الجمركية لأغراض الحماية الاقتصادية، وكذلك حث تلك الدول على إلغاء الحواجز غير الجمركية واتخاذ تدابير لتسهيل تأشيرات رجال الأعمال،
ــ ضرورة الانتقال من مرحلة التكامل الشكلي بين الدول العربية إلى مرحلة التكامل العميق.. ويكون ذلك بضرورة تطوير منظومة النقل العربية التي تعد معوقا رئيسيا من معوقات التعاون العربي
ــ تحرير الخدمات بين الدول العربية.. مبينا أن كل الاتفاقيات السابقة كانت تتعلق بتحرير السلع وليس الخدمات.
ــ تفعيل مناطق التجارة الحرة بين الدول العربية تعد خطوة أساسية لدعم وتعزيز القدرة التنافسية للدول الأعضاء وربط سياساتها الضريبية بمجالات الاستثمار، والتشجيع على قيام المؤسسات المالية غير المصرفية لخدمة أغراض الاستثمار والتنمية، أي أنها تهدف إلى دفع عجلة التنمية الاقتصادية وتسريع النمو الاقتصادي للدول الأعضاء فيها عن طريق حرية انتقال السلع والخدمات بلا قيود أو أعباء مالية، واستخدام واستغلال الموارد الاقتصادية المتاحة بطرق فاعلة وشروط ميسرة، كما تهدف إلى دعم الاستثمار الأجنبي وخلق فرص عمل جديدة وتمكين الدول الأعضاء فيها من تحقيق منافع اقتصادية عديدة من خلال تعاملاتها مع المتغيرات والتكتلات الاقتصادية الإقليمية والدولية.
ــ مشاركة الهيئات المالية العربية في اجتماع القمة سيعطي لها فعالية أكبر في تعزيز التبادل التجاري وتنمية الاستثمارات وتطوير أسواق المال العربية مثل الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي الذي يتخذ من الكويت مقراً له، وصندوق النقد العربي ومقره الرئيسي في أبو ظبي، والمصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا. ولا شك أن رفع كل المعوقات سيزيد حجم التبادل التجاري وتنمية الاستثمارات بين الدول العربية، لهذا من المتوقع أن يضع القادة العرب في هذه الفترة الحساسة رؤية استراتيجية واضحة لحل الكثير من المشاكل والعقبات الاقتصادية التي تواجه الدول العربية، والدفع بعملية التكامل الاقتصادي خطوات نحو الأمام وذلك بتفعيل الاتفاقيات السابقة المتعلقة بالتنمية الاقتصادية وجذب رؤوس الأموال العربية في دول المنطقة، وتفعيل مناطق التجارة العربية الحرة، وزيادة حجم التجارة البينية وتفعيل مشروع الاتحاد الجمركي، وكذلك من المؤمل أن يتفق القادة العرب على الاستمرار في تطوير الإجراءات والأنظمة ذات العلاقة بالاستثمار ومواجهة التحديات والصعوبات المتغيرة التي تواجه المستثمرين وتحسين بيئة ومناخ الاستثمار بينها، حيث ما زالت كل هذه الأنظمة والإجراءات دون مستوى طموحات الشعوب ورجال الأعمال وتواجه الكثير من التحديات والعقبات.
الفلالي: قبل الحديث عن السوق المشتركة بعنوانها العريض الذي يعني تحرير السلع والخدمات وحركة الأفراد يجب أولا إقامة مراكز مختلفة لتنمية الصادرات البينية بين الدول العربية بنسبة 5% سنويا ودعم التعاون الجمركي لأنه حجر الزاوية في أي حديث عن السوق المشتركة. كما يجب أيضا أن تكون الأولوية للمستثمر العربي في الدول العربية والتركيز على التنمية بمفهومها الشامل.
• «عكاظ»: كيف تنظرون إلى الظروف التي تعقد فيها القمة الاقتصادية العربية بالرياض؟
د. سالم باعجاجة: لا شك أن الظروف التي تعقد فيها القمة حاليا غاية في الدقة والحساسية في ظل حالة الضبابية وعدم الاستقرار السياسي اللذين تعيشهما بعض الدول مما يلقي بظلال كثيفة على إمكانية تحقيقها لأهدافها الكبرى، كما تعقد أيضا في ظل تبعات الأزمة الاقتصادية العالمية التي يعاني منها العالم منذ 2008. ولا شك أن كل هذه المعطيات تحتم على الدول العربية العمل بجدية من أجل رفع مستوى التعاون الاقتصادي لحل الكثير من الأزمات التي تواجهها على صعيد ارتفاع المواد الغذائية على وجه الخصوص ووجود أزمات متكررة في الحصول على المحاصيل الأساسية لظروف ارتفاع الأسعار والتغيرات المناخية.
عبد المنعم الشنقيطي: لا جدال على أن انعقاد القمة في المملكة يعزز من فرص نجاحها بفضل توجهات خادم
الحرمين العروبية والمكانة التي تتمتع بها المملكة التي يبلغ إنتاجها المحلي قرابة 25% من الإنتاج العربي، كما تملك 25% من الاحتياطي النفطي العالمي، فضلا عن عضويتها في مجموعة العشرين ولعبها لدور هام في سوق النفط العالمي. وفي اعتقادي انه قد حان الوقت لتحرير القرار الاقتصادي من الخلافات السياسية حتى تمضى قاطرة التعاون الاقتصادي العربي إلى الأمام بدون أي مؤثرات سلبية.
عصام خليفة: لا شك أن القمة العربية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية تعقد في ظل أوضاع سياسية صعبة تعيشها بعض الدول العربية بالإضافة إلى المشاكل والتحديات الاقتصادية التي تعاني منها هذه الدول، مؤكدا أن حركة التجارة والاستثمار بين الدول العربية ما زالت ضعيفة ودون مستوى الطموح، فحجم التجارة البينية العربية لم يتجاوز الـ10 في المائة من حجم التجارة الكلية للوطن العربي، حيث إنها لم تتجاوز 155 مليار دولار في عام 2010م، فقد بلغت قيمة الصادرات العربية البينية مع نهاية عام 2010م ما قيمته 77.7 مليار دولار مقابل 77.30 مليار دولار قيمة الواردات العربية البينية، كما تجاوز حجم الاستثمارات العربية خارج الوطن العربي التريلون دولار، بينما لم تتخط قيمة الاستثمارات داخل الدول العربية حاجز 100 مليار دولار، ومعظمها ينصب في مشاريع عمرانية وعقارية وسياحية والاتصالات.
عبد الله الفلالي: الظروف الراهنة تحتم علينا عدم رفع السقف المطلوب من القمة، وإن كنا نتطلع إلى أن نرى الاتحاد الجمركي والسوق العربية المشتركة على أرض الواقع بعد إزالة الكثير من المعوقات التي تعترض التعاون العربي منذ سنوات. ولا شك أن تركيز القمة على بعض الملفات المحددة يعزز من فرص نجاحها وفي صدارتها السكك الحديدية والكهرباء والاتصالات والغاز والأمن الغذائي ودعم الاستثمارات البينية وتفعيل الاتحاد الجمركي الذي يواجه معوقات عديدة.
أزمة البطالة
• «عكاظ»: تتطلع القمة إلى تحقيق التكامل الاقتصادي وتفعيل العمل العربي المشترك، كيف يمكن أن يتحقق ذلك؟
د. سالم: لا جدال على أن التحديات التي تواجه الدول العربية متقاربة، خاصة فيما يتعلق بأزمتي البطالة والإسكان، وتشابه القاعدة الإنتاجية واللجوء إلى التصدير دون الاهتمام بالصناعة لتعزيز القيمة المضافة. ولعل هذا الأمر يحد من إمكانية التوسع في المشاريع المشتركة بما يقلل من الازدواجية والتنافس وتعارض المصالح. ولعل البداية تبدأ من إخلاص النوايا وإعادة النظر في الارتباطات الخارجية للكثير من الدول العربية مع التكتلات الخارجية التي قد تتعارض مصالحها مع الأمة العربية. ولا شك أنه في ظل وجود الكثير من الأراضي الصالحة للزراعة يمكن البدء بمشروعات مشتركة لمواجهة أزمة الغذاء في الدول العربية التي تستورد 90% من غذائها، خاصة من الحبوب الاستراتيجية مثل القمح والأرز والذرة.
الشنقيطي: إن مراجعة سريعة للتعاون العربي الاقتصادي على مدى الستين عاما الماضية تؤكد أن المشكلة تكمن في ربط الاقتصاد بالمنعطفات السياسية التي تمر بها الأمة، ومن هنا تبقى الإرادة السياسية أساس أية انطلاقة اقتصادية في المرحلة المقبلة. ويأتي بعد ذلك ضرورة إجراء إصلاحات إدارية واقتصادية تعزز انسيابية البضائع وانتقال العمالة وإزالة المعوقات الجمركية المتعلقة وتعزيز تدفق الاستثمارات العربية. وفي اعتقادي أن فتح هذا الملف بشفافية تامة بات من الضرورة بمكان خاصة أن له تأثيرات مباشرة على واقع سوق العمل في الدول المختلفة.
خليفة: لا شك أن هناك أسبابا عديدة ساهمت في عرقلة جهود التعاون الاقتصادي العربي من أهمها: عدم توفر إرادة سياسية عربية والتزام سياسي حقيقي وثابت من قبل الدول العربية بتحقيق تعاون اقتصادي في كافة المجالات، وعدم الرغبة في تقديم تنازلات والتخلي عن بعض سلطاتها لصالح التجمع الإقليمي العربي، وضعف البنية التحتية لكثير من الدول العربية وأهمها الكهرباء والنقل والاتصالات، وهشاشة القاعدة الصناعية لكثير من الدول وتشابه السلع المعروضة للتجارة، وغالبيتها تعتمد على المواد الخام الأولية مثل النفط والمنتجات الزراعية، وعدم وجود صناعات للسلع الرأسمالية مثل الأجهزة الإلكترونية والكهربائية والسيارات وغيرها من الصناعات الرأسمالية وبالتالي تعتمد على وارداتها من الدول المتقدمة صناعياً، وعدم وجود أسس وتشريعات قانونية واضحة غير قابلة للتفسير والتأويل وفق الأمزجة والمصالح الضيقة للدول، والاعتماد الشديد لبعض الدول على الرسوم الجمركية كمورد رئيسي لها، ووجود رقابة نقدية في بعض الدول العربية وصعوبة تحويل العملات مقابل العملات الصعبة، والأداء البيروقراطي وطول الإجراءات في بعض الدول التي قد تستغرق شهورا طويلة جعلها بيئة غير جاذبة للاستثمار وحال دون استثمار الشركات الخاصة فيها، وعدم توفر قاعدة معلوماتية عربية حديثة تؤمن المعلومات الضرورية واللازمة عن المتغيرات «البينية، الاقتصادية، السياسية، الفنية، السوقية»، التي تساهم في بناء استراتيجية اقتصادية وتسويقية سليمة جاذبة للاستثمارات، وعدم وجود مؤسسات مالية عربية مشتركة لديها القدرة على الاستفادة من الإمكانيات المالية العربية المتاحة والمزايا النسبية وتوظيفها لصالح الاقتصاد العربي.
ونظراً لإدراك قيادة المملكة بالظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الوطن العربي وإحساسها بمسؤوليتها العظيمة، فقد دعا خادم الحرمين الشريفين قادة الأمة العربية لحضور هذا المؤتمر الاقتصادي.
اختلاف مستوى المعيشة
الفلالي: الوطن العربي يعاني من صعوبات هيكلية تحد من التعاون الفعال بين دوله المختلفة على الرغم من القرارات الوردية والآمال التي يتم الحديث عنها، ومن تلك المعوقات وجود تفاوت ملموس في المستويات المعيشية وخشية البعض من فتح أسواقهم بصورة كاملة أمام عمالة الدول الفقيرة فيعاني شبابها من مصاعب اقتصادية أكبر. وهذا بلا جدال حق لهم، أما الأمر الثاني فهو عدم وجود تباين كبير في الإنتاج العربي، الأمر الذي يحد من فرص التكامل، ويعزز على العكس من ذلك المنافسة القوية. وقد أدت معاناة الكثير من الدول العربية من أزمات ديون كبيرة إلى رهن قرارها السياسي والاقتصادي للمنظمات الدولية الداعمة وبعض التكتلات الاقتصادية التي قد لا تنسجم مع الرؤى العربية.
• «عكاظ»: كيف تنظرون إلى الآمال المعقودة على الاتحاد الجمركي في 2015 والسوق المشتركة في 2020؟
د. سالم: كما ذكرت سلفا، تظل الأهداف الاقتصادية الكبرى للدول العربية مرهونة بالإرادة السياسية، وقد لمسنا في السنوات الأخيرة نقلة في هذا الاتجاه ويكفي الإشارة إلى زيادة حركة التبادل التجاري العربي إلى 60 مليار دولار مقارنة بـ32 مليار دولار فقط قبل 7 سنوات. كما زاد حجم تدفق البضائع العربية بنسبة كبيرة أيضا بعد إزالة الكثير من المعوقات الجمركية وقواعد منشأ السلع. وما زالت أمامنا تحديات كبيرة في هذا الجانب ومنها المشاكل الإجرائية في المنافذ والرسوم التي يتم فرضها على مرور الشاحنات وارتفاع كلفة النقل البري، فضلا عن الصعوبات في حصول السائقين على تأشيرات المرور.
الشنقيطي: لست مع الصورة الضبابية التي يراها البعض لمستقبل التعاون العربي، وأتشبث بالأمل لأنه لا سبيل أمامنا غيره في ظل بروز تكتلات عديدة ناجحة في أوروبا والامريكتين وأفريقيا وآسيا، فيما الدول العربية ما زالت تعيش في خلافات مستمرة. وفي اعتقادي أنه يمكن البناء على هذه التجارب لأننا لن نخترع العجلة من جديد سواء عربيا أو خليجيا، كما أن التحديات تفرض علينا تعزيز الربط البري والكهربائي والبحث عن تقنيات للطاقة الجديدة، وإعادة الروح إلى الزراعة في البيئة العربية حتى نأكل مما ننتج.
خليفة: ولعلاج كثير من معوقات التبادل التجاري وزيادة الاستثمارات بين الدول العربية هناك العديد من الإصلاحات والإجراءات لا بد من اتخاذها.. منها:
ــ إزالة كل القيود وإزالة كل المعوقات الجمركية وغير الجمركية من أمام حركة رجال العمال العرب وحركة السلع والاستثمارات.
ــ تسهيل انتقال رجال الأعمال العرب دون الحصول على تأشيرة دخول من الدول العربية الأخرى، حيث إن التجربة أثبتت أن رجال الأعمال العرب ساهموا في دعم اقتصاد بلدانهم عندما توافرت لهم الظروف الملائمة.
ــ عدم اللجوء إلى التدابير غير الجمركية لأغراض الحماية الاقتصادية، وكذلك حث تلك الدول على إلغاء الحواجز غير الجمركية واتخاذ تدابير لتسهيل تأشيرات رجال الأعمال،
ــ ضرورة الانتقال من مرحلة التكامل الشكلي بين الدول العربية إلى مرحلة التكامل العميق.. ويكون ذلك بضرورة تطوير منظومة النقل العربية التي تعد معوقا رئيسيا من معوقات التعاون العربي
ــ تحرير الخدمات بين الدول العربية.. مبينا أن كل الاتفاقيات السابقة كانت تتعلق بتحرير السلع وليس الخدمات.
ــ تفعيل مناطق التجارة الحرة بين الدول العربية تعد خطوة أساسية لدعم وتعزيز القدرة التنافسية للدول الأعضاء وربط سياساتها الضريبية بمجالات الاستثمار، والتشجيع على قيام المؤسسات المالية غير المصرفية لخدمة أغراض الاستثمار والتنمية، أي أنها تهدف إلى دفع عجلة التنمية الاقتصادية وتسريع النمو الاقتصادي للدول الأعضاء فيها عن طريق حرية انتقال السلع والخدمات بلا قيود أو أعباء مالية، واستخدام واستغلال الموارد الاقتصادية المتاحة بطرق فاعلة وشروط ميسرة، كما تهدف إلى دعم الاستثمار الأجنبي وخلق فرص عمل جديدة وتمكين الدول الأعضاء فيها من تحقيق منافع اقتصادية عديدة من خلال تعاملاتها مع المتغيرات والتكتلات الاقتصادية الإقليمية والدولية.
ــ مشاركة الهيئات المالية العربية في اجتماع القمة سيعطي لها فعالية أكبر في تعزيز التبادل التجاري وتنمية الاستثمارات وتطوير أسواق المال العربية مثل الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي الذي يتخذ من الكويت مقراً له، وصندوق النقد العربي ومقره الرئيسي في أبو ظبي، والمصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا. ولا شك أن رفع كل المعوقات سيزيد حجم التبادل التجاري وتنمية الاستثمارات بين الدول العربية، لهذا من المتوقع أن يضع القادة العرب في هذه الفترة الحساسة رؤية استراتيجية واضحة لحل الكثير من المشاكل والعقبات الاقتصادية التي تواجه الدول العربية، والدفع بعملية التكامل الاقتصادي خطوات نحو الأمام وذلك بتفعيل الاتفاقيات السابقة المتعلقة بالتنمية الاقتصادية وجذب رؤوس الأموال العربية في دول المنطقة، وتفعيل مناطق التجارة العربية الحرة، وزيادة حجم التجارة البينية وتفعيل مشروع الاتحاد الجمركي، وكذلك من المؤمل أن يتفق القادة العرب على الاستمرار في تطوير الإجراءات والأنظمة ذات العلاقة بالاستثمار ومواجهة التحديات والصعوبات المتغيرة التي تواجه المستثمرين وتحسين بيئة ومناخ الاستثمار بينها، حيث ما زالت كل هذه الأنظمة والإجراءات دون مستوى طموحات الشعوب ورجال الأعمال وتواجه الكثير من التحديات والعقبات.
الفلالي: قبل الحديث عن السوق المشتركة بعنوانها العريض الذي يعني تحرير السلع والخدمات وحركة الأفراد يجب أولا إقامة مراكز مختلفة لتنمية الصادرات البينية بين الدول العربية بنسبة 5% سنويا ودعم التعاون الجمركي لأنه حجر الزاوية في أي حديث عن السوق المشتركة. كما يجب أيضا أن تكون الأولوية للمستثمر العربي في الدول العربية والتركيز على التنمية بمفهومها الشامل.