أهو خريف الثقافة العربية ؟

عبدالملك مرتاض

كان ما كان، في ماضي الزمان، حين كان المثقفون العرب يجتمعون في غير مكان، للتباحث والتحاور وتناشد الأشعار، ومدارسة العلم والآثار، وتبادل الأفكار والأخبار...
فقليلا، قليلا، اختفت الفعاليات الثقافية العربية، أو ضعفت، أو بؤست، أو ذبلت وشحبت. وكأن الواحد منا يحق له الاستشهاد بقول عمرو بن الحارث الجرهمي:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
أنيس، ولم يسمر بمكة سامر!
فلولا الاحتفالات بمنح بعض الجوائز الأدبية الرسمية، ومن أهمها جائزة الملك فيصل العالمية، لكانت الديار العربية أقفرت من مثقفيها، وخلت من أدبائها!
أين الندوات الأدبية والنقدية الرفيعة التي كانت تعقد؟ وأين المهرجانات الشعرية الصاخبة التي كانت تنظم؟
كان مهرجان المربد فقضى نحبه، وسكن رمسه.
وكانت عكاظية الجزائر للشعر العربي السنوية فاختفت، وخفرت من الظهور! ويخيل إلي أن مهرجان الجنادرية ربما لم يعد كما كان، هو أيضا... فقد كان يستقطب أكبر الأدباء العرب، فيلتقون في قاعة الملك خالد بالرياض فيشهدون مجالس إنشاد الشعر، وإلقاء المحاضرات، واحتدام المناقشات الأدبية في أرقى مستوياتها الفكرية والمعرفية، فهل لا يزال ذلك قائما؟
كانت الندوات والمؤتمرات الأدبية تعقد في جدة (ندوة: قراءة جديدة لتراثنا النقدي، وهي أكبر ندوة نقدية شهدتها في حياتي، والحمد لله أن أعمالها قد نشرها النادي الثقافي الأدبي بجدة)، وفي صنعاء (وكانت ندوة النقد العربي المعاصر، وحضرها عامة نجوم النقد في العالم العربي)؛ وكان النادي الأدبي الثقافي بجدة خصوصا يعمل رجاله كخلية النحل، فهل لا يزال كعهدي به، أم انطفأ وهجه، وذهب أرجه؟
وكان المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة لا يكاد ينتهي من عقد ندوة حتى يعقد أخرى، فانطفأت ناره، وأسفت السوافي رماده!
وكانت... وكانت!...
وها نحن اليوم نبحث عن الثقافة العربية بالشمعة تحت الشمس، كما كان سقراط يفعل في بحثه عن الحقيقة، فلا نكاد نعثر إلا على البقايا! فهل نستطيع أن ننشئ من هذه البقايا كما فعلت سيدة البيت الإسبانية فأنشأت من بقايا أطعمة مطبخها ألذ أكلة إسبانية هي «البايلة»؟ إنا نرجو ذلك.
بل لقد تقوقع المثقفون العرب وانطووا على أنفسهم، واستسلموا لبؤسهم بعد أن تلفت اتحادات كتابهم وما يماثلها من الجمعيات الثقافية الكبيرة في العالم العربي، فقضت بالموت البطيء... لم يعد أحد يدعوهم، ولا يحتفي بهم، وكأن الرسالة الأدبية انتهى من الوجود وجودها، فلم يبق لنا إلا أن نؤبنها ونذرف الدموع على قبرها ذرفانا!
أم كل ما قلت هو مجرد تشاؤم ومغالاة لا معنى لهما؟.