لوثة العنف الأسرى

اعتدال عطيوي

رغم تضارب الإحصائيات الراصدة للعنف الأسري في بلادنا بين تقارير ودراسات صادرة من جهات مختلفة، إلا أن جميعها تصب في تكريس حقيقة مؤلمة عن تزايد العنف الأسري تجاه النساء والأطفال بصفة مطردة، آخذين في الاعتبار أنها تشكل الحالات المبلغ عنها فقط، أما الخفية التي كبحها العيب والخوف والترهيب فربما تكون مضاعفة، ما يدفعنا إلى التساؤل: ترى ماذا أصاب المجتمع وخلخل أمنه الاجتماعي بهذه الطريقة، حتى لا يكاد يمضي أسبوع أو أكثر إلا وتروعنا حالة لطفل أو امرأة معنفين بشدة ومن أقرب الناس إليهم، ما شكل ظاهرة تخللت المجتمع بقوة في السنوات الأخيرة، بحيث لم يعد نكرانها يجدي أحدا.
وإلى الآن والمجتمع يتحدث وينكر ويشجب ويستغرب ويتباكى ثم ينسى الأمر ليستمر المسلسل، ولعل من أفضل ما خرجنا به ــ على الأقل ــ لجان الحماية التابعة للشؤون الاجتماعية، والتي حددت بعد مداولات طويلة مجموعة أرقام للتبليغ عن العنف في كل منطقة أتبعتها بدور للحماية مؤخرا. واستنادا إلى دراسة منشورة أجراها د سعود كاتب عن تجربته شخصيا لهذه الأرقام في أوقات مختلفة تلخصت نتيجتها أن معظمها لا يستجيب، ولا أعرف مدى صحة ذلك وكيفية التأكد منه، إضافة إلى برنامج الأمان الأسري الذي يسعى إلى نشر الوعي وتدريب الكوادر المساهمة في الحد من العنف ومكافحته، ولنا أن نقر بأن معظم هذه المعلومات ما زالت مجهولة عند عامة المجتمع بمختلف فئاته، الأمر الذي يحتم ضرورة وأهمية نشرها على أوسع نطاق.
إن غموض المعلومات وتشوشها أسهم بدرجة كبيرة في تجاهل الكثيرين لما يدور حولهم من أنات ويشاهدونه من آثار؛ تهيبا من وضع المبلغ وما قد يناله من ردود الفعل، كما يجب أن نأخذ في الاعتبار أن آلية الشكوى وسبل إثبات الحالة تعتبر أيضا من المعلومات المشوشة، فلا يعرف الشاكي إلى أين يتجه ومتى وكيف لتعدد الجهات المعنية باستقبال بلاغات العنف، إضافة إلى انعدام آلية محددة للتعامل مع الحالات المعنفة، كما يتبين في كثير من الحالات. فبينما تتعرض بعض المعنفات للتوقيف لدى الشرطة أو تسليمهن إلى المعنفين بسبب شكاوى كيدية كالعقوق والتغيب والهروب أو الولاية للأطفال، ما يدفع بالمعنف إلى أحضان الشوك مرة أخرى ليستمر المسلسل الدامي.
ولعل ما يفاقم تلك الحالات أننا مجتمع نجيد مراكمة المسكوت عنه في حياتنا ومشاكلنا؛ بحجة عدم التدخل في أمور الآخرين.
ونظرا إلى كل تلك الظروف يستمر العنف إلى أن يصل إلى حالة الاعاقة أو الخطورة المهددة للحياة.
ورغم كل النوايا الحسنة والانتقادات والدراسات واللجان إلا أن الواقع الملموس يتجه نحو تصاعد وتيرة العنف الأسري لأن كل ذلك لا يكفي في ظل انعدام تجريم العنف وإيجاد قوانين رادعة معلنة لا تدرجه تحت مظلة إصلاح البين إلا بعد تطبيق العقاب، فحكم التجربة أثبت أنه الوحيد الفعال في ردع المعنفين، كما أصبح من الضرورة تكثيف الجهود التوعوية التي ترسخ القيم الدينية والاجتماعية وتستحث الأخلاق والمروءة للتخفيف من هذه الحالات ومجابهتها.