الشركات والمسؤولية الاجتماعية

حسن النعمي

يفترض في العلاقة بين المجتمع والشركات أن تتأسس على المنفعة المتبادلة. فكل طرف يأخذ من الآخر ما يحقق منفعته الخاصة. فالشركات تستفيد من موارد المجتمع البشرية والمادية، حيث لا يمكن لشركة أن تمتلك حضورها إلا بعون المجتمع. فالمجتمع يمثل الحاضنة التي ترعى عمليات الشركات، إضافة إلى أن المجتمع يستهلك منتجاتها.
تحكم مسؤولية الشركات تجاه المجتمعات ما يعرف بالمسؤولية الاجتماعية، حيث تؤدي الشركات واجبها تجاه رعاية البرامج الخيرية، والمؤسسات غير الربحية، كالمستشفيات والمدارس والإسكان الخيري، وتطوير وتنسيق الحدائق، وغيرها من البرامج الاجتماعية الموجهة للمجتمع.
والمسؤولية الاجتماعية قانون مكتوب في بعض المجتمعات، تلتزم فيه الشركات بتلبية المسؤوليات الاجتماعية تجاه المجتمع. ففي الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال تلتزم الشركات سنوياً، بعد دفع الضرائب، بدفع 10% من أرباحها للصرف على الخدمات الاجتماعية، وإن لم تفعل تقيم هذه النسبة ضمن حصة الضرائب. وعليه مثلت الشركات العالمية دعامة قوية لمجتمعاتها، فبقدر ما أثرت وتوسعت، أعطت مجتمعاتها حقوقها من خلال ما يسمى بالمسؤولية الاجتماعية. غير أن تحقيق هذه المسؤولية الاجتماعية لم يكن إلا بقوة ووضوح القانون الذي لا يترك مجالاً لهوى الشركات.
في مجتمعنا عشرات الشركات ذات الوزن الثقيل، استفادت من تسهيلات الدولة، واستفادت من قوانين الحماية، واستفادت من القروض والمزايا، وعليه يجب على هذه الشركات أن تتبادل المنافع مع المجتمع، أو ما يعرف بالمسؤولية الاجتماعية. لكن الملاحظ هو ضعف هذه المساهمة واعتمادها على الوازع الخيري عند فئات المحسنين، وأعطيت وكأنها صدقات وهبات للمجتمع، وأعطيت في قطاعات محدودة جداً.
وإذا كنا لا ننكر الجانب الخيري فيها، فإن العمل لا يجب أن يكون رهناً لهذا الوازع الذي قد ينشط أو يضعف حسب المواسم، بل يجب أن يكون وفقاً للمسؤولية الاجتماعية، أن يكون العمل في هذا السياق منظماً وموجهاً عبر آلية تنموية تسهم فيها الشركات الرائدة مثل أرامكو وسابك، وشركات الاتصالات، ومصانع الإسمنت، والبنوك وغيرها.
لتحقيق المسؤولية الاجتماعية وحفظ حقوق الشركات يمكن أن تحمل المرافق التي تسهم الشركات في إنشائها أو تطويرها أسماء هذه الشركات، فتحفظ حقوقها وتروج لعلاماتها التجارية بشكل دائم.
وحتى يكون العمل منظماً، فيمكن أن يكون هذا العام، على سبيل المثال، تطوير وتنسيق الحدائق أو ما بقي منها، بحيث تقوم شركة أو مجموعة شركات في كل مدينة وبالتنسيق مع أمانتها بحملة لتطوير وتنسيق الحدائق، والاستمرار في صيانتها تحت إشراف الأمانة. هنا يشعر المجتمع أن هذه الشركات ليست مجرد شركات للربح فقط، بل شركات لها دورها في الإسهام في بناء المجتمع.
وللحقيقة هناك مبادرات لبعض الشركات والبنوك في قطاع بناء بعض المجمعات السكنية في بعض مناطق الجنوب، لكن مشكلتها أنها مبادرات ظرفية لا يحكمها تنظيم معين. وعليه يبقى أثرها محدوداً في الزمان والمكان.
تمتد مسؤولية الشركات الاجتماعية إلى توطين الوظائف. فمن مسؤولية الشركات استقطاب أبناء المجتمع، وتدريبهم على رأس العمل، ومنحهم رواتب تتناسب مع متطلبات البيئة الاجتماعية. بمعنى أن يكون لهم ميزة تنافسية عن غيرهم من العمالة الوافدة. فما يصرف على أبناء المجتمع من مزايا سيكون في الحقيقة رداً لما قدمه المجتمع من قبل، ممثلاً في الدولة من حيث التسهيلات والمزايا التفضيلية التنافسية في الأسواق العالمية. إضافة إلى أن المجتمع قد تسامح مع عمليات بعض الشركات التي لها أضرار صحية وبيئية مثل ما تمثله شركات الإسمنت على سبيل المثال.
ما يطلبه المجتمع من الشركات هو وضع المسؤولية الاجتماعية بوصفها بنداً ثابتاً في موازناتها السنوية، تقيم وفقاً لنسبة الأرباح المتحققة كثرت أو قلت. كما يطلب المجتمع من الدولة وضع نظام ينظم العلاقة بين الشركات والمجتمع، ويسند إلى جهة للإشراف عليه وتهيئة الآليات الملائمة لتنفيذه.



wahnm@hotmail.com