باركت افتتاحنا فرويت شجرتنا يا خير زارع

وليد احمد فتيحي

ضرب الله لنا مثلاً لكل أعمال الخير صغيرها وكبيرها بالكلمة الطيبة ومثلها سبحانه بالشجرة الطيبة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ الله مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ الله الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) سورة إبراهيم.
ويُكثر القرآن من ذكر أنواع الخير وتمثيلها بأنواع من الزروع فقال تعالى: مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ والله يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) سورة البقرة.
بل ضرب الله مثلاً للمؤمنين بالزَّرْع وضرب مثلاً للأنبياء بالزراع كما في قوله تعالى: محمد رَّسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ الله وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29) سورة الفتح.
عقد كامل من الزمن شاء الله لنواة بذرة أن تَجد طريقها لأرض خصبة في هذا الوطن الغالي وبقيت هذه البذرة مغمورة تحت التراب يرعاها الله برعايته ويحفظها بحفظه ويصنعها على عينه، وأصبحت البذرة في بضع سنين نبتة صغيرة تشق لنفسها طريقاً فوق الأرض وتضرب لنفسها جذوراً في أرض باركها الله وصانها وحماها، كانت مهبط الوحي ومازالت نوراً وضياءً يهدي البشرية من مشارق الأرض لمغاربها.
واصطفى الله لِهَذه النبتة نخبة من أبناء هذا الوطن الغالي ومن العالم العربي بل ومن أقاصي الغرب، ومازالت النبتة تنمو رغم التحديات والعواصف وتقلبات المناخ و تضرب لنفسها جذوراً تحت الأرض ويرعاها مزارعوها من هذا الوطن المعطاء كلٌ على قدر طاقته وامكانياته، حتى كانت العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك لعام 1427هـ، حين شاء الله أن يُسخر لهذه الشجرة خير زارع لها، فيسر لنا زيارة خادم الحرمين الشريفين في مكة المكرمة في إحدى ليالي الشهر المباركات, فزرناه يوم الأحد الموافق 22 من رمضان 1427هـ، وشرح الله صدره لما سمع منا وأراه الله بعين المؤمن ما لم يره غيره, ويشاء الله أن يكون إعلان استواء شجرتنا «المركز الطبي الدولي» على يديه الخيرتين. وحدِّد يوم الأحد السابع من شوال لعام 1427هـ ليكون الافتتاح الرسمي للمركز الطبي الدولي.
وتم فضل الله، وأعلنت الشجرة الطيبة عن نفسها في أجمل صورها على يد ولي الأمر خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين حفظهما الله.
وقد أرسل الله لهذه الشجرة ولتلكم الرسالة التي تحملها بشارات عدَّة:
أولاها: أن الله قد شرح صدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أن يشرف بنفسه افتتاح المستشفى في إحدى ليالي العشر الأواخر المباركة من شهر رمضان.
ثانيها: أنه سبحانه قد أتم فضله علينا بعد العيد بأن أكرم شجرتنا بالافتتاح الرسمي على يد خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين.
ثالثها: هطلت الأمطار في فجر ذلك اليوم بشرا بين يدي رحمة الله.
رابعها: وافق يوم الافتتاح يوم الأحد وهو اليوم الذي بدأ الله فيه خلق الإنسان -على ما تذكره بعض الروايات.
بشارات خير يرسلها الله في ذلك اليوم مع مشاعر حُبٍّ أبوية صادقة يقذفها في قلبٍ متعلقٍ به, قلب ولي أمرنا العامر بالإيمان, الذي طالبنا بإيمانه وحبه أن نتمسك برسالتنا وبوطننا, ودعانا بلسان صدقه أن نطبق المعايير الربانية في كل ما نقوم به، وطمأننا بلسان اليقين أننا بذلك لن نضام ولن نخذل.
أي بشريات إلهية تلك التي يرسلها الله على يد ولي أمرنا خادم حرميه, يُعلمنا سبحانه بها أنه راعٍ لهذه الشجرة ولرسالتها, راضٍ عن رعاتها وزراعها, صانع لها على عينه سبحانه.
جزاك الله عنا خيراً يا ولي أمرنا, يا من اختارك الله لتكون خير زارع وراعٍ لها، وإننا على العهد والميثاق الذي وضعته على قلبك المؤمن الكبير لتزيدنا تثبيتاً، والذي عاهدناك فيه وواعدنا مواطني هذا البلد الغالي أن نلتزم برسالتنا لنصنع نموذجاً فريداً لرعاية صحية ذات نظرة شمولية لشفاء الإنسان جسداً وعقلاً وروحاً باتباع أفضل المعايير الطبية العالمية للعلاج واقتفاء المعايير الربانية في المعاملة والأخلاق، وأن نخرج بإذن الله النموذج القدوة من هذا الوطن في الصحة والشفاء والبحث والتعليم الطبي ولنعيد أمجاد أجدادنا عمالقة الطب ولنضيف فصلاً جديداً في تاريخ الطب والشفاء.
انني أدعو الله أن نكون أهلا لثقتك, نواة لتحقيق حلمك الكبير في أن يصبح هذا الوطن نبراساً للعلم والفكر والمعرفة والثقافة بشتى أشكالها. وكما هو اليوم قلب الأمة النابض وكعبتها وروحها الذي تهوي إليه أفئدة الناس من مشارق الأرض إلى مغاربها, يُصبح بكم عقلها الراشد وكعبة العلم والفكر الذي تقصده عقول الناس من مشارق الأرض إلى مغاربها كذلك.
وإننا لنعايش بناء هذا الحلم الكبير ونراك تضع بذور الخير في كل مكان وترعى ما صار منها نبتة, وتحمي وتساند ما صار منها شجرة في شتى مجالات الحياة. ونحن معك على العهد نجند طاقاتنا ونستحفز هممنا ولاندخر جهودنا, ودعاؤنا أن يتم الله ذلك الحلم الكبير في عصرنا هذا وزمننا هذا وعهدكم هذا وأن تروا بوادر ثمار هذه الأشجار الطيبة في كل مجالات الحياة على يد أبناء هذا الوطن لكل ما فيه خير للوطن الغالي والأمة الإسلامية والإنسانية جمعاء.