وطن لا تهتك الشمس له سترا

نايف الرشدان

الحراك الذي تشهده بلادنا على مستوى المعرفة والعلوم والآداب، لم يغرِ بعض أصدقائنا من الباحثين في العالم العربي لمنحنا حقنا من الدراسة والتقييم ــ للأسف ــ وإن كان قد أغراهم بشيء آخر!
مشكلة عامة نعدها عيبا في أي حكم مسبق أو جاهز معلب أو نظرة سائدة بائدة تجاه القيم الحقيقية التي تعمر المشهدين العلمي والثقافي لدينا، فليست مجهولة حتى يتم التعرف عليها! ولا تائهة حتى يتم البحث عنها!، ولا معقدة حتى تحوج إلى تبسيطها!، ولا ضئيلة حتى يحتاج إلى تكبيرها!، ولا هشة حتى تحتاج إلى مقويات !
لم أستطع أن أرد على ناقد عربي حين قال (الأدب والنقد ليس في بلادكم!!) إلا بقولي: (اكتفينا بوجوده لديكم)!! لكنه كما يقال أحس بها؛ لذا فهم الجواب على أنه سخرية وأرغى وأزبد في نفخ نقاد بلاده، وتحجيم نقاد وأدباء بلدي، مستعرضا بعض الأسماء، وجاءت سقطته عندما قال: كل ما عندكم هو أخذ منا واجترار، فقلت: « هي بضاعتكم ردت إليكم»، ألم أقل أنكم كل شئ ولست أرى أي شيء، قال: كيف لا ترى أي شيء؟!، قلت: ما أوصل العلم والمعرفة أحدا إلى درجة الطغيان وهضم الحقوق ومصادرة الآخر إلا آذن بالفراغ والهشاشة والسطحية في التفكير، ونحن لا ننفي عنكم العلم والأدب والثقافة، لكن من شاركك هذه النظرة الضيقة حري به ألا يكون متقدما في ميادين العلم ومضامير الثقافة ومرتكضات الإبداع!!
لا أدري، هل النظرة عند بعض أولئك «الأعدقاء» تنطلق من المركز والعموميات، على اعتبار أننا ما نحن إلا بدو طالتهم الحضارة المتأخرة، أو بلد نفطي عقله في جوف الأرض لا في أعلاها!! فهل النظرة إلى البلد أم أنها نظرة إلى الفرد نظرة تفرز الأسماء بعضها عن بعض ،وتمارس لغة التحريض بطريقة مباغتة ومدغمة؟.
هل يمكن النظر إلى معطيات علمائنا وأدبائنا بمعزل عن التاريخ الطري ومشاهدة التنامي بمراحله المختلفة دون النظر إلى حداثة الانضواء تحت لواء العلم والمعرفة، كما يشير صديقنا اللدود؟
النماذج التي يراها العالم الغربي الأكثر تمدنا وحضارة نالت حقها المتحضر من الثناء والمديح والدراسة ونالت الإعجاب، ذاك بأن روح التنافس العربي غير موجودة لديهم ولا لغة التفاخر المقيت في صناعة الحضارة واللهاث خلف أمجاد البريق والضوء ولمعة الدينار، تلك لم تكن من سمات التفاعل الغربي مع المعرفة والنتاج العلمي والإنساني عموما، فكان ما يلقون من رأي منصفا وواعيا .
ما أحوج المتعلم المتحضر في أي مكان إلى أن يحترم ذاته أولا، ثم احترام الآخر والنظر إلى المشاريع البحثية والعلوم والنتاج الثقافي على أنه حق مشاع وحقل عام يمكن للمرء أن يستنشق منه أعباق منتجاته دون تحريض أو تعريض، فإن آنس جمالا لم يبخسه حقه، وإن لم يلق شيئا خرج لم يشتمه ولم يركل الأغصان الذكية بحجة وجود غصن غبي، وإنما يترقى مكتفيا بلغة ما لا أراه في هذه الشجرة قد أجده في الشجرة الأخرى دون تنكيل بالحقل كله وتجاهل لشتات طيوبه المتباينة والمتوزعة.
للقصيبي :
نفط... يقول الناس عن وطني
ما أنصفوا... وطني هو المجد