«عمى» النخب الثقافية

شتيوي الغيثي

من المصطلحات النقدية التي بدأت تظهر في أكثر من مكان، ما تعارف عليه بـ «العمى الثقافي» (ولعل الدكتور الغذامي أول من قال به في السعودية في أحد مقالاته)، وهو مصطلح يوحي بأن المثقف يمارس نوعا من العمل الثقافي لكنه يتعامى عن مشكلات الخطاب الذي يحمله من تهالك ــ حسب ما فهمت ــ أو ما تضمره الخطابات الثقافية من «نقيضاتها» المعرفية ــ إذا صح التعبير ــ
اللافت في الأمر أن هذا المصطلح «العمى الثقافي» أصبح من قبيل المصطلحات النقدية ويمكن أن يكون معينا لنا في كشف خلل خطاباتنا الثقافية كلها، لكنه بدلا من ذلك أصبح من ضمن مصطلحات المعارك الثقافية الإقصائية بحيث إنه يمكن لي بأن أتهم من لا يتفق مع خطابي بأنه يمارس نوعا من العمى الثقافي
( آخر من استخدمه الدكتور حسين المناصرة ناقدا القاص محمد منصور الشقحا بسبب أنه نقد بعض النقاد المعروفين). هنا يتحول النقد الثقافي للخطابات وقلقها المعرفي وتناقضاتها إلى أداة من أدوات «الردح» النقدي.. (الغذامي أحيانا يمارس ذلك مع من لا يتفق معه في الحوار من المثقفين كإطلاقه على حليمة مظفر مثلا حينما حاورته في تويتر في إحدى المرات).
وبعيدا عن هذه المعارك الثقافية، أو قريبا منها لا فرق، فإنه كثيرا ما يمارس المثقف نوعا من «فتل العضلات» الفكرية للقضاء على الخصوم من خلال قدرته على صك مصطلحات نقدية ظاهرها معرفي وباطنها خصومة واتهامات متبادلة بعيدة كل البعد عن أساس ذلك المصطلح. لذلك فالنخب الثقافية تمارس عماها على بعضها أكثر من نقدها الثقافي لمجمل الخطابات ذات «العمى الثقافي» في بنيتها التي تحمل قلقها المعرفي وتناقضاتها المضمرة.
وعليه يمكن القول بأن الأمر فيما يظهر ــ برأيي ــ ليس عمى ثقافيا بل هو «عمى النخب الثقافية».