المسؤولية الاجتماعية تجاه الأرملة والمطلقة والعاجز

عادل بترجي

المسؤولية الاجتماعية للفرد والجماعة في المجتمع المسلم، ليست لها حدود يمكن رسمها بحيث يحدد المرء أبعاد وأنواع تلك المسؤولية حتى يخلي ضميره تجاه مجتمعه. صحيح أن المسلم عليه واجبات حددت بدقة في طيف الإسلام الواسع يأثم بتركها، ولكنه كذلك مطالب بالتكاتف مع إخوانه في الدين أينما كانوا، وخصوصا أولئك الذين يعيشون في محيط مجتمعه القريب. وللإنسان احتياجات أساسية كفلتها له الأديان السماوية والمواثيق والأعراف الدولية، منها المسكن. فقد حدد إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام في مادته السابعة عشرة ذلك بالنص: «لكل إنسان حقه في عيش كريم يحقق له تمام كفايته وكفاية من يعوله، ويشمل ذلك المأكل والملبس والمسكن والتعليم والعلاج وسائر الحاجات الأساسية». والعيش الكريم في نظري لا يتحقق إلا بتوفر المسكن الملائم.
الوقف عمل مندوب عند جمهور العلماء، وهو مشروع بنصوص عامة من الكتاب، وأخرى مفصله من السنة، وكذا الإجماع والقياس. وللوقف حكمة عظيمة إذ إنه في الدنيا بر الأحباب من الأهل والأقارب وعامة المسلمين، وفي الآخرة تحصيل الثواب، إذ يحتاج المرء إلى كل عمل صالح يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى بنية صادقة. وللوقف وظيفة اجتماعية، في رأيي أنها ضرورية في كل المجتمعات وفي الأحوال والظروف التي تمر بها الأمم. وقديما عرف أجدادنا معنى التكافل الاجتماعي تجاه الأرملة والمطلقة والعاجز الذين لا عائل لهم فلم يتركهم المجتمع يواجهون شدة المعاناة بمفردهم. من المظاهر التي كانت سائدة إلى عهد قريب كثرة الدور التي توفر لهذه الفئة من المجتمع أحد أهم عناصر الحياة الكريمة، والتي يطلق عليها الأربطة. والرباط وقف سكني كانت العائلات الميسورة في الحجاز تنشئه بغرض توفير السكن للمحتاج مساهمة منها في تغطية نصيبها من المسؤولية الاجتماعية. وللحجاز تاريخ طويل مشرف في توفير هذا النوع من الأوقاف. ففي جدة مثلا يوجد 59 رباطا، منها 17 تحت إشراف وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، و42 تحت إشراف أفراد أو منظمات خيرية. ومع وجود هذا العدد إلا أن غالبية هذه الأوقاف قد هجرتها الأجيال المتعاقبة لمؤسسيها، فتهالكت وأصبحت أنقاضا لا تصلح للسكنى مع وجود الحاجة الماسة لها. وتشير دراسة حديثة لواقع هذه الأربطة إلى أن سبعة من الأربطة التي تشرف عليها الدولة، وثلاثة من الأربطة الأهلية خارج الخدمة بسبب عدم صلاحيتها للسكنى. كما تشير نفس الدراسة إلى حاجة غالبية الأربطة القائمة إلى الكثير من أعمال الصيانة الأساسية التي تمس سلامة ساكنيها. ولكون الغالبية العظمى من الأربطة القائمة أنشئت قديما؛ فإن عدد الوحدات السكنية فيها قليل وبالتالي لا تغطي حاجة المجتمع من هذا المرفق المهم.
أرأس ضمن مهامي الاجتماعية مجلس إدارة نظار الأربطة في محافظة جدة. لهذا المجلس مسؤوليات حددها نظامه، منها تطوير وتحسين وضع الأربطة في المحافظة. ومع أن الجمعية العمومية لنظار الأربطة هي التي اختارت أعضاء مجلس الإدارة إلا أن تعاون النظار مع المجلس لم يأت على الوضع المأمول، بل أقل منه بكثير. ليس هذا فحسب بل إن تعاطف أصحاب المال من سكان المحافظة مع احتياج فئة الأرامل والمطلقات والعجزة الذين لا عائل لهم معدوم. وإني لأتساءل في كثير من الأحيان عن مسببات عدم التعاون والتعاطف؛ فأجد إجابتي تنحصر في سببين، الأول: الخوف من الوقوع في فخ الإجراءات الحكومية التي لا تنتهي، والثاني: قلة المال. فمثلا يخشى النظار من فرض الدولة أنظمة صارمة فيما يخص السلامة والإقامة والوضع الصحي. وعلى الرغم من القناعة بالحاجة إلى أنظمة تكفل الحدود الدنيا من شروط السلامة إلا أن الأربطة لا تملك المال الذي يمكن نظارها من التقيد بأنظمة متقدمة، وغالبية الأربطة لا تمتلك مصدرا ثابتا للدخل ، ولذلك لا يوجد بها نظام للرعاية الصحية، ولا توفر الحد الأدنى من الرعاية الاجتماعية والنفسية لسكانها.
أما الميسورون من سكان المحافظة فقد أحجموا منذ زمن بعيد عن الكثير من مسؤولياتهم تجاه المجتمع الذي يعيشون فيه. وعلى الرغم من عظم الأجر الثابت بالكتاب والسنة، إلا أن إحجام ذوي الملاءة المالية عن الإنفاق على الأوقاف عموما، يدل على قلة الوعي بأبعاد الأضرار الاجتماعية التي تصيب المجتمع جراء ذلك، فما الذي يدعو أعضاء شرف الأندية الرياضية، والشركات الكبرى، مثل: شركات الاتصالات، والبتروكيماويات، للتبرع بمئات الملايين لكرة القدم ولا تجود أنفسهم بعدة ملايين لوقف أو رباط؟
إن الإحجام عن التصدي للمسؤولية الاجتماعية أمر خطير يعود ضرره على المجتمع أجمع، والتخلي عن الفئة الضعيفة في المجتمع، مثل: الأرامل، والمطلقات، والعجزة، من أبشع أنواع هذا التخلي، قد يصيب مجتمعنا من جرائه فساد لا نقوى على مواجهته. فاعتبروا يا أولي الألباب.

a-batterjee@althikr.edu.sa