القواصم

رندا الشيخ

مهما بلغ عمق جذور الشجرة القوية التي تستند إليها قناعاتك، ومهما كنت جامح الفكر وصعب المراس، ومهما ظننت بأنك تملك الشجاعة الكافية لاستخدام عقلك بحكمة ومواجهة أي طارئ يزورك دون موعد مسبق، تأكد بأنك لا بد وأن تلتقي يوما بما يثبت لك أن كل ما سبق مجرد قشور لا وزن لها ومن السهل أن تطير بنسمة هواء رقيقة! أتعلم متى؟ حين تلتقي بالقواصم!
القواصم هي حقائق تترجمها مواقف تواجهك في حياتك بشكل مفاجئ، لم ولن تحسب حساب حدوثها يوما بسبب انشغالك بأمور منحتها شرف الأولوية، على حساب أمور أخرى جوهرية وثمينة، ظنا منك أنه الصواب.
لكن القواصم يا قارئي العزيز لا تفرق بين قوي أو ذكي أو جريء أو غني، ولا تعترف بجدول أعمال مزدحم أو نجاح مميز، فنحن جميعا بكل قشورنا وغرورنا وجمالنا أمام قسوتها سواء.. مهما كابرنا. لنأخذ المرض مثالا على ذلك، ولا أتحدث هنا عن الأمراض المزمنة، بل تلك التي قد تزورك وأنت في أوج قلقك من نتائج مباراة فريقك المفضل، أو فرحك بنجاح صفقات هامة، أو حزنك لخسارة حب حياتك ورفيق دربك، أو استيائك من صديق خذلك في عز حاجتك، أو توتر أعصابك بسبب اقتراب موعد زفافك أو حفل تخرجك، أو حتى موعد قياسك لوزنك بعد حمية قاسية لمدة أشهر !
تلك الزيارة غير المتوقعة قد تفتح عينيك التي ظننت بأنها حادة البصر، وتنعش قلبك الذي أعياه اللهث خلف بريق فان، فيتوقف الزمن من حولك وتهتز روحك بحقيقة مفادها أنك أفنيت أثمن لحظات عمرك في سبيل أمور لم تكن بالأهمية التي توهمتها ! وبأنك بحاجة ملحة لإعادة حساباتك، وغربلة أولوياتك، هذا إن لم يكن لتلك الزيارة آثار غير قابلة للزوال ! فلك أن تتخيل أن يصبح القفز بسعادة حلما، والقهقهة بفرح أمرا مؤلما، واحتضانك لأحد والديك أمرا شاقا.. و «الكشتة البرية» مع الأصدقاء شيئا مستحيلا !
أخيراً أقول، إن أجمل ما يكمن في قسوة القواصم هي استعادة يقيننا الداخلي بحقيقة ضعفنا، وحاجتنا اللامنقطعة لعناية الله، وإدراكنا لقيمة ما لم تسرقه منا تلك القواصم.