في مهـب الـريح

حسن النعمي

العلاقة بين المواطن والموظف المسؤول علاقة منفعة مشتركة تحقيقها ينعكس على الطرفين بالإيجاب، المواطن يجد فيها مصلحته، والمسؤول ينجز عمله. هذه ببساطة طبيعة العلاقة. غير أن الواقع علمنا أن أقصر الطرق بين النقطتين ليس الخط المستقيم، بل الخطوط الملتوية.
هناك قناعتان تحكمان العلاقة بين المواطن والموظف المسؤول، إحداهما أن المواطن محتاج، وهذه قناعة تحط من قدره بوصفه مواطنا له حق يفترض أن يصل إليه دون أن يريق ماء وجهه حتى يصل إليه، أو على الأقل دون أن يجهد نفسه في السعي إليه. أما القناعة الثانية فهي أن الموظف المسؤول لديه دائما ما يشغله من الخطط والاستراتيجيات التي لم تظهر، ولو ظهرت لما احتاج المواطن لاستجداء حقه. ولا أمل في تجاوز هذه الإشكالية إلا بتغيير القناعات واستبدالها بقناعتي الحق والواجب، حق المواطن وواجب المسؤول.
حقوق المواطن تأتي على نوعين، حقوق خاصة وأخرى عامة، ولو تحققت الحقوق العامة لوصل المواطن لحقوقه الخاصة. ومثالا على ذلك، قد يبحث مواطن ما عن علاج لابنه فلا يصل إلى هذا الحق الطبيعي بالطرق الطبيعية، بل عليه أن يسلك عشرات الطرق حتى يصل لحقه، وقد يضل الطريق وينتهي به الحال للاشيء.
حقوق المواطنين واجبة الأداء، ولسيت ترفا. حقوقهم في نظافة أحيائهم، حقوقهم في توفير ماء شربهم، حقوقهم في مراقبة أسعار غذائهم واحتياجاتهم التموينية المختلفة، حقوقهم في التقاضي بيسر، حقوقهم في التداوي بأسرع وقت وعلى أرقى مستوى، حقوقهم في الاستماع لشكاواهم وتفهمها والعناية بها، حقوقهم في مراجعة ما يصب في عقول أبنائهم من مناهج دراسية، حقوقهم في مقاضاة كل مسؤول يتجاهل حق المواطن، وغيرها من الحقوق.
حالات قليلة انكشفت للإعلام الجديد تبين تجاهل بعض المسؤولين لحاجات المواطنين، لكن لم يحصل إلا التجاهل بشأنها، وإن كان هناك إجراء فمن حق المواطن أن يطلع عليه. كلنا نتذكر المرأة التي اشتكت في القاهرة وقت الثورة عن قلة الطائرات التي تجلي المواطنين إلى بلدهم، واقترحت المرأة زيادة عدد الرحلات في تلك الظروف الطارئة، وما كان من المسؤول إلا أن أعرض عنها ساخرا وقال كلمته المؤذية الدالة على استصغار من أمامه (يا سلام .. عندك حلول!!)، مرت هذه الكلمة دون محاسبة، ومواطن آخر يطالب مسؤول إحدى الأمانات بتخصيص أرض لإنشاء مركز صحي يخدم أهل المحافظة، فما كان من المسؤول إلا أن قال: (خلاص، توكل على الله، أشغلتنا!!)، نعم إذا لم يشغلك فما هو عملك؟!، القياس على مثل هذه الحالات كثير جدا، ولولا بركة الإعلام الجديد لبقيت العلاقة بين المواطن والمسؤول في طي الكتمان، تجرى مجرى الأساطير المتخيلة، لا شيء يؤكدها، ولا شيء ينفيها.
المؤسسات التي من طبيعة عملها الوقوف في صف المواطن مثل مجلس الشورى والمجالس البلدية وحماية المستهلك ومكافحة الفساد (نزاهة)، وغيرها مازال أداؤها أقل من المطلوب، أو على الأقل أدنى من عشم المواطن الذي يبدو أعزل في مواجهة عدم تجاوب بعض المسؤولين مع احتياجاته. وهذه المؤسسات عليها أن تشتغل وفقا لمقتضيات مصلحة المواطن، وأن تبحث عن الرضا عن أدائها من خلال ما توفره من عمل ينعكس مباشرة في مصلحة المواطن.
في حالات كثيرة يشعر المواطن أنه في مهب الريح، تحوطه الأزمات المفتعلة من حين لآخر، مثل شح المياه فجأة، وانقطاع الاسمنت، أو غلاء الدقيق أو الشعير أو غيرها، وهي حالات تؤذي المواطن، ولا يعرف لها سببا إلا فشل أداء بعض المسؤولين في مواجهة هذه الأزمات المفتعلة. من حق المواطن أن يعرف أبعاد الأزمة وأن يعرف طرق الحل، وأن يضمن عدم تكرارها، ومتى وصل إلى هذا الإجراء يشعر أن هذه المؤسسات تعمل لصالحه ولا تكتفي ببرقراطية الأداء. وأن يكون عملها بوتيرة واحدة، وأن تتخلى عن الفزعات الموسمية، فالواجب تجاه المواطن قائم سواء كان موسميا أو غيره.
في الدول المتقدمة، المسؤول موظف، بمعنى أن بقاءه في وظيفته رهن بأدائه. وعليه، المسؤول يعمل وهو مستعد للمساءلة والمحاسبة. متى ما وصلنا إلى هذا المستوى يستطيع المواطن أن يستقر، أن يثبت للمتغيرات، وأن يكون جزءا من الحل عندما تحل الأزمات لأنه لحظتها يكون قد انتدب المسؤول للتصرف في جلب مصالحه والدفاع عنها.