التربية الصادقة

محمد الأحمد

قال الله عز وجل «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين»، فالكثير يحصر الصدق بصدق اللسان بالقول فحسب، مع أن الصدق أوسع من ذلك فهو منهج عام، وسمة من سمات الشخصية المسلمة في ظاهره وباطنه وقوله وفعله، والمسلم له قصب السبق في ذلك وهذا الأمر ليس محددا على فئة معينة فحسب بل هي تعني المجتمع بأكمله.
حيث إن صدق النية وإخلاص العمل لله هى مقومات العمل الناجح في جميع المجالات العلمية والعملية والتربوية.
ومن ذلك صدق التربية وأساسها والصدق والإخلاص في التدين، فالمربي يجب أن يكون تدينه تدينا صحيحا مبنيا على الإخلاص والصدق مع الله عز وجل بعيدا عن النفاق والكذب والمخادعة انقيادا ظاهرا وباطنا، في السر والعلن، ولهذا كثيرا ما نرى في القرآن الكريم إطلاق الصدق مقابل النفاق، قال عز من قائل «ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما».
وبما أن النشء هو أحد هذه الركائز الأساسية فى المجتمع المثالي يجب على كل بالغ عاقل زرع الأفعال والأعمال والأقوال الحميدة فى تكوين النشء والتي يراها في مثالية الزارع، أو من يقوم على تربيته، قال الله تعالى «أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم»، فلا يمكن للنشء أن يتعلم الصدق ويرى من يعلمه يكذب ولا يمكن أن يتعلم الوفاء ويرى الخيانة من معلمه، «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون».
قال ابن حجر في فتح البار، 1/18، «على أنه لا يجوز الإقدام على العمل قبل معرفة الحكم؛ لأن فيه أن العمل يكون منتفيا إذا خلا عن النية، ولا يصح نية فعل الشيء إلا بعد معرفة حكمه».
فكثير من الطروحات التي جنح بها أصحابها عن جادة الصواب ناتجة من قلة علمهم بحكمها، ولأهمية معرفة الحكم قبل الإقدام عليه نجد النبي صلى الله عليه وسلم ينتظر الساعات بل الأيام الطوال، كما في قصة الإفك، قبل أن يقدم على العمل، هذا وهو المعصوم صاحب الوحي والرسالة فما بالنا نحن يقدم أحدنا على الأمر ويصر عليه بلا تحقق أو تأكد وكأنه يوحى إليه إلا من رحم الله، فمتى ما التزم المربي بذلك قل خطؤه، وصح عمله، وتكون تربيته على نور من الله إذا اتبع منهج المربي الأول صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى «قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين».
فليكن ما تقوم به من أعمال في تربية النشء خالصة لوجه الله سبحانه، بعيدة عن الرياء والسمعة، فالتربية شأنها شأن سائر العبادات الشرعية؛ فلذا لا بد من إحاطتها بسياج الضوابط الشرعية، بعيدا عن كل ما فيه تجاوز لتلك السياج.
قال داود الطائي «رأيت الخير كله إنما يجمعه حسن النية، وكفاك بها خيرا وإن لم تصب».
وإخلاص النية تحتاج من المربي إلى جهد ومتابعة قال سفيان الثوري «ما عالجت شيئا أشد علي من نيتي لأنها تتقلب علي»، فعلى المربي أن يكون صادقا في حمل دعوته، ماضيا قدما في ذلك، جاعلا الصدق في القول والعمل منهجا وشعارا.
أسأل الله لي ولكم الإخلاص في العلم والعمل.