لا تواضع في الأحلام

رندا الشيخ

من المفارقات التي تواجهك في حياتك، أنه وفي نفس اللحظة التي تبدأ فيها حديثك عن أحلامك بحماسة وفرح، تبدأ في المقابل معزوفة حرة في التسلل إلى أذنيك في محاولة ــ قد تنجح أو تفشل ــ للسيطرة على عقلك لأغراض مختلفة.
تلك المعزوفة لا تستقي ألحانها من نوتة موسيقية خارجية فحسب، بل داخلية أيضا. أما أهدافها فقد تبدو بريئة جدا أو شريرة جدا جدا، لكن في مجمل الأمر مهمتها الرئيسة هي إطفاء جذوة طموحك، ودحرجة أحلامك الكبيرة على تل منحدر، لتصل إلى نهاية الطريق وقد تحولت إلى فتات. وكل ذلك يحدث تحت شعار «احلم بتواضع» أو «احلم على قدك»! وهنا أتساءل، هل في عرف الأحلام ما يسمى بالتواضع؟ وإن لم تكن الأحلام عظيمة بعظم أهميتها لنا وللبشرية، وإن لم تكن مجنونة التفاصيل، وبعيدة كل البعد عن المقاييس المألوفة، فما الجدوى من الحلم إذا؟.
إن تأملت قليلا في الابتكارات التي تحيط بك عربيا وعالميا والتي تنعم باستخدامها ببذخ، للاحظت بأنها كانت في يوم من الأيام أحلاما عظيمة، بل ومجنونة، هذا يعني أن الأحلام الصغيرة لا وزن لها في تاريخ الإنجاز. فلماذا إذا تعزف ذات النوتة الموسيقية الرتيبة على مسامعك حين تبدو أحلامك كبيرة؟ سأخبرك.
الأمر ببساطة قد لا يخرج عن دائرة أسباب: هي المحبة أو المصلحة أو الكراهية أو التقليد. فمن يحبك سيخاف عليك من خيبة أمل يتوقعها أو لا يتوقعها لك، ومن يكرهك أو يكره فكرة عظم أحلامك مقابل فراغه سيحرص على قذفك بعيدا عن مسارك، ومن يبحث عن مصالحه الخاصة لن يتردد في أن يكون سببا في تعثرك، أما من يقلد محيطا متشائما فلن يعرف يوما سبب ما يقوم به، فهو لن يفهم ما تعنيه لك أحلامك، أو ما هي قيمتها. أتذكر يا عزيزي القارئ المخرج العالمي الشهير مصطفى العقاد رحمه الله، إن لم تذكره فبالتأكيد تذكر فيلم «الرسالة» أحد أنجح الأفلام الذي تحدث عن نشأة الإسلام من خلال السيرة النبوية الشريفة، عموما، هذا المخرج الأمريكي سوري الأصل، كان يسمع قهقهة من حوله حين قرر أن يصبح مخرجا عالميا ناجحا في هوليوود وهو في الثامنة عشرة، فقط لأن حلمه كان كبيرا.
أخيرا أقول، حين تحلم، كن مختلفا، أنيقا، ثريا، عظيما. حين تحلم، لا تتحدث كثيرا عن أحلامك كي لا يضيع وقتك وينطفئ حماسك، بل اجعل للحديث معنى جميلا لحظة تحقيقه. حين تحلم، كن كريما في حلمك، فأنت لست وحدك في هذا العالم. وتذكر أن عالم الأحلام لا يعرف الأحلام المتواضعة، لذا كن صاحب أحلام كبيرة ولا تقبل بغير السماء سقفا لها.