«غزل» أمريكي يثير «غيرة» إسرائيل..!؟

د. طلال صالح بنان

أضحى من المتوقع، بشكل كبير، حدوث تحولات في مسار السياسة الخارجية الأمريكية. الرئيس بوش، يبدو أنه بعد أن فقد حزبه الأغلبية في الكونجرس، أكثر استعداداً لمراجعة السياسة الخارجية لإدارته، استجابة لدعوة زعماء الأغلبية الديموقراطية في الكونجرس للتعاون مع إدارته، في فترة السنتين الباقيتين من فترة حكمه الثانية.
أول مؤشرات هذا التحول استقالة أو إقالة وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد، الذي كان يقود سرب الصقور في السياسة الخارجية الأمريكية، بما يتجاوز اختصاص وزارة الخارجية. ولن تكون مفاجأة أن يسقط صقر آخر من صقور السياسة الخارجية الأمريكية جون بولتون، المندوب الدائم للولايات المتحدة في الأمم المتحدة، الذي عُين رغم الكونجرس الجمهوري السابق بأمر رئاسي.. ولن يجدي التماس الرئيس بوش للكونجرس ( الديموقراطي ) الجديد بالإبقاء على بولتون.
يبقى من صقور السياسة الخارجية الأمريكية نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني، الذي يشعر بالعزلة، بعد استقالة رامسفيلد واحتمال خروج بولتن.. وكذا احتمال أن تطيح به حملة التطهير ضد الفساد القادمة، التي يهدد الديموقراطيون بشنها، ليعيد ديك تشيني “دراما” خروج النائب السابق للرئيس ريتشارد نيكسون ( سبيغيو أغنيو )، في السبعينات.
النزعة الهجومية القتالية، التي سيطرت على حركة وتوجه السياسة الخارجية الأمريكية، في مرحلة الست سنوات الماضية من حكم الرئيس بوش، لا شك أنها سوف تنحسر، بصورة ملحوظة في الفترة القادمة، وهذا ما يثير قلق حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي يهودا ألمرت، الذي يقوم بزيارة حالية لواشنطن، لتقييم مدى التغيير في سياسة الولايات المتحدة تجاه قضايا المنطقة الساخنة، في العراق.. وعلى جبهة الملف النووي الإيراني.. وإحياء مشاريع التسويات السلمية في المنطقة.. والعلاقات مع دمشق، وغير تلك القضايا، التي تثير قلقاً في إسرائيل من احتمال تغيير الموقف الأمريكي تجاهها.
لا يخفف من القلق الإسرائيلي هذا ما صرح به أولمرت في الطائرة التي أقلته إلى واشنطن، من أنه لا يتوقع تغييراً في الموقف الأمريكي المساند لإسرائيل، بسيطرة الديموقراطيين على الكونجرس. في الواقع: رئيس الوزراء الإسرائيلي، قلق من ما قاله المرشح لرئاسة لجنة الخدمات العسكرية السيناتور الديموقراطي: كارل ليفين، في مقابلة مع شبكة ( أي بي سي ) عن وضع جدول زمني للانسحاب من العراق، خلال أربعة أو ستة الأشهر.
بالإضافة إلى ما هو معروف عن وزير الدفاع الأمريكي الجديد ( روبرت جيتس ) من ميل للتعامل دبلوماسياً مع ملف البرنامج النووي الإيراني. أخشى ما يخشاه أولمرت، أن تتحول عدوى التقارب البريطاني مع سوريا، التي عبر عنها مبعوث رفيع المستوى بعثه رئيس الوزراء توني بلير لدمشق الأسبوع الماضي قائلاً: أن سوريا دولة مهمة وطرف رئيسي في أي تسوية سلمية في المنطقة. لن يخفف من قلق المستر أولمرت من هذا التحول في الموقف البريطاني ما صرحت به وزيرة الخارجية كونديليسا رايس لصحيفة معاريف الإسرائيلية، عشية زيارة أولمرت لواشنطن: من أن سوريا بلدٌ خطير، وهي تتصرف بشكل خطير..!؟
هناك بوادر فعلية لتوقع تغيير كبير في توجهات ومسار السياسة الخارجية الأمريكية، على كافة جبهات المواقع الساخنة في العالم، وفي منطقة الشرق الأوسط، بالذات. وهذا ليس في صالح إسرائيل، التي كانت تراهن على الدعم الأمريكي الفاعل والنشط والعنيف، لمواقفها المتطرفة والمعرقلة لجهود التوصل لتسوية سلمية عادلة وشاملة في المنطقة. اتساقاً مع هذا التحول المتوقع في السياسة الخارجية الأمريكية، نرى أولمرت، في طريقه لواشنطن، يبدي تجاوباً، غير مسبوقٍ، مع دعوات إحياء مشاريع السلام في المنطقة، وفي مقدمتها خارطة الطريق.. واستعداداً لتخفيف حدة الاحتقان مع الفلسطينيين، في التوصل إلى تسوية لتبادل الأسرى معهم.. وإبداء مزيد من المرونة، من خلال الاتصال بالرئيس الفلسطيني، لإحياء خارطة الطريق وتوصيات اللجنة الرباعية، في هذا المجال... بل، وحتى السكوت عن محاولات الدول العربية لكسر الحصار الاقتصادي على السلطة الفلسطينية.
غزل أمريكي يبعث إشارات، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، للعرب والإيرانيين والعراقيين، التقطته وسائل الاستشعار عن بعد الإسرائيلية، يمكن استغلاله للخروج من معمعة دائرة الصراع المفرغة في المنطقة، التي كشفت عن إمكانات إسرائيل العسكرية المتواضعة في الحرب الأخيرة على الجبهة اللبنانية، بأقل الأضرار الممكنة.. وكذا ضمان حد أدنى من الدعم الأمريكي لإسرائيل، في خضم التحولات المقبلة على حركة ومسار السياسة الخارجية الأمريكية، بسبب الانقلاب الدستوري والسياسي الذي تعرضت له الإدارة الجمهورية للرئيس بوش في انتخابات الكونجرس الأخيرة.