العلماء والتلوث السياسي

أنور ماجد عشقي

منذ عشرين عاما، وجه رئيس تحرير صحيفة المسلمون سؤالا للشيخ عبدالعزيز بن باز ــ رحمه الله ــ حول مشروعية السلام مع إسرائيل، فهاتفت رئيس التحرير يومها وهو صديق عزيز، قلت له: أرجو أن لا تلوثوا الشيخ عبدالعزيز بالسياسة.
وفي سوريا، جرى حوار مع الشيخ القرضاوي أمام ملأ من العلماء، عندما رد علي واصفا الاستراتيجية بأنها من أعمال الصهيونية والاستعمار، عندها ألمحت إليه من خلال قصة جرت بين معاذ بن جبل وخالد بن الوليد ــ رضي الله عنهما، قال معاذ لخالد: كيف نتخلى عن مدن فتحها الله على يدينا وننسحب إلى اليرموك؟ فقال له خالد: يا معاذ إذا كان الأمر أمر فقه فزعنا إليك، وإذا كان الأمر أمر قتال فاسألوا خالد.
لكن الشيخ القرضاوي اليوم تناسى ذلك وطالب الدول الأجنبية بالتدخل في مصر، كما طالب بالجهاد ضد الجيش المصري في سبيل ما أسماه بعودة الشرعية، ما استدعى استنكار قيادات المؤسسات الإسلامية وعلماء الأزهر في مصر لبيان الدكتور يوسف القرضاوي.
لقد استخفت السياسة بالشيخ القرضاوي، فنسي أن من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو شهيد، وليس من أجل الديموقراطية، أو مرسي، أو غير ذلك، فنرى الشيخ يصف ما حدث في مصر بأنه انقلاب عسكري شارك فيه الأزهر، ما دعا الأزهر إلى المطالبة بعقد جلسة طارئة لهيئة كبار العلماء للرد على هذا الهجوم على شيخ الأزهر، ومحاولة تشويه مواقفه الوطنية وللتنديد بدعوة القرضاوي لإشعال الفتنة في مصر، وقتل البشر، وتدمير الممتلكات، وتقاتل الناس على الحكم والسياسة باسم الدين.
عندها أعلن الدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر بأن بيان الشيخ القرضاوي يخرج عن نطاق التعاليم الإسلامية، لأن الدين يأمر بالتسامح، والصفاء والسلام الاجتماعي، وينهي عن العنف، كما ينهي عن التحريض على العنف.
بعدها وجه الدكتور أحمد عمر هاشم سؤالا للمعتصمين، قائلا: ما الذي أفرزته هذه الاعتصامات غير الذي نسمع عنه كل يوم من سقوط القتلى، وتحطيم الممتلكات، وتخريب المنشآت، وإغلاق الشوارع، ونصح من لديه مطالب بأن يتقدم بها إلى القضاء، ثم وجه كلامه للجميع: عليكم أن تحتكموا إلى كلمة القضاء وكتاب الله ــ عز وجل ــ الذي يقول (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)، فلا يصح هذا العنف، وهذا التهريج، وهذه الاعتصامات المتكررة التي تعطل مصالح العباد والبلاد، فكل هذا يحدث الفتن التي حذرنا منها رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم.
كما رد على الشيخ القرضاوي كل من العلماء الأجلاء الدكتور أحمد كريم أستاذ الشريعة الإسلامية، والدكتور محمد الشحات الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية، والدكتور حامد أبوطالب عضو مجمع البحوث الإسلامية، والدكتور عبدالله النجار عضو مجمع البحوث الإسلامية، الذي قال: إنها دعوة ساقطة لا يصح أن تصدر من عالم دين ضد وطنه الذي ولد فيه وتعلم في أزهره، وعلى الناس أن يحذروا من هذا البيان لأنه بيان مجروح وفي النهاية طالبه أن يتوب إلى الله ــ عز وجل.
* رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية