نهاية الإسلام السياسي في مصر !؟
الأحد / 11 / شوال / 1434 هـ الاحد 18 أغسطس 2013 19:27
طلال صالح بنان
أعمال العنف التي اجتاحت مصر، نهاية الأسبوع الماضي، من فض اعتصامي رابعة العدوية ونهضة مصر وما شهدته مصر من مظاهرات ومسيرات يوم الجمعة الماضي، وحتى انفضاض اعتصام مسجد الفتح في ميدان رمسيس السبت الماضي، جميعها أحداث دامية تنذر بأفول شمس الإسلام السياسي في مصر، الذي شهد سطوع نجمه بعد ثورة 25 يناير 2011، وكاد يسيطر على الحياة السياسية في مصر، بآلياته الخاصة، حتى أنه استطاع أن ينتخب رئيسا ويفرض دستورا ويشكل مجالس تشريعية حتى وقعت ثورة 30 يونيه الثانية..
فالجيش قام بتعديل مسار التجربة الإخوانية، وإتاحة الفرصة للتيارات الليبرالية ليكون لها في مستقبل مصر الديمقراطي جزءا من كعكة السلطة، ما كان لهم أن يحصلوا عليها خلال التجربة التي كانت سائدة قبل الثالث من يوليو الماضي. ولكن يبدو أن الخيار الأمني الذي أخذت به الحكومة الانتقالية وتجلى في أحداث الأسبوع الماضي الدامية، لن يسمح للتيارات الإسلامية بالمشاركة السياسية، حتى مع تأكيد الحكومة الانتقالية أن المرحلة القادمة ستستوعب كافة اتجاهات الطيف السياسي ولن تقصي أحدا؛ لأن طبيعة المرحلة القادمة تقتضي تغيير قواعد اللعبة السياسية.
صحيح أن الحكومة الانتقالية تعهدت أن المرحلة القادمة لن تقصي أي فصيل سياسي من العمل بحرية في الساحة المصرية، لكن الصحيح أيضا أنها ربطت ذلك بالقانون وبالدستور، وبشرط آخر وهو عدم التورط في العنف والإرهاب. وبما أن الحكومة الانتقالية بنت خيارها الأمني لفض اعتصامي رابعة العدوية ونهضة مصر واعتصام مسجد الفتح في ميدان رمسيس على قواعد مقاومة العنف والإرهاب، فإنه ليس متوقعا، لا للأخوان المسلمين ولا لكثير من حركات وأحزاب التيار الإسلامي الأخرى، أن يكون لها نصيب في مرحلة الديمقراطية الجديدة في مصر!
فالخيار الأمني لا بد أن يعضد بخيار قانوني ودستوري من أجل شرعنة مرحلة التحول الديموقراطي القادمة في مصر. دستوريا، يمكن للدستور الجديد أن يحتفظ بالمادة الثانية من دستور 2012 القائلة بأن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للدستور، من أجل تأكيد الهوية الإسلامية لمصر، ولكن دون أن يترتب على ذلك أية تبعات سياسية أو قانونية ملزمة. وحتى يمكن استبعاد البعض من الحياة السياسية، فإنه سوف يعكف واضعو الدستور الجديد على تحريم تكوين الأحزاب على أساس ديني.. وعلى تجريم استخدام الشعارات الدينية في الفعاليات السياسية التي تستخدم في اختيار رموز مؤسسات السلطة في مصر، مثل الانتخابات والاستفتاءات. وهناك مادة أخرى في الدستور الجديد خاصة بالحرمان من ممارسة الحقوق السياسية إما بصفة دائمة أو مؤقتة، لكل المشاركين في مرحلة ما قبل الثالث من يوليو.. وكذلك ممن شاركوا في أعمال عنف وإرهاب، بعد الثالث من يوليو، وهذا بالطبع يشمل أطياف التيار الإسلامي، وبالأخص جماعة الأخوان المسلمين. وإذا ما واكب ذلك إصدار قرار من الحكومة الانتقالية بحل جماعة الإخوان المسلمين وجميع الجماعات والأحزاب التي تأسست على أساس ديني، يصبح الخطر قائما على تيار الإسلام السياسي.
كل تلك الإجراءات المتوقع أن تأخذها الحكومة الانتقالية تعتمد على عوامل ومتغيرات مهمة، ومنها:
* نجاح خطط الخيار الأمني بصورة واضحة. فإذا انتهت فترة فرض حالة الطوارئ خلال الشهر الذي حددته الحكومة، أو قبل ذلك، فإن هذا يكون مؤشرا قويا لنجاح خطة الحكومة الانتقالية في تطبيق خطة الطريق التي تبنتها. أما إذا احتاجت إلى فترة أخرى وجرى تمديد حالة الطوارئ شهرا آخر، فإن ذلك من شأنه أن يلف بعض الغموض على نجاح الخيار الأمني، وربما مباشرة الاستحقاقات الأخرى، مثل الاستفتاء على الدستور أو إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية جديدة. (بالمناسبة الدستور الحالي لا يسمح بأكثر من ثلاثة أشهر للأخذ بقرار فرض حالة الطوارئ).
* عامل الوقت هنا مهم جدا، وكفاءة الحكومة الانتقالية تقاس بفعاليتها في الانتهاء من المرحلة الانتقالية في وقت قصير.. داخليا وخارجيا؛ لأن حالة الطوارئ لا تتمتع بسمعة طيبة. داخليا، فهي تعني ليس فقط التحكم في حركة الناس، بل إن لها تبعات عكسية على اقتصاد البلاد، حيث يفقد الاقتصاد المحلي ما يقرب من نصف طاقته الإنتاجية في ظلها مقارنة بالأحوال العادية. هذا بالإضافة إلى ما يترتب على ذلك من سمعة سيئة للاقتصاد الوطني؛ لأنها تعد مؤشرا لعدم الاستقرار السياسي. خارجيا، وبالتالي، فإنه لا يمكن تسويق فرض حالة الطوارئ دوليا مع شركاء مصر الدوليين، وبخاصة في مجموعة دول الشمال الذين سيشعرون بإحراج لمواصلة تعاونهم مع القاهرة في ظل استمرار فرض حالة الطوارئ، لما يستتبع الأخذ بها تقييدا للحريات والحكم خارج القانون الطبيعي المحلي.. وهي أشياء لا يمكن التسامح معها في مجتمعات الديمقراطيات العريقة، مثل دول أوربا الغربية وشمال أمريكا واليابان.. ولا في مجتمعات الدول النامية التي قطعت شوطا مهما في مشوار الديمقراطية، مثل؛ الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا.
* علينا ألا ننسى الطرف الآخر في معادلة الصراع على السلطة في مصر، من حيث توفر عنصر المرونة من عدمه، في التجاوب مع ما تفرضه السلطة عليه من خيار أمني، وتضييق أفق المجال السياسي أمامه. فالخيار الأمني لا بد أن يتكامل مع وجود بصيص ضوء سياسي في نهاية النفق. وهذا لا يتأتى إلا إذا أخذت الحكومة الانتقالية بأصول اللعبة غير الصفرية في صراعها مع تيار الإسلام السياسي، وهذا يتفق مع وعودها بعدم إقصاء أي فصيل سياسي من الحياة السياسية في مصر.
حكم مصر عملية صعبة جدا. قديما قال عمرو بن العاص: حكم مصر يعدل خلافة!؟
أيضا: عند مغادرة الملك فاروق يوم 26 يوليو 1952 ميناء الإسكندرية، قال لوفد قادة الانقلاب العسكري الذي جاء لوداعه وكان موجها كلامه لقائد الانقلاب ــ آنذاك ــ اللواء محمد نجيب: هل تعتقدون أن حكم مصر عملية سهلة!؟.
فالجيش قام بتعديل مسار التجربة الإخوانية، وإتاحة الفرصة للتيارات الليبرالية ليكون لها في مستقبل مصر الديمقراطي جزءا من كعكة السلطة، ما كان لهم أن يحصلوا عليها خلال التجربة التي كانت سائدة قبل الثالث من يوليو الماضي. ولكن يبدو أن الخيار الأمني الذي أخذت به الحكومة الانتقالية وتجلى في أحداث الأسبوع الماضي الدامية، لن يسمح للتيارات الإسلامية بالمشاركة السياسية، حتى مع تأكيد الحكومة الانتقالية أن المرحلة القادمة ستستوعب كافة اتجاهات الطيف السياسي ولن تقصي أحدا؛ لأن طبيعة المرحلة القادمة تقتضي تغيير قواعد اللعبة السياسية.
صحيح أن الحكومة الانتقالية تعهدت أن المرحلة القادمة لن تقصي أي فصيل سياسي من العمل بحرية في الساحة المصرية، لكن الصحيح أيضا أنها ربطت ذلك بالقانون وبالدستور، وبشرط آخر وهو عدم التورط في العنف والإرهاب. وبما أن الحكومة الانتقالية بنت خيارها الأمني لفض اعتصامي رابعة العدوية ونهضة مصر واعتصام مسجد الفتح في ميدان رمسيس على قواعد مقاومة العنف والإرهاب، فإنه ليس متوقعا، لا للأخوان المسلمين ولا لكثير من حركات وأحزاب التيار الإسلامي الأخرى، أن يكون لها نصيب في مرحلة الديمقراطية الجديدة في مصر!
فالخيار الأمني لا بد أن يعضد بخيار قانوني ودستوري من أجل شرعنة مرحلة التحول الديموقراطي القادمة في مصر. دستوريا، يمكن للدستور الجديد أن يحتفظ بالمادة الثانية من دستور 2012 القائلة بأن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للدستور، من أجل تأكيد الهوية الإسلامية لمصر، ولكن دون أن يترتب على ذلك أية تبعات سياسية أو قانونية ملزمة. وحتى يمكن استبعاد البعض من الحياة السياسية، فإنه سوف يعكف واضعو الدستور الجديد على تحريم تكوين الأحزاب على أساس ديني.. وعلى تجريم استخدام الشعارات الدينية في الفعاليات السياسية التي تستخدم في اختيار رموز مؤسسات السلطة في مصر، مثل الانتخابات والاستفتاءات. وهناك مادة أخرى في الدستور الجديد خاصة بالحرمان من ممارسة الحقوق السياسية إما بصفة دائمة أو مؤقتة، لكل المشاركين في مرحلة ما قبل الثالث من يوليو.. وكذلك ممن شاركوا في أعمال عنف وإرهاب، بعد الثالث من يوليو، وهذا بالطبع يشمل أطياف التيار الإسلامي، وبالأخص جماعة الأخوان المسلمين. وإذا ما واكب ذلك إصدار قرار من الحكومة الانتقالية بحل جماعة الإخوان المسلمين وجميع الجماعات والأحزاب التي تأسست على أساس ديني، يصبح الخطر قائما على تيار الإسلام السياسي.
كل تلك الإجراءات المتوقع أن تأخذها الحكومة الانتقالية تعتمد على عوامل ومتغيرات مهمة، ومنها:
* نجاح خطط الخيار الأمني بصورة واضحة. فإذا انتهت فترة فرض حالة الطوارئ خلال الشهر الذي حددته الحكومة، أو قبل ذلك، فإن هذا يكون مؤشرا قويا لنجاح خطة الحكومة الانتقالية في تطبيق خطة الطريق التي تبنتها. أما إذا احتاجت إلى فترة أخرى وجرى تمديد حالة الطوارئ شهرا آخر، فإن ذلك من شأنه أن يلف بعض الغموض على نجاح الخيار الأمني، وربما مباشرة الاستحقاقات الأخرى، مثل الاستفتاء على الدستور أو إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية جديدة. (بالمناسبة الدستور الحالي لا يسمح بأكثر من ثلاثة أشهر للأخذ بقرار فرض حالة الطوارئ).
* عامل الوقت هنا مهم جدا، وكفاءة الحكومة الانتقالية تقاس بفعاليتها في الانتهاء من المرحلة الانتقالية في وقت قصير.. داخليا وخارجيا؛ لأن حالة الطوارئ لا تتمتع بسمعة طيبة. داخليا، فهي تعني ليس فقط التحكم في حركة الناس، بل إن لها تبعات عكسية على اقتصاد البلاد، حيث يفقد الاقتصاد المحلي ما يقرب من نصف طاقته الإنتاجية في ظلها مقارنة بالأحوال العادية. هذا بالإضافة إلى ما يترتب على ذلك من سمعة سيئة للاقتصاد الوطني؛ لأنها تعد مؤشرا لعدم الاستقرار السياسي. خارجيا، وبالتالي، فإنه لا يمكن تسويق فرض حالة الطوارئ دوليا مع شركاء مصر الدوليين، وبخاصة في مجموعة دول الشمال الذين سيشعرون بإحراج لمواصلة تعاونهم مع القاهرة في ظل استمرار فرض حالة الطوارئ، لما يستتبع الأخذ بها تقييدا للحريات والحكم خارج القانون الطبيعي المحلي.. وهي أشياء لا يمكن التسامح معها في مجتمعات الديمقراطيات العريقة، مثل دول أوربا الغربية وشمال أمريكا واليابان.. ولا في مجتمعات الدول النامية التي قطعت شوطا مهما في مشوار الديمقراطية، مثل؛ الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا.
* علينا ألا ننسى الطرف الآخر في معادلة الصراع على السلطة في مصر، من حيث توفر عنصر المرونة من عدمه، في التجاوب مع ما تفرضه السلطة عليه من خيار أمني، وتضييق أفق المجال السياسي أمامه. فالخيار الأمني لا بد أن يتكامل مع وجود بصيص ضوء سياسي في نهاية النفق. وهذا لا يتأتى إلا إذا أخذت الحكومة الانتقالية بأصول اللعبة غير الصفرية في صراعها مع تيار الإسلام السياسي، وهذا يتفق مع وعودها بعدم إقصاء أي فصيل سياسي من الحياة السياسية في مصر.
حكم مصر عملية صعبة جدا. قديما قال عمرو بن العاص: حكم مصر يعدل خلافة!؟
أيضا: عند مغادرة الملك فاروق يوم 26 يوليو 1952 ميناء الإسكندرية، قال لوفد قادة الانقلاب العسكري الذي جاء لوداعه وكان موجها كلامه لقائد الانقلاب ــ آنذاك ــ اللواء محمد نجيب: هل تعتقدون أن حكم مصر عملية سهلة!؟.