على مائدة السحور

عبدالله يحيى بخاري

على سحور شهي، ومع كوكبة من الأحباء الأعزاء، دعيت من قِبل الصديق الوفي مشعل السديري خلال رمضان الفائت. وكان السحور على شرف الأمير المحبوب فيصل بن عبدالله، وزير التربية والتعليم، الذي وصفه السيد أحمد عبد الوهاب بالرجل النبيل.
تحدث الأمير فيصل عن المواقف والذكريات الطريفة التي يحتفظ بها في ذاكرته، وعن بعض الشخصيات المعروفة في السياسة وغيرها، ولكن الأمير فيصل لم يسهب كثيرا في حديثه عن إنجازات وزارة التعليم، ربما خوفا من طرح موضوع كبير شائك لا يمكن الانتهاء منه في جلسة سحور واحدة، بل قد يحتاج إلى أكثر من سحور شهي لدى الصديق مشعل، وهو ما لا نتردد في قبوله إن عزم.
ومع كثرة المداخلات، والذكريات الظريفة عن شخصيات معروفة في عالم السياسة والمجتمع، خاصة تلك التي تزخر بها ذاكرة السيد أحمد عبدالوهاب أطال الله في عمره، لم نتمكن من فتح باب الحوار الجاد في المواضيع والمهام الصعبة التي تطلع بها وزارة التربية والتعليم، وإنجازاتها والمعوقات التي تواجهها، وما تحقق وما لم يتحقق وما نأمل أن يتحقق لشباب وأجيال هذا الوطن من خلال الوزارة.
ولأنني أعلم مدى اهتمام الأمير فيصل بإنجازات وزارته، وما يتطلع إليه شباب وأبناء الوطن من هذه الوزارة لمستقبلهم وطموحاتهم وآمالهم خلال الأعوام القادمة، فقد كنت أتمنى أن أشركه في بعض أفكاري ومرئياتي التي أرى أنها قد تستحق التوقف عندها قليلا.
نحن جميعا نتفق -كمواطنين- في أننا نريد شبابا وجيلا قويا، متعلما، ذكيا، منضبطا، ملتزما، قادرا على أخذ المبادرة وعلى تحمل مسؤولياته كاملا تجاه نفسه ومستقبله، وتجاه وطنه وأهله. هذا هدف ومطلب جوهري حيوي، لا يختلف عليه اثنان. ولكننا قد نختلف على الوسيلة أو الآلية التي توصلنا إلى ذلك الهدف، وهذا أمر طبيعي قابل للنقاش والأخذ والرد.
أنا شخصيا أرى أن هذا لن يتحقق بالنظر إلى وضع مجتمعنا وتربيتنا إلا إذا اجتمع أمران وتوفرا لشبابنا الغصن.
أولا، لا بد أن يتوفر لهذا الشباب التعليم العام العصري المتطور الهادف والمستنير، الذي يعلم الشباب قبل كل شيء كيف يكتشفون ويصقلون ويبلورون مواهبهم الذاتية، وكيف يعلمون أنفسهم بأنفسهم، وكيف يفكرون، وكيف يسألون السؤال الصحيح، وكيف يبحثون (بأنفسهم) عن الإجابات الصحيحة، وكيف يتحولون إلى ناقدين باحثين مستعلمين بدلا من بقائهم مجرد متلقّن لمعلومات نظرية، وكيف ينظرون إلى الأمور، كل الأمور، بعين ناقدة وفكر متوهج دون تجرح في محاولة جادة للبحث عن الحقيقة والقناعات الخاصة.
هذا هو ما نتوقعه من التعليم العام لأجيالنا القادمة وللنشء الواعي المستنير.
أما الأمر الثاني المطلوب -في رأيي الخاص- فهو فرض التجنيد الإجباري على الشباب في سن معينة، والانخراط لمدة عام أو عامين في السلك العسكري. ليس الهدف من ذلك تعلم كيفية استخدام وحمل السلاح فقط، إنما قبل كل شيء اكتساب الإحساس بالانتماء للوطن، واكتساب الالتزام والضبط والربط، وحب النظام واحترام الوقت والتعليمات، وإطاعة الأنظمة والأوامر، واكتساب الحب والولاء والمقدرة على التضحية من أجل الوطن والأهل والمجتمع. أضف إلى ذلك أيضا ليكتسب الشاب مهنة أو حرفة جديدة مفيدة، ومهارات يدوية وعقلية وجسدية تنفعه في حياته العملية ومستقبله المعيشي.
لا أعتقد أن هناك أهم من هذين الأمرين للأجيال القادمة المتنورة والطموحة. ولا أظن أن هذين الأمرين يخفيان على سمو الأمير فيصل، فهو نفسه مارسهما عمليا ونفسيا وفكريا، ولا يزالان يمثلان الكثير من شخصيته الجذابة.