التعليم ومشروع تطوير القضاء

ماجد قاروب

قبل عدة أشهر صدر قرار من مجلس الوزراء الموقر باعتماد إنشاء المحاكم في مختلف المدن والمحافظات حسب خطة وزارة العدل والتي وإن انتهت فإننا لا نزال أمام معضلة توفير الأراضي، ولم نسمع من حينها أن وزارة الشؤون أو أمانات المدن والمحافظات قد خصصت الأراضي لإنشاء المحاكم التي تعتبر أساسية لانطلاق القضاء الجديد وفق المشروع الجليل للملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير مرفق القضاء وديوان المظالم، الذي لا يزال يعمل في مقار مؤجرة ولا توجد لديه أراضٍ لبناء مقراته بما يتفق وطبيعة عمله في القضاء، وحتى عند توفر الأراضي فإن اعتماد المخططات والمشاريع يحتاج إلى صراع طويل مع وزارة المالية لاعتمادها الذي غالباً سيكون عدد محدود من المنشآت كل عام وليس اعتماد كامل لجميع الاحتياجات دفعة واحدة، خاصة وأن الملك حفظه الله خصص ومنذ اللحظة الأولى لإعلان مشروعه الجليل مبلغ (7) مليارات ريال وأعلن عن المزيد عند الحاجة التي لم تستخدم حتى الآن، هذا نموذج يوضح أن إنفاذ مشروع تطوير القضاء ليس بيد وزارة العدل بمفردها بل لدى أجهزة حكومية أخرى لا تزال بعيدة عن معرفه حقيقة دورها في المشروع، لذلك لم يكن مستغرباً أن يعلن في رمضان الماضي أي بعد مرور 5 أعوام وعدة أيام منذ إعلان المشروع عن إنشاء 5 أقسام جديدة للقضاء التجاري والإداري والجنائي والعمالي والأحوال الشخصية في المعهد العالي للقضاء، لقد احتاجت وزارة التعليم العالي الموقرة من خلال المعهد العالي للقضاء والمجلس الأعلى للتعليم لخمس سنوات للإعلان عن التعليم القضائي المتخصص لتخريج القاضي المتخصص للعمل في المحكمة المتخصصة ولا نعلم كم من الوقت سنحتاج لكي يبدأ العمل في تلك الأقسام. وبعدها نحتاج لاحتساب عدة سنوات أخرى لتخريج أول دفعة من القضاة المتخصصين للعمل بعد إعلان مشروع تطوير القضاء بعشر سنوات هذا إن افترضنا أن وزارة الخدمة المدنية اعتمدت وظائفهم ورصدتها المالية في الميزانية وكانت مباني المحاكم جاهزة في ذلك الوقت للعمل. ولن أناقش المحتوى العلمي لتلك الأقسام فمخرجات المعهد عبر السنين نراه في مخرجات التقاضي في المحاكم التي اضطرت ولي الأمر إلى مشروع وطني لتطوير القضاء والقضاة، كما أن المجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل معطلان عن اتخاذ الخطوة التالية في مشروع القضاء لأنها مرتبطة بتعديلات تشريعية على نظامي الإجراءات الجزائية والمرافعات الشرعية والتي لم تتم، ولذلك فإن أسباب تعطيل وتأخير مشروع الملك لتطوير القضاء ليس لدى الوزارة أو المجلس بل لدى وزارات التعليم والبلديات والخدمة المدنية والمالية بالمقام الأول ومعهم السلطة التشريعية بمجلس الشورى في المقام الثاني وإمكانيات الوزارة الضعيفة التي تحتاج إلى استحداث عدد كبير من الوظائف والقيادات العليا والمتوسطة والسكرتارية المحترفة المؤهلة للقيام بالأعمال المطلوبة من الوزارة بعد إعادة هيكلتها وقضاء التنفيذ ونظام التسجيل العيني نموذج لذلك ولا ننسى قيود البيروقراطية التي تعطل كل المشاريع العملاقة التي يريدها ويأمر بها ولي الأمر حفظه الله لخير الوطن والمواطن ومنها مبنى محكمة جدة الذي استغرق أكثر من 10 سنوات لبناء 7 طوابق.
نحن نحتاج إلى تطوير التعليم القانوني والحقوقي في جميع الجامعات السعودية وفي مختلف المناطق وأن ترتقي الكليات والجامعات الأهلية أيضاً بالتعليم القانوني للمستويات الدولية والعالمية وأن تدخل في مناهجها العلوم القانونية الحديثة مثل الملكية الفكرية والنقل بأنواعه البحري والجوي والتمويل وأعمل البنوك والاستثمار والتأمين والحوكمة وأن يكون لديها برامج ودبلومات للتأهيل والتطوير النوعي في العقود والمفاوضات وخدمات التقاضي ليعكس التعليم تطويراً حقيقياً على منظومة العمل القانوني والحقوقي والعدلي والقضائي بالبلاد.