الخلع.. خلاص النساء من منغصات الحيـاة الزوجية

حكايات من دنيا الواقع .. وأهل الرأي يؤكدون:

الخلع.. خلاص النساء من منغصات الحيـاة الزوجية

أشواق الطويرقي (مكة المكرمة)

يتفق الجميع على أن الزواج علاقة ارتباط قويم مبنية على التراضي والتفاهم بين الزوجين، بهدف العفاف وتكوين أسرة مستقرة برعاية الزوجين، وشرع المولى عز وجل حلولا لفض هذا الارتباط إذا تعذر على الطرفين الاستمرار، إما بطلاق أو الخلع، كافلا للجميع حقوقهم وواجباتهم.
«عكاظ» تفتح ملف الخلع مع عدد من النساء في مكة المكرمة، كما تلتقي ببعض من أهل الرأي وتناقش مضاره للخروج بحلول تحد من تفاقم هذه المشكلة وآثارها بالمجتمع.


تقول المعلمة وفاء: «عندما كنت في سن المراهقة تقدم لخطبتي عدد من الشبان، حيث كان والدي يعلل سبب رفضه لمن يتقدمون لخطبتي بأنه يرغب في أن أتم تعليمي وأتسلح بالعلم والعمل، وبعد أن أنهيت دراستي الجامعية كان الخطاب يدقون باب أهلي لخطبتي ووالدي لم يغلب في إيجاد الأعذار والحجج لرد العرسان عني فتارة يتحجج بأنني مخطوبة لابن عمي وتارة يتعلل برغبتي في مواصلة التعليم وأخرى بأن المتقدم غير أهل لي ولا يناسب عائلتنا، والكثير الكثير من الأعذار التي أحجمت من رغبة الناس في التقدم لخطبتي وقمعت حلم الزواج بداخلي كأنثى تتمنى أن يكون لها أسرتها الخاصة».

الطمع المادي
وتضيف: «كانت لدي صديقة مقربة مني أبدت لي رغبة شقيق زوجها في الاقتران بي بسبب كثرة حديثها عني وعن حبها لي شارحة لي سوء وضعه المادي الأمر الذي يحول بينه وبين رغبته في الزواج وفي ذات مرة عرفتني عليه وتركت مجالا للحوار، ولكن بعد الزواج اكتشفت أنه كان طامعا في مالي حيث إنه بعد زواجنا بأيام طلب مني 20 ألف ريال لتسديد دين عليه لأحد أصدقائه وبالفعل أعطيتها له وبعد مضي أسبوعين طلب مني مبلغا آخر وعندما سألته ماذا يرد بالمال وأن المبلغ الذي أخذه لم يمضِ عليه فترة طويلة ثار وغضب وكشر عن أنيابه وأبدى لي وجهه الذي كان يخفيه عني وخرج من المنزل وتغيب عني قرابة 10 أيام ومن ثم طردني من بيتي وعدت إلى منزل والدي ومكثت به عدة شهور، ولم يفكر حتى بالسؤال عني، وبعد عام تقدمت بشكوى بالمحكمة لطلب الطلاق منه وبعد أن حضر في موعد الجلسة رفض أن يطلقني وأخذ الأمر عدة أشهر، إلى أن قال لي القاضي (افتدي نفسك واطلبي الخلع منه إن أصريت على الطلاق) عندها ذكرت للقاضي أنني قدمت له كل شيء، فدفعت له 30 ألف ريال أخرى ثمنا لحريتي التي ملكته إياها بحسن نيتي واشتراها مني بخبث نواياه وخداعه».
نورة.. التي تشارك سابقتها نفس النهاية الأليمة في تجربتها الزوجية المنتهية بطلب الخلع من زوجها الذي لم يحترم رغبتها في الانفصال بصمت دون أن تبوح بسره الحقيقي الذي صعقت بمعرفته بعد زواجها منه، إذ تزوجت من شاب قريب لها ولم يكن يقطن معها بنفس المنطقة بحكم عمله، «فجميع الأسرة تعلم أن ذلك الشاب رجل محترم وعلى خلق رغم انقطاعه عنهم فبالكاد يرونه في المناسبات أو الإجازات وغالبا ما يمكث بنفس مدينة عمله ولا يأتي حيث نقيم جميعا، ولم يكن يختلط بالعائلة كثيرا فحكمهم على طيب أخلاقه كان سطحيا وهشا فمن غير المنطقي أن تحكم على شخص من دون أن تعاشره وتتعايش معه رغم أن أحواله المادية كانت ميسورة ووظيفته مرموقة إلا أنه لم يتزوج ولم يفكر بالزواج رغم تقدم عمره إلا بعد أن ألحت عليه والدته بالزواج، وتقدمت تخطبني له، وأخبرته بأنها أعطت كلمة لوالدتي وأنها اتفقت معها على كافة تفاصيل الخطبة، فوجد نفسه أمام الأمر الواقع بالفعل لم تستمر فترة الخطبة طويلا، وعقب زواجنا بأيام فوجئت بردة فعله حيث طلب مني قطع شهر العسل والعودة إلى بيتنا الأمر الذي لم أناقشه معه كثير ظنا مني بأن أمرا ما حصل بعمله وأرغمه على العودة وبعدها بدأت تظهر عليه تصرفات الجفاء والضجر والسهر خارج المنزل مع أصدقائه أو يسهر معهم بالحجرة خصصها بفناء البيت لضيوفه».
وتضيف نورة: «لم أحتمل الحياة معه وذهبت إلى المحكمة وتقدمت بدعوى خلع وتمكنت من الانفصال عنه بعد أن أرجعت إليه كامل صداقه والذهب الذي جلبه لي».
أما أم سالم التي خلعت زوجها بعد زواج استمر لأكثر من 35 عاما بعد أن قام بالسفر إلى الخارج والزواج عليها بفتاة بعمر بناته الأمر الذي لم تطق معه صبرا، فلجأت إلى المحكمة وتقدمت بدعوى خلع ضد زوجها الذي لم يقدر عشرتها وصبرها وكفاحها في الحياة معه وباعها هي وأولادها بفتاة لن يحسن معاشرتها ولن تقوى على معاشرته - على حد تعبيرها.

قاعات المحاكم
ولم تنتهِ القصص بعد، ففي قاعات المحاكم الكثير والكثير من قضايا الخلع التي تروي فساد بعض الرجال وبعض النساء أيضا، فهذا يطالب الزوجة بإعطائه مبالغ طائلة، قد تصل إلى إجبارها على الاقتراض من البنوك، لبناء منزل الأسرة، فتصطدم بواقع زواجه من أخرى، وإسكانها بمنزلها الذي ضيقته على نفسها من أجله، وقد تصاب بصدمة نفسية تؤثر عليها وتجعلها تتخذ قرار الخلع حفاظا على كرمتها إذا رفض طلبها للطلاق.
وفي موازاة ذلك أوضح الأخصائي الاجتماعي محمد خضر الشريف أن الخلع حق للمرأة أعطاه الشرع لها في حالة الوصول لطريق مسدود في الطلاق من زوجها، لكن البعض من الزوجات تطالب بالخلع لأنها دخلت دوامة حب جديد، وخيل إليها أن في الحبيب ما ليس في زوجها، فضحت بالزوج والبيت والاستقرار والعشرة من أجل «وهم الحب».
والبعض ضحت بالزوج والبيت والاستقرار وإن كان في المعيشة قل على «وهم الثراء» الذي يزينه لها الذي يغريها به فور انخلاعها من زوجها وحياتها الرتيبة معه.. وهكذا قصص أغرب من الخيال.
واتكأ البعض من الطرفين على أن قضية الخلع شرعية مستدلين بالحديث النبوي الشريف «رد عليها الحديقة وطلقها تطليقة» في أول قضية خلع شرعية في الحقبة النبوية.
وأضاف بقوله: «رغم إيماني بشرعية القضية والأهمية القصوى في شرعيتها، لكن لا أريد أن يكون الباب مفتوحا فيها والحبل متروكا على الغارب، لأنها سوف تؤدي بكثير من البيوت إلى الخراب العاجل، وعليه فأنا أرى أن نتجنب الخلع قدر ما تجنبنا الطلاق ما لم تصل الأمور إلى طريق مسدود ولم تفلح كل المحاولات للصلح أو للطلاق وبعدها نفكر في الحل الأخير وهو الخلع، وإلا فإن المسألة لو تركت على عواهنها فسوف نجني ثمارا مرة يدفع ضريبتها الزوجان والأبناء والبيت والعشرة الطويلة التي كانت بين الزوجين بحلوها ومرها».
ومن جانبه أوضح المحامي المستشار القانوني أحمد جمعان المالكي أن الله سبحانه وتعالى شرع الخلع بين الزوجين وجعله حقا للزوجة مخافة كرهها لزوجها لخلقه أو دينه أو كبره أو ضعفه أو نحو ذلك فأجاز لها أن تخالعه بعوض تفتدي به نفسها منه امتثالا لقوله تعالى (فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) وكما روي الحديث الشريف أنه جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق، إلا أني أخاف الكفر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتردين عليه حديقته؟»، قالت: نعم. فردتها عليه، وأمره ففارقها. ومن هنا جاءت مشروعية الخلع.
وبالنسبة للشروط الواجب توافرها لصحة الخلع فهي نفس الشروط الواجبة لصحة الزواج، وإن كان هناك اختلاف بسيط للزوجة وتختلف للرجل عن المرأة، فالبنسبة للرجل يشرط أن يكون عاقلا وبالتالي فلا يصح الخلع من الصبي والمجنون والمعتوه، ويشرط في المختلعة أن تكون محلا للطلاق وأهلا للتبرع، وأن لا يشوب إرادتها أي عيب من عيوب الإرادة، وأن يبنى الخلع ابتداء على بذل المال من قبل الزوجة، وأن يكون هناك تراضٍ بين الزوجين على المخالعة وذلك بدفع المرأة للمهر المسلم إليها وفي حالة عدم التراضي بينهما فللقاضي إلزام الزوج بالخلع متى ما توافرت كافة شروط الخلع.

حل سريع
ويعتبر الخلع حلا سريعا للخلافات الزوجية التي تقع بين الزوجين ويعطى للزوجة التي كرهت العيش مع زوجها أن ترد عليه ما دفعه إليها وتختلع منه ويجب على الزوجة أن ترد كامل المهر المدفوع إليها من زوجها دون نقصان وذلك امتثالا للآية الكريمة والحديث النبوي الشريف السابق الإشارة إليهم إلا أنه يجوز أن يتفق الزوج والزوجة أن يكون مقابل الخلع أقل من المهر المدفوع أو أكثر منه وهو في هذه الحالة مكروه، كما أن رد المهر المدفوع هو شرط مهم لصحة الخلع.
ولا بد وأن نفرق بين الخلع والطلاق للضرر فالخلع يكون بعوض متى توافرت الشروط الأخرى، أما الطلاق للضرر فلا يكون فيه عوض ولا مقابل وأنما يكون بإثبات الزوجة وجود ضرر حال بها من زوجها كأن يضربها أو يشتمها أو غير ذلك من الأسباب التي تجعل العشرة بينهما مستحيلة فإذا أثبتت ذلك فيحكم بالطلاق للضرر.
وأضاف المالكي قائلا قد تواجه النساء في قضايا الخلع العديد من العقبات أهمها صعوبة إثبات وقوع الضرر عليها من الزوج أمام القضاء. إصرار بعض القضاة على استمرار الحياة الزوجية بين الزوجين رغم إصرار الزوجة على الخلع بنية الإصلاح. تحايل الأزواج ورفضهم الخلع إلا برد المهر أو مؤخر الصداق كما أن بعضهم يدخل في مساومات رخيصة ووضع شروط ظالمة مقابل الخلع، فمنهم من دفع ثلاثين واسترجعها سبعين فاضطر الزوجة للاقتراض من البنوك أو الناس لنيل حريتها. ومنهم من يرفع قيمة المؤخر إلى حد لا تستطيع الزوجة دفعه فتضطر إلى طلب المعونة من الآخرين.
وذكر القاضي بمحكمة الاستئناف بمنطقة مكة المكرمة فضيلة الشيخ طنف بن محمد الدعجاني أن الخلع في اللغة مأخوذ من «خلع الثوب» ومعناه في الاصطلاح «فراق الزوج زوجته بعوض بألفاظ مخصوصة، بغرض تخليص الزوجة من زوجها على وجه لا رجعة فيه إلا برضاها وبعقد جديد». ومن السنة المطهرة قصة امرأة ثابت بن قيس رضي الله عنه وعنها والقصة أخرجها البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام.
واستطرد الدعجاني حديثه قائلا: «الخلع هو أحد الحلول الشرعية للمشكلات والخلافات الزوجية، إذ إن بعض الأزواج يحمله سوء الخلق أو اللؤم أحيانا على معاشرة زوجته فلا تحبه بل تكرهه أو لا يريد أن يوقع الطلاق، بل يرغبها بسوء خلقه ومعاشرته في أن تطلب منه ذلك ليذهب بما أعطاها من صداق أو يأخذ العوض والمقابل على الطلاق، وإن قضايا الطلاق والخلع تعتبر من أكثر القضايا تعقيدا والحكم فيها يحتاج إلى وقت كافٍ قبل النطق به. فالغرض من التأخير هو التراضي والإصلاح بين الطرفين فقد يحتاج بعضها إلى ستة أو تسعة أشهر أو أكثر للنطق بالحكم بحسب ظروف القضية، فأحيانا يحضر طرف ويغيب الآخر عن جلسات المحكمة، أو تكون حجة الزوجة لطلب الخلع يمكن إصلاحها بالمناصحة أو العلاج النفسي من خلال عرض القضية على المختصين بلجنة الإصلاح.
إعادة الصداق

بعض النساء يلجأن للخلع لعدة أسباب منها كراهية المرأة لزوجها دون أن يكون ذلك نتيجة سوء خلق منه، وخوف الزوجة الإثم بترك حق زوجها، وكذلك عضل الزوج لزوجته، بحيث يكره الزوج زوجته ولا يريد أن يطلقها فيجعلها كالمعلقة، فتفتدي منه نفسها بمالها، وأيضا سوء خلق الزوج مع زوجته فتضطر الزوجة إلى المخالعة. وإذا وقع لها مثل ذلك فإنها تلجأ أولا إلى الإصلاح ثم إلى التحاكم أيضا فإذا لم يجد ذلك شيئا فإن لها حق المخالعة.