الإمام مالك لم يدون منهجه في الاستنباط الفقهي كما في «الرواية»
المبارك وابن بيه يتناولان آثاره في الجامعة الإسلامية الليلة
الاثنين / 10 / ذو القعدة / 1434 هـ الاثنين 16 سبتمبر 2013 19:41
محمد المصباحي (جدة)
تشهد المدينة المنورة ندوة عن «الإمام مالك وأثره في الدراسات الفقهية»، تنظمها الجامعة الإسلامية ويشارك فيها عضو هيئة كبار العلماء الدكتور قيس بن محمد آل مبارك، ورئيس المركز العالمي للتجديد والترشيد الدكتور عبدالله بن بيه.
وكان للإمام مالك منهج في الاستنباط الفقهي لم يدونه كما دون بعض مناهجه في الرواية، ولكن مع ذلك صرح بكلام قد يستفاد منه، فقد ألمح إلى ذلك وهو يتحدث عن كتابه (الموطأ): «فيه حديث رسول الله وقول الصحابة والتابعين ورأيي، وقد تكلمت برأيي، وعلى الاجتهاد، وعلى ما أدركت عليه أهل العلم ببلدنا، ولم أخرج من جملتهم إلى غيره».
واتجه الإمام مالك إلى حفظ القرآن الكريم فحفظه، واقترح على أهله أن يحضر مجالس العلماء، كعمه وأخيه من قبل، ليكتب العلم ويدرسه، فأجابوا طلبه، وكانت يجد عناية من أمه، إذ ذكر لأمه أنه يريد أن يذهب ليكتب العلم - كما يحكي مالك عن نفسه - فألبسته أحسن الثياب وعممته ثم قالت له: «اذهب فاكتب الآن»، ولم تكتف بالعناية بمظهره، فكانت تختار له ما يأخذه عن العلماء، فقد كانت تقول له: «اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه»، وربيعة فقيه اشتهر بالرأي بين أهل المدينة، ولهذا التحريض من أمه جلس إلى ربيعة، فأخذ عنه فقه الرأي - وهو حدث صغير - على قدر طاقته، حتى لقد قال بعض معاصريه: «رأيت مالكا في حلقة ربيعة وفي أذنه شنف (الشنف: ما يعلق في أعلى الأذن للأطفال الذكور)».
وعن صفاته الخلقية، قال مصعب الزبيري: «كان مالك من أحسن الناس وجها، وأحلاهم عينا، وأنقاهم بياضا، وأتمهم طولا في جودة بدن»، وقال أبو عاصم: «ما رأيت محدثا أحسن وجها من مالك». وفي سعة علم الإمام مالك، روى الترمذي بسنده عن أبي هريرة، عن النبي أنه قال: «يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم، فلا يجدون أحدا أعلم من عالم المدينة». ثم قال: هذا حديث حسن. (ضعفه الألباني) وقد روي عن ابن عيينة أنه قال: هو مالك بن أنس. وكذا قال عبدالرزاق.
أما كثرة عبادة الإمام مالك، فقال أبو مصعب: «كان مالك يطيل الركوع والسجود في ورده، وإذا وقف في الصلاة كأنه خشبة يابسة لا يتحرك منه شيء». وقالت فاطمة بنت مالك: «كان مالك يصلي كل ليلة حزبه، فإذا كانت ليلة الجمعة أحياها كلها».
قال ابن المبارك: «رأيت مالكا فرأيته من الخاشعين، وإنما رفعه الله بسريرة كانت بينه وبين الله، وذلك أني كثيرا ما كنت أسمعه يقول: من أحب أن يفتح له فرجة في قلبه، وينجو من غمرات الموت، وأهوال يوم القيامة، فليكن في عمله في السر أكثر منه في العلانية».
اتفقت الروايات على أن مالكا ـ رضي الله عنه ـ كان مهيبا، حتى أنه ليدخل الرجل إلى مجلسه فيقرئ السلام للحاضرين، فما يرد أحد إلا همهمة وبصوت خفيض، ويشيرون إليه ألا يتكلم. فيستنكر عليهم القادم ذلك، ولكنه ما أن يملأ العين من مالك وسمته، ويقع تحت تأثير نظراته النافذة حتى يأخذ مأخذهم، ويجلس معهم، كأن على رأسه الطير مثلهم.
وكان يهابه والي المدينة حتى أنه لا يحس بالصغر إلا في حضرته، ويهابه أولاد الخلفاء، حتى إنه ليروى أنه كان في مجلس أبي جعفر المنصور، وإذا صبي يخرج ثم يعود، فقال المنصور: أتدري من هذا، قال: لا، قال: هذا ابني، إنما يفزع من شيبتك.. بل يهابه الخلفاء أنفسهم، إذ يروى أن المهدي دعاه ـ وقد ازدحم الناس بمجلسه، ولم يبق موضع لجالس ـ حتى إذا حضر مالك تنحى الناس له، حتى وصل إلى الخليفة، فتنحى له عن بعض مجلسه، ورفع إحدى رجليه ليفسح لمالك المجلس .. وهكذا كان شيخ فقهاء المدينة مهيبا، حتى كان له نفوذ أكبر من نفوذ الولاة، وله مجلس أقوى تأثيرا من مجلس السلطان من غير أن يكون ذا سلطان.
وتأتي المحاضرة ضمن سلسلة الندوات الثقافية للجامعة الإسلامية حول أئمة المذاهب الأربعة وأثرهم في الفقه الإسلامي، في إطار مشاركة الجامعة في فعاليات مناسبة المدينة المنورة عاصمة للثقافة الإسلامية للعام 1434هـ 2013م.
وكان للإمام مالك منهج في الاستنباط الفقهي لم يدونه كما دون بعض مناهجه في الرواية، ولكن مع ذلك صرح بكلام قد يستفاد منه، فقد ألمح إلى ذلك وهو يتحدث عن كتابه (الموطأ): «فيه حديث رسول الله وقول الصحابة والتابعين ورأيي، وقد تكلمت برأيي، وعلى الاجتهاد، وعلى ما أدركت عليه أهل العلم ببلدنا، ولم أخرج من جملتهم إلى غيره».
واتجه الإمام مالك إلى حفظ القرآن الكريم فحفظه، واقترح على أهله أن يحضر مجالس العلماء، كعمه وأخيه من قبل، ليكتب العلم ويدرسه، فأجابوا طلبه، وكانت يجد عناية من أمه، إذ ذكر لأمه أنه يريد أن يذهب ليكتب العلم - كما يحكي مالك عن نفسه - فألبسته أحسن الثياب وعممته ثم قالت له: «اذهب فاكتب الآن»، ولم تكتف بالعناية بمظهره، فكانت تختار له ما يأخذه عن العلماء، فقد كانت تقول له: «اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه»، وربيعة فقيه اشتهر بالرأي بين أهل المدينة، ولهذا التحريض من أمه جلس إلى ربيعة، فأخذ عنه فقه الرأي - وهو حدث صغير - على قدر طاقته، حتى لقد قال بعض معاصريه: «رأيت مالكا في حلقة ربيعة وفي أذنه شنف (الشنف: ما يعلق في أعلى الأذن للأطفال الذكور)».
وعن صفاته الخلقية، قال مصعب الزبيري: «كان مالك من أحسن الناس وجها، وأحلاهم عينا، وأنقاهم بياضا، وأتمهم طولا في جودة بدن»، وقال أبو عاصم: «ما رأيت محدثا أحسن وجها من مالك». وفي سعة علم الإمام مالك، روى الترمذي بسنده عن أبي هريرة، عن النبي أنه قال: «يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم، فلا يجدون أحدا أعلم من عالم المدينة». ثم قال: هذا حديث حسن. (ضعفه الألباني) وقد روي عن ابن عيينة أنه قال: هو مالك بن أنس. وكذا قال عبدالرزاق.
أما كثرة عبادة الإمام مالك، فقال أبو مصعب: «كان مالك يطيل الركوع والسجود في ورده، وإذا وقف في الصلاة كأنه خشبة يابسة لا يتحرك منه شيء». وقالت فاطمة بنت مالك: «كان مالك يصلي كل ليلة حزبه، فإذا كانت ليلة الجمعة أحياها كلها».
قال ابن المبارك: «رأيت مالكا فرأيته من الخاشعين، وإنما رفعه الله بسريرة كانت بينه وبين الله، وذلك أني كثيرا ما كنت أسمعه يقول: من أحب أن يفتح له فرجة في قلبه، وينجو من غمرات الموت، وأهوال يوم القيامة، فليكن في عمله في السر أكثر منه في العلانية».
اتفقت الروايات على أن مالكا ـ رضي الله عنه ـ كان مهيبا، حتى أنه ليدخل الرجل إلى مجلسه فيقرئ السلام للحاضرين، فما يرد أحد إلا همهمة وبصوت خفيض، ويشيرون إليه ألا يتكلم. فيستنكر عليهم القادم ذلك، ولكنه ما أن يملأ العين من مالك وسمته، ويقع تحت تأثير نظراته النافذة حتى يأخذ مأخذهم، ويجلس معهم، كأن على رأسه الطير مثلهم.
وكان يهابه والي المدينة حتى أنه لا يحس بالصغر إلا في حضرته، ويهابه أولاد الخلفاء، حتى إنه ليروى أنه كان في مجلس أبي جعفر المنصور، وإذا صبي يخرج ثم يعود، فقال المنصور: أتدري من هذا، قال: لا، قال: هذا ابني، إنما يفزع من شيبتك.. بل يهابه الخلفاء أنفسهم، إذ يروى أن المهدي دعاه ـ وقد ازدحم الناس بمجلسه، ولم يبق موضع لجالس ـ حتى إذا حضر مالك تنحى الناس له، حتى وصل إلى الخليفة، فتنحى له عن بعض مجلسه، ورفع إحدى رجليه ليفسح لمالك المجلس .. وهكذا كان شيخ فقهاء المدينة مهيبا، حتى كان له نفوذ أكبر من نفوذ الولاة، وله مجلس أقوى تأثيرا من مجلس السلطان من غير أن يكون ذا سلطان.
وتأتي المحاضرة ضمن سلسلة الندوات الثقافية للجامعة الإسلامية حول أئمة المذاهب الأربعة وأثرهم في الفقه الإسلامي، في إطار مشاركة الجامعة في فعاليات مناسبة المدينة المنورة عاصمة للثقافة الإسلامية للعام 1434هـ 2013م.