معلمات النائية إلى متى

اعتدال عطيوي

سنوات وسنوات تمضي وأحداث متوالية ومسلسل المعلمات خارج المدن ما زال كما هو، حيث المكابدة ما زالت مستمرة للمعلمة وأسرتها تتمثل في تبرم الزوج الذي قد يصل إلى التهديد بالطلاق وتسرب الوقت وتراكم الأدوار المنزلية وتداخلها وتأثير ذلك على الأبناء، ناهيك عن بعد المسافة وسائقي الحافلات الطائرين وشبح الحوادث والنعوش يلوح أمامهن في كل لحظة، فما هي توقعاتنا من إنسانة تخرج في الثلث الأخير من الليل من منزلها لتعود بعد العصر بنفسية مشبعة بالإحباط متحفزة بالهلع أن تقدم لجيل متنمر أساسا.
لا تغيير ولا تبديل سوى انتظار الفرج وبشارة الوزارة بالنقل ومتابعة محمومة للقوائم، وفي معظم المنازل المعنية بظهور ها كبوابة الخلاص والنجاة، وتواتر الأمر في المجتمع جيئة وذهابا نقاشا وحوارا أو صراخا، حتى انزرع لدينا مصطلح معلمات النائية مشاكلهن وأخيرا طرائفهن وهن يدفعن السيارة بعد الانغراس في الرمل وغيرها وغيرها.
وفوق هذا وذاك مخاطر ومشاكل العمل ذاته، ابتداء من طول المسافة ووعورة الطرق وتهالك النقل المستعمل وجشع شركات النقل وإهمالها في صيانة سياراتها ومراقبة سائقيها، ثم العبء المادي الذي يبتدئ من أجرة السائق إلى توفير الطعام والشراب، أي أن بدل النائية يستلم باليمين ليصرف باليسار،
وفوق هذا وذاك تعرضهن في بعض المناطق للكثير من المخاوف والمخاطر تبتدئ بالحيوانات وتختتم بتحرشات بعض البشر، ما حدا بالبعض منهن لحمل السلاح كما ورد في كثير من التحقيقات الصحفية.
كيف لهذا السيناريو اليومي المتكرر أن يستمر في حياتنا ونحن في مجتمع جعل المرأة همه الأول بوضعها تحت المجهر في كل لحظاتها وحياتها، أم أن المجهر لا يرى إلا واجباتها ويتجاهل حقوقها، وما بال المتحدثين عن الدرة المكنونة الواجب صيانتها صامتين، وإشارتي هذه للتنويه إلى ظاهرة الكيل بمكاييل مختلفة عند هؤلاء.
إن وزارة التربية والتعليم لا تملك خيارات كثيرة أو حلولا سحرية لسد ثغرات الحاجة في ظل التنامي اللاهث للسكان، ما يعني الطلب الملح على الخدمات التعليمية، خصوصا أن جل المجتمع من الشباب.
ويمكن تقليل حدة الوضع ومشاكله بالاستفادة من تجربة بعض الدول العربية كمصر التي جعلت للمعلمات والطبيبات المغتربات سكنا يخضع للحراسة، وهذا ما تقوم به بعض المعلمات حاليا بمجهوداتهن الخاصة، ولكن من الأفضل والآمن أن يكون تحت إشراف الوزارة تماما طالما أن الحاجة قائمة وستظل.
كما يمكن أن ترشح الوزارة شركات بعينها للنقل، الأمر الذي قد يضمن تميز خدمتها؛ لأن التعامل مع الدولة ومؤسساتها يختلف عن التعامل مع الفرد العادي، فرغم وجود رقابة على ناقلي المعلمات ومركباتهم، إلا أن الحال لم يتغير كثيرا، فما زال السائقون يبارون الريح ولا يلتزمون بالتعليمات المرورية كالحزام والامتناع عن الهاتف وغيره، وما زالت المركبات متهالكة والصيانة تنام في العسل والهلع الصباحي يطل برأسه كل يوم.
إذن، الأجدى أن تبذل الوزارة جهدا منظما في اختيار شركات وترشيحها للعاملات طالما أنها معنية بالأمر برمته، فلا يترك للاجتهادات الشخصية ولابتزاز الناقلين ورداءة خدماتهم.
إن الأمر برمته يحتاج إلى مزيد من الدراسة لابتكار آليات جديدة تتماشي مع واقع الحاجة والمشكلة من كافة النواحي.