خواطر مريض .. تحت الإنقاذ
الثلاثاء / 25 / ذو القعدة / 1434 هـ الثلاثاء 01 أكتوبر 2013 19:44
فؤاد محمد عمر توفيق
كتب الله ــ سبحانه وتعالى ــ لكثير من الأنبياء والرسل المعاناة.. فتنوعت معاناتهم.. فمنهم من عانى مع ومن قومه، ومنهم من عانى من الأمراض.. ومنهم من عانى من شقاء أو آخر.. وفي مجمل القول.. جميعه يكون من حكمة الله ــ جل وعلا.. وذلك من خلال محبته ــ سبحانه وتعالى ــ لمن يرسلهم.. فالله تبارك وعدل.. إذا أحب عبده.. ابتلاه..
ونحن وفي كامل البعد عن منازل الأنبياء والمرسلين.. قلت لزوجتي بينما نسير في أزقة مدينة «لوزان»، وذلك بعد وصولنا بيومين: أدعو الله ألا يكون غاضبا علي.. فسألتني: ولماذا تقولها؟، فأجبتها: لقد مضى علي وقت لم أمرض خلاله.. بيد أني لا أتسابق للمرض.. إنما قد أسعى لمزيد من الأجر فيه ــ إن وقع بأمر الله.. ودون شرط أو رغبة مني في ذات الوقت.. فلعل المرض يذكرني بزاوية من زوايا محبة الله لعبده.
لا أدعي أن الرد السريع قد أتاني.. إلا أنه وبعد يومين ازدادت في أمعائي وأضلعي آلام مبرحة.. وذلك بينما أستعد وزوجتي للسفر إلى لندن لزيارة إحدى بناتنا.. وتفاقم الارتعاش وبرودة الأطراف مع ارتفاع درجة حرارة الجسم.. وكأنما هناك من يضرب جسمي من الداخل.. ولما أخذت قواي في التهاوي أسرعت للاتصال بصديق سويسري أتاني سريعا بسيارته لنصل مدخل الطوارئ في المستشفى الجامعي الذي يقع ضمن قمم مدينة « لوزان».
هنا بدأ مسلسل يجعلني أتساءل: هل نعيش نحن (العالم الشرقي) في كوكب آخر؟.. أم أن بعضا من مواقع العالم يأتون من كوكب آخر؟ وبدخولي مقر الطوارئ بادرتني بالأسئلة عن حالي الموظفة المختصة بابتسامة تنم عن التعاطف مع حال المريض. فأجبتها ــ باختصار ــ لما كان للألم من تأثير على الكلام.. فتوقفت عن تحرياتها عند سؤال سريع عن التأمين أو وسيلة التسديد.. فقدمت لها خيارات ما لبثت أن قالت: لا تقلق.. فإنه سؤال روتيني..أنت الآن في الطوارئ وبأمر القانون، فالنظر في موضوعك الطبي له الأولوية.. ثم تحركنا لمكتب الأطباء للفحص الأول والأشعة والتحاليل السريعة التي لم تستنزف دقائق، وجلس معي بعدها طبيب وطبيبة وموظفة إدارية حين أن أوصالي تتقطع ألما.. فاجأتهم بقولي إني في طريقي إلى لندن بعد يومين.. صمت المجتمعون، ثم قال الطبيب: لننس موضوع لندن.. وأضافت الطبيبة قائلة: سيدي : بحكم القانون أنت الآن تحت إمرتنا ولن نسمح لك بالخروج من هذه العيادة سوى إلى غرفة العمليات.. وسندع الترتيبات المالية للمختصين فيما بعد.. ولم يمضِ دقائق حتى كنت محمولا على العربة في الطريق لمسرح العمليات.. ولا أتذكر شيئا بعدها سوى أني استفقت وحولي من يتحركون بنظام النحل..
رغم إعيائي الشديد.. ولا أدري كيف أتى إلى ذهني وأنا في منتصف حلقة الاهتمام ومصب التركيز في غرفة الإفاقة.. إلا أني تذكرت مستشفى في جدة (لا أرغب تعريف اسمه.. فكافة المستشفيات ربما تسير بنفس المزاج..) يعمل فيه من اعرفه.. وبما أفادني أن المستشفى لن يقبل بعد اليوم أي مريض يأتي إلى الطوارئ وإن كان مواطنا.. أم مقيما.. أم زائرا.. سوى منسوبي (....).. وإذا ما أتي مريض بطارئ عاجل فلن يستقبلوه بحكم هذا النظام الجديد.
لا أبالغ.. وإنما يأتي هنا سبب هذه المقالة وبهذه التفاصيل.. فبينما كنت أراقب حركة العاملين حولي من غرفة الإفاقة هبطت دمعة مني حيال ما أتى في خاطري وذاكرتي.. بعدم قبول المريض لدى الطوارئ في حالة مستشفى (.....).. إلى أن لاح لي أن درجة اختلاف النظام من كوكب لآخر قد تكون أقل ضراوة من الاختلاف الواقع في عالمنا بين حاضرة وأخرى.
وهنا أقارن.. فأنا في بلد غربي غير مسلم.. يجبرني قانونه بالخضوع لأمر طبيب الطوارئ والاستسلام لفرض إنقاذي بما وقع وألم بي.. ودون ضمان لتسديد القيمة إلى حينه.. بينما يطرد التنظيم المريض في بلد آخر! وفي كلتا الحالتين، فان المسؤول أمام القانون قبل ذلك أمام الله.. سواء في خدمة المريض أم تكلفة العلاج.. موضوع آخر متفق عليه من سكان الكواكب.
وبينما كنت في غرفتي في اليوم التالي.. صعد لزيارتي رجل جزائري عرفني بنفسه أنه يعمل في غرفة العمليات، وقد قرأ من صورة جواز سفري في الملف أني أمين العاصمة المقدسة/ سابقا.. فتحركت شجونه ليقدم لي أي خدمة قد أحتاجها.. فجلس للحديث.. وتطرقنا عن الأنظمة والتسهيلات.. فأكد لي أنه ولأكثر من ثلاثين عاما قضاها في الغرب، بدءا من كندا، والى آخر عشرين عاماً في سويسره.. لم يواجه سوى احترام وتقدير لآدميته..وأن أكثر ما أدهشه وبما يتفوق على الخدمة الطبية التي رأيتها هو أنه إذا لديك أطفال لا يذهبون للمدرسة.. حتى وإن لم تكن تعمل في البلد أو تحمل إقامة.. فالقانون يلحقهم جبرا بالتعليم.. وقد تنال عقابك لتعطيل تعليمهم !
مرة أخرى.. لا أبالغ.. تذكرت عند نومي في تلك الليلة.. من أعرف من المقيمين لثلاثين أو عشرين عاما.. وهم يسعون.. ويستجدون.. ويبكون.. في كل عام لإلحاق أبنائهم بأي مدرسة كانت..هنا.. أتساءل.. وأتساءل.. وأتساءل : هل يعيش بعض من العالم الشرقي في كوكب اسمه كوكب «التمنن».. أم أن بعضا من الآخرين هم يعيشون في كوكب آخر.. اسمه كوكب «المنطق والإنسانية» ؟ فالحالتان.. سواء في الخدمة الطبية أم التعليمية، تؤكدان أن هناك كوكبين وربما أكثر.. في آن واحد!
ولقد تفقدني الأحباء والأصدقاء في الأيام التي تلت بما لا استحقه.. وإن أخفق بعض من مسؤولين ظننت فيهم خيرا.. والمسألة تخضع لبصيرة الحكمة!
وقد كتبت هذه الكلمات من سريري في المستشفى بأمل المغادرة التي باتت مشروطة (أدبيا وطبيا) بألا أتنقل أو أسافر لحين العودة إلى المستشفى ذاته بعد خمسة أسابيع لإجراء العملية الثانية (المكملة)!
هذا.. لثقتهم في الآخر.. فلم يطردني أحد إلى تاريخه، سواء في سبيل تسديد التكاليف.. أو غيره.. فهو موضوع لا مفر منه في جميع الأحوال.. فبرغم العلاقات السويسرية ــ السعودية الحسنة.. إلا أنه يظل كل منهم مسؤولا ومحاسبا عن مواطنيه ومسؤوليه والعاملين والقائمين لديه.. في كلا الدارين.. وقد يكون هكذا الحال في كافة الكواكب.
قال الله تعالى «وكل في فلك يسبحون». صدق الله العظيم.
ونحن وفي كامل البعد عن منازل الأنبياء والمرسلين.. قلت لزوجتي بينما نسير في أزقة مدينة «لوزان»، وذلك بعد وصولنا بيومين: أدعو الله ألا يكون غاضبا علي.. فسألتني: ولماذا تقولها؟، فأجبتها: لقد مضى علي وقت لم أمرض خلاله.. بيد أني لا أتسابق للمرض.. إنما قد أسعى لمزيد من الأجر فيه ــ إن وقع بأمر الله.. ودون شرط أو رغبة مني في ذات الوقت.. فلعل المرض يذكرني بزاوية من زوايا محبة الله لعبده.
لا أدعي أن الرد السريع قد أتاني.. إلا أنه وبعد يومين ازدادت في أمعائي وأضلعي آلام مبرحة.. وذلك بينما أستعد وزوجتي للسفر إلى لندن لزيارة إحدى بناتنا.. وتفاقم الارتعاش وبرودة الأطراف مع ارتفاع درجة حرارة الجسم.. وكأنما هناك من يضرب جسمي من الداخل.. ولما أخذت قواي في التهاوي أسرعت للاتصال بصديق سويسري أتاني سريعا بسيارته لنصل مدخل الطوارئ في المستشفى الجامعي الذي يقع ضمن قمم مدينة « لوزان».
هنا بدأ مسلسل يجعلني أتساءل: هل نعيش نحن (العالم الشرقي) في كوكب آخر؟.. أم أن بعضا من مواقع العالم يأتون من كوكب آخر؟ وبدخولي مقر الطوارئ بادرتني بالأسئلة عن حالي الموظفة المختصة بابتسامة تنم عن التعاطف مع حال المريض. فأجبتها ــ باختصار ــ لما كان للألم من تأثير على الكلام.. فتوقفت عن تحرياتها عند سؤال سريع عن التأمين أو وسيلة التسديد.. فقدمت لها خيارات ما لبثت أن قالت: لا تقلق.. فإنه سؤال روتيني..أنت الآن في الطوارئ وبأمر القانون، فالنظر في موضوعك الطبي له الأولوية.. ثم تحركنا لمكتب الأطباء للفحص الأول والأشعة والتحاليل السريعة التي لم تستنزف دقائق، وجلس معي بعدها طبيب وطبيبة وموظفة إدارية حين أن أوصالي تتقطع ألما.. فاجأتهم بقولي إني في طريقي إلى لندن بعد يومين.. صمت المجتمعون، ثم قال الطبيب: لننس موضوع لندن.. وأضافت الطبيبة قائلة: سيدي : بحكم القانون أنت الآن تحت إمرتنا ولن نسمح لك بالخروج من هذه العيادة سوى إلى غرفة العمليات.. وسندع الترتيبات المالية للمختصين فيما بعد.. ولم يمضِ دقائق حتى كنت محمولا على العربة في الطريق لمسرح العمليات.. ولا أتذكر شيئا بعدها سوى أني استفقت وحولي من يتحركون بنظام النحل..
رغم إعيائي الشديد.. ولا أدري كيف أتى إلى ذهني وأنا في منتصف حلقة الاهتمام ومصب التركيز في غرفة الإفاقة.. إلا أني تذكرت مستشفى في جدة (لا أرغب تعريف اسمه.. فكافة المستشفيات ربما تسير بنفس المزاج..) يعمل فيه من اعرفه.. وبما أفادني أن المستشفى لن يقبل بعد اليوم أي مريض يأتي إلى الطوارئ وإن كان مواطنا.. أم مقيما.. أم زائرا.. سوى منسوبي (....).. وإذا ما أتي مريض بطارئ عاجل فلن يستقبلوه بحكم هذا النظام الجديد.
لا أبالغ.. وإنما يأتي هنا سبب هذه المقالة وبهذه التفاصيل.. فبينما كنت أراقب حركة العاملين حولي من غرفة الإفاقة هبطت دمعة مني حيال ما أتى في خاطري وذاكرتي.. بعدم قبول المريض لدى الطوارئ في حالة مستشفى (.....).. إلى أن لاح لي أن درجة اختلاف النظام من كوكب لآخر قد تكون أقل ضراوة من الاختلاف الواقع في عالمنا بين حاضرة وأخرى.
وهنا أقارن.. فأنا في بلد غربي غير مسلم.. يجبرني قانونه بالخضوع لأمر طبيب الطوارئ والاستسلام لفرض إنقاذي بما وقع وألم بي.. ودون ضمان لتسديد القيمة إلى حينه.. بينما يطرد التنظيم المريض في بلد آخر! وفي كلتا الحالتين، فان المسؤول أمام القانون قبل ذلك أمام الله.. سواء في خدمة المريض أم تكلفة العلاج.. موضوع آخر متفق عليه من سكان الكواكب.
وبينما كنت في غرفتي في اليوم التالي.. صعد لزيارتي رجل جزائري عرفني بنفسه أنه يعمل في غرفة العمليات، وقد قرأ من صورة جواز سفري في الملف أني أمين العاصمة المقدسة/ سابقا.. فتحركت شجونه ليقدم لي أي خدمة قد أحتاجها.. فجلس للحديث.. وتطرقنا عن الأنظمة والتسهيلات.. فأكد لي أنه ولأكثر من ثلاثين عاما قضاها في الغرب، بدءا من كندا، والى آخر عشرين عاماً في سويسره.. لم يواجه سوى احترام وتقدير لآدميته..وأن أكثر ما أدهشه وبما يتفوق على الخدمة الطبية التي رأيتها هو أنه إذا لديك أطفال لا يذهبون للمدرسة.. حتى وإن لم تكن تعمل في البلد أو تحمل إقامة.. فالقانون يلحقهم جبرا بالتعليم.. وقد تنال عقابك لتعطيل تعليمهم !
مرة أخرى.. لا أبالغ.. تذكرت عند نومي في تلك الليلة.. من أعرف من المقيمين لثلاثين أو عشرين عاما.. وهم يسعون.. ويستجدون.. ويبكون.. في كل عام لإلحاق أبنائهم بأي مدرسة كانت..هنا.. أتساءل.. وأتساءل.. وأتساءل : هل يعيش بعض من العالم الشرقي في كوكب اسمه كوكب «التمنن».. أم أن بعضا من الآخرين هم يعيشون في كوكب آخر.. اسمه كوكب «المنطق والإنسانية» ؟ فالحالتان.. سواء في الخدمة الطبية أم التعليمية، تؤكدان أن هناك كوكبين وربما أكثر.. في آن واحد!
ولقد تفقدني الأحباء والأصدقاء في الأيام التي تلت بما لا استحقه.. وإن أخفق بعض من مسؤولين ظننت فيهم خيرا.. والمسألة تخضع لبصيرة الحكمة!
وقد كتبت هذه الكلمات من سريري في المستشفى بأمل المغادرة التي باتت مشروطة (أدبيا وطبيا) بألا أتنقل أو أسافر لحين العودة إلى المستشفى ذاته بعد خمسة أسابيع لإجراء العملية الثانية (المكملة)!
هذا.. لثقتهم في الآخر.. فلم يطردني أحد إلى تاريخه، سواء في سبيل تسديد التكاليف.. أو غيره.. فهو موضوع لا مفر منه في جميع الأحوال.. فبرغم العلاقات السويسرية ــ السعودية الحسنة.. إلا أنه يظل كل منهم مسؤولا ومحاسبا عن مواطنيه ومسؤوليه والعاملين والقائمين لديه.. في كلا الدارين.. وقد يكون هكذا الحال في كافة الكواكب.
قال الله تعالى «وكل في فلك يسبحون». صدق الله العظيم.