المعارضة السورية تعاني من «الشخصنة» .. ومصير «جنيف 2» بيد المقاتلين
أكد أن تفكيك الكيماوي استسلام مذل وهزيمة منكرة لنظام الأسد .. برهان غليون لـ «عكاظ»:
الجمعة / 06 / ذو الحجة / 1434 هـ الجمعة 11 أكتوبر 2013 21:02
أسماء كوار (باريس)
وصف المفكر والمعارض السوري الدكتور برهان غليون، مؤتمر «جنيف 2» بأنه كـ«السراب»، إذ لم يعد له أي معنى ولا قيمة، في ظل الحديث عن ترشح بشار الأسد لفترة لرئاسية جديدة، مؤكدا أنه لن يكون هناك «جنيف 2» إلا إذا وجدت ضمانات لتطبيق «جنيف 1». ورأى عضو الائتلاف المعارض في حوار لـ«عكاظ»، أن الموافقة على تفكيك سلاحه الكيماوي استسلام مذل وهزيمة منكرة لنظام ظل يتبجح خلال نصف قرن بامتلاكه سلاح الردع الإستراتيجي ضد إسرائيل.
وقال غليون إن الأسد يحاول الآن أن يدفع إلى تأجيل «مؤتمر جنيف» عله يحقق مكاسب أكثر على الأرض على حساب الجيش الحر. وأكد غليون أنه بدون مساعدات جدية للمعارضة لتغيير ميزان القوى على الأرض، فإنه من الصعب على المجتمع الدولي أن يأخذ من الأسد أي تنازل في موضوع البقاء بالسلطة.
• هل بإبرام صفقة الكيماوي يكون المجتمع الدولي قفز على قوانين دولية تجرم استعمال هذه الأسلحة ومنح الأسد شرعية رئيس دولة؟
- لم تبرم هناك أي صفقة مع الأسد، لقد تنازل بمحض إرادته ومن دون شروط عن السلاح الإستراتيجي الوحيد الذي كان يملكه، ما حصل هو استسلام مذل وهزيمة منكرة لنظام ظل يتبجح خلال نصف قرن بامتلاكه سلاح الردع الإستراتيجي ضد إسرائيل، وإذ به يتخلى عنه بلمح البصر وقبل أن تطلق على جيوشه رصاصة واحدة، أملا بأن ينقذه هذا التسليم من الهلاك.
أنا من الذين يعتقدون، بعكس ما يشاع عن صفقة ومهلة كسبها الأسد، أن تخليه عن هذا السلاح سيقرب أجله لأن أكثر ما كانت الدول الغربية تخشاه هو احتمال استخدامه له، الآن لم يعد لديه أي سلاح ليرفض ما يملى عليه، فهو الآن مجرد من السلاح أمام الدول الغربية وليس له خيار سوى الانصياع للتفاهم الذي سوف يفرضه الروس والأمريكيون عليه، وتخليه عن السلطة جزء جوهري من أي تفاهم لا بد أن يحصل في القريب، بعد أن أصبح رمزا لجرائم الإبادة الجماعية واستخدام الأسلحة الكيماوية في قمع الشعب.
كنا نريد أن يرتبط نزع السلاح الكيماوي بإجراءات وقرارات تنص على معاقبة الجناة وإجبارهم على الانصياع للإرادة الدولية في بدء عملية الانتقال نحو نظام ديمقراطي، لكننا لا نعتقد أبدا أن الأسد سيربح شيئا من تخليه عن سلاحه الكيماوي، بل لم يكن الحل أقرب مما هو عليه الآن بسبب إخراج هذا السلاح من المعركة. والأمر يتوقف على تفاهم بين الروس والأمريكيين من جهة، وحلفائهم الإقليميين العرب والإيرانيين من جهة ثانية.
استسلام الأسد
• لكن التصريحات الرسمية الدولية تشيد بتعاون الأسد معهم.
- الضربات العسكرية التي أصبحت ذكريات، كانت تلويحا بالقوة نجم عنه استسلام الأسد وظهور عورات قوته وجبنه وانهياره السياسي والمعنوي، وقبوله بنزع أسلحته الإستراتيجية بتعاونه الذي أثنى عليه -كما يثني السيد على عبده- القيمون الرئيسيون اليوم على تفكيك النظام السوري، الروس والأمريكيون. الذي يجعل المجتمع الدولي والروس والأمريكان يترددون في هذا التفكيك ليس استعادة ثقتهم بأكبر مجرم عرفه العصر ولا مكافأتهم له على تسليمه أسلحته الكيماوية، وإنما عدم جاهزية التركيبة الجديدة التي يريدون وضعها في مكانه، والتي ينبغي أن تعكس مصالح كل طرف من الأطراف المعنية، وهي كثيرة للأسف اليوم، بميزان الذهب: ما هي حصة الروس وحصة الأمريكيين والأوروبيين والإيرانيين والأتراك وغيرهم؟ المهم أن تبقى حصة صغيرة من كل ذلك للشعب السوري الذي ضحى بكل ما لديه من أجل الخلاص من هذا النظام الإجرامي الذي لم يكن كابوسا بالنسبة للسوريين وحدهم ولكن لشعوب المنطقة كلها.
حصار دمشق
• ألا تعتقد أن تنازل النظام أمام صفقة الأسلحة الكيماوية يدل على هشاشة موقفه إزاء ضغوط المجتمع الدولي، مما يدفعه للتنازل أكثر في حال جلس لطاولة «جنيف 2»؟
- بالتأكيد لذلك هو يتراجع الآن عما ذكره في البداية عن استعداده لدخول «جنيف 2» من دون شروط، الآن هو يشترط ويسعى إلى التهرب من استحقاق جنيف، فيقول إنه لن يقبل بالائتلاف على طاولة الحوار، ولن يقبل إلا بمعارضة من الداخل، وإن صلاحيات الأسد كرئيس لن تطرح للنقاش، وهذا ما يخالف كليا مبادئ «جنيف 1» الذي ينص على تسليم السلطة لحكومة كاملة الصلاحية، والأسد يحاول الآن أن يدفع إلى تأجيل مؤتمر جنيف عله يستطيع أن يحقق مكاسب أكثر على الأرض على حساب الجيش الحر، ويقول للمجتمع الدولي «لم يعد هناك ما أتفاوض معه إلا القاعدة الممثلة في دولة العراق والشام والنصرة، وبالتالي من مصلحتكم أن تتعاونوا معي لأخدمكم في حربكم ضد الإرهاب». هذا ما يفكر به الآن. لكنه يهذي حتى لا أقول إنه يحلم، في الأشهر القليلة القادمة، وبينما سيكون مشغولا بإبداء انصياعه وطاعته في تدمير سلاحه الكيماوي، سوف يفقد كل ما بقي له من مواقع في جبهة الشمال وجبهة الجنوب، ويجد نفسه محاصرا في دمشق بدل أن يحاصر هو المناطق شبه المحررة كما يتراءى له في الخيال.
ضمانات التطبيق
• أصلا بنود «جنيف 1» الستة لم تطبق، فكيف يتم طرح «جنيف 2»، علما بأن مخالفة مبادئ «جنيف 1» تؤدي لفشل «جنيف 2»؟
- لن يكون هناك «جنيف 2» إلا إذا وجدت ضمانات لتطبيق «جنيف 1» وفي فترة معقولة، وهذا لن يحصل إن لم يتمكن الروس والأمريكيون من التوصل إلى اتفاق واضح حول النظام البديل، وأن يقنعوا به الأطراف، وفي مقدمتها المعارضة، على أن يحقق الانتقال نحو نظام ديمقراطي جديد، ويحضر لانتخابات تشريعية ورئاسية في مدة زمنية ليست طويلة، في الوقت الراهن لا يزال مؤتمر جنيف مثل السراب، ليس هناك اتفاق واضح فيه على الهدف، ولا على المراحل ولا على آلية تطبيق البنود الستة التي نص عليها بيان «جنيف 1»، وما لم تكن هناك فعلا مساعدات جدية للمعارضة كي تغير من ميزان القوى على الأرض من الصعب على المجتمع الدولي أن يأخذ من الأسد أي تنازل في موضوع البقاء في السلطة، اللهم إلا بالتهديد بضربات عسكرية أخرى كتلك التي جعلته يتخلى عن السلاح الكيماوي لينقذ نفسه من الضربة القاضية.
خلافات الائتلاف
• لكن فصائل عسكرية قلبت حسابات الائتلاف وأعلنت عدم الذهاب لـ«جنيف 2»، وأن الائتلاف لم يعد ممثلا لها.
- البيان الذي أصدره 13 فصيلا عسكريا مقاتلا كان بيان احتجاج على إعلان بعض قادة الائتلاف نيتهم الذهاب لـ«جنيف 2» بدون التشاور مع القادة العسكريين، أعتقد أن هذا هو جوهر الخلاف في إصدار هذا البيان، ولكن بعد اجتماع رئيس الائتلاف مع القادة العسكرين، وخاصة بأعضاء المجلس العسكري الأعلى التابع للأركان، والذين وقع جزء منهم على البيان، وبعد أن أوضح رئيس الائتلاف شروط الذهاب إلى جنيف والتي هي نقل السلطة فحسب، أعتقد أن الوحدة قد عادت لكن بالتأكيد على حساب هيبة الائتلاف واستقلاليته، منذ الآن المقاتلون على الأرض هم الذين أصبحت لديهم اليد الأطول في تقرير مصير جنيف ولن يجد الأسد بينهم من سيقبل بأقل من إحالته للعدالة لقاء ما أجرم فيه بحق الشعب السوري الذي منحه ثقته بعد وفاة أبيه متأملا في شبابه وثقافته المدنية، فأظهر من الوحشية والغدر ما لم يخطر على بال.
أصوات متعددة للثورة
• لكن هذه الكيانات العسكرية التي تقاتل على الأرض تتهم المعارضة الخارجية بالصد عن مبادئ الثورة الأساسية.
- الآن لا يوجد صوت واحد للثورة، بل أصبح للثورة داخليا أصوات متعددة، لكن الائتلاف يجمع مختلف أوساط الثورة بمن فيهم القادة العسكريون، الائتلاف يضم أكثر من 15 عضوا ممثلين للقوى العسكرية المقاتلة على الأرض، ويضم ممثلين لتكتلات حزبية، أرى أن الائتلاف، برغم ضعفه وثغراته، يمثل أكبر تجمع للمعارضة السورية المسلحة والسياسية، بالتأكيد هناك تجاذبات دولية تعبر الائتلاف، مثلما يحدث في كل المعارضات التي تعيش الأزمات الدولية، كما أن لهذه التعددية في الأصوات والخطابات أسبابها في افتقار الائتلاف لموارد ذاتية سواء في ما يتعلق بتمويل نشاطاته أو تسليح المقاتلين أو تأمين حاجات الإغاثة الإنسانية، كل الموارد التي تصله تأتي من بلدان تريد أن يكون لها موقع وموقف ونفوذ في سوريا.
لن يأتي بجديد
• حتى نخرج من محور «جنيف 2».. هل تعتقد أن «جنيف 2» سيأتي بالجديد للأزمة السورية؟
- بالصيغة المطروح بها حاليا، لن يخرج بأية نتيجة.. لذلك أنا من دعاة إعادة التفاوض حول «جنيف 2» لأنه ليس هناك شيء يجبر النظام على قبول تطبيق البنود الستة لـ«جنيف 1» والتي تعني نهايته.. أي سنذهب إلى جنيف لنفرض على النظام التنازل عن السلطة من أجل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات وتمثل مختلف أطياف الشعب السوري وبشكل أساسي المعارضة.. وهذا ما يرفضه بشار وزبانيته، اللهم إلا إذا ارتفعت العصا الغليظة فوق رأسهم. والحال أنه لا يزال يعيش اليوم في وهم أنه كسب جولة مقايضة الأسلحة الكيماوية مع بقائه في السلطة، وهذا ما جعله يعيد حساباته ويرفض جنيف1 و2، لكن سيكون لجنيف أو أي مؤتمر سلام آخر معنى ونتيجة عندما سيتلقى النظام ضربات عسكرية تهز أركانه، سواء أكانت بأيادٍ سورية أو أجنبية. ونحن نفضل بالتأكيد أن تكون بأيادٍ سورية.
إنضاج الحل
• وما الحل في نظركم في ظل بوادر فشل «جنيف 2»؟
- «جنيف 2» لم يفشل لأنه لم يعقد، ويمكن أن يعاد النظر فيه عندما تنضج شروط التوصل إلى حل كما ذكرت، ففي النهاية لابد للمتحاربين من الجلوس لتصفية الحسابات العسكرية سياسيا، وعلينا أن نعمل على إنضاج هذه الشروط، على المستوى العسكري الميداني أولا وعلى المستوى السياسي أيضا بتوحيد المعارضة السياسية والعسكرية وبلورة رؤية مشتركة وواضحة للنظام البديل.
ساحة حرب
• إذن ما هي الحلول التي تراها ممكنة وتسرع بالحل للأزمة التي تدخل عامها الثالث؟
- المشكل الرئيس اليوم هو أن هناك شخصا اسمه بشار الأسد يتشبث بكرسي الحكم ويسلط جام غضبه على الشعب الذي لفظه، ويصر على الانتقام منه بقتل أبنائه وحرق مدنه، مستفيدا من الصراعات الدولية والإقليمية، وأن هناك دولا وقوى مهمة تستخدم حربه وسيلة لتحقيق مكاسب أو تعديل موازين قوى أو القيام بصفقات، وتتركه يفعل ما يشاء، طالما أنها لم تتوصل بعد للقسمة التي ترتضيها جميع الأطراف المتنازعة، سوريا تحولت إلى ساحة حرب إقليمية ودولية، وهو يستفيد من هذا الوضع الذي يبيح له كل شيء. لذلك أعتقد أن الحل أصبح مرتبطا بالتفاهم الدولي والإقليمي، ما لم يحقق السوريون تقدما كبيرا وحاسما على الأرض، ويفرضوا أن يكون الحل بالدرجة الأولى سورياً - سورياً. وهذا ما تسعى إلى حرماننا منه أكثر الأطراف المنخرطة في الصراع.
تنظيم القوى الذاتية
• هل تقصد قوة عسكرية داخلية تزيح الأسد وتحسم الوضع دوليا؟
- نعم، إذا وجدت هذه القوة السورية القادرة على الحسم، سوف يستعيد السوريون قرارهم ويعيد ذلك الكثير من الأمور إلى نصابها، لكن قوة الحسم هذه لم تتوفر بعد، من هنا لا بد من العمل على تنظيم القوى الذاتية، السياسية والعسكرية، وتأمين التحالفات الدولية التي تعزز من موقفنا وتسمح لنا بأن نخوض المعركة العسكرية بشروط أفضل ومع أمل بحسم أسرع وتجنب كارثة «الصوملة» والسقوط في الفوضى وانهيار الدولة وتفاقم النزاعات الأهلية.
الدور الإيراني
• ألا ترى أن الدور الإيراني يبدو استعراضيا ومحوريا في القضية السورية؟
- واضح جدا أن هناك بداية حوار أمريكي - إيراني بتشجيع من الروس.. وإذا استمر وتقدم، على حساب القضية السورية فسيكون ذلك خطرا علينا وعلى العرب بأجمعهم، لكن حتى الآن رفض الغربيون المفاوضات الإجمالية التي يقترحها الإيرانيون والتي يربطون فيها بين جميع الملفات للمقايضة، وأصروا على الفصل بين القضايا في مفاوضاتهم مع طهران، في هذه الحالة لا أعتقد أن التقدم في المفاوضات في الملف النووي يمكن أن يؤثر سلبا على القضية السورية، إيران ليست مضطرة للمغامرة بمصالحها في المستقبل لصالح الدفاع عن إرث الأسد وتحمل وزر سياساته الإجرامية للأبد، لكن أعتقد أننا لم نصل بعد إلى هذا الوضع، ولا يزال موضوع المفاوضات الرئيس هو الملف النووي الإيراني الذي يهم الولايات المتحدة بشكل أكبر، لأن تقدمه يجنبها الضربة العسكرية المكلفة التي تطالب بها إسرائيل.
ترك رئاسة الوطني
• لماذا تركت رئاسة المجلس الوطني رغم من أن هناك دولا كانت تفضل بقاءك؟
- ينص النظام الداخلي للمجلس على أن ولاية الرئيس ثلاث أشهر تجدد، وقد جدد لي مرة وفي الثانية حصل خلاف حول التمديد، كان هناك من يعتقد أن من المفيد استمرار الرئيس لمدة أطول لتأكيد وحدة المعارضة واستمراريتها، وهذا ما كان يؤكد عليه العديد من المسؤولين الدوليين وينصحون المجلس بأن لا يطبق قاعدة التغيير كل ثلاثة أشهر لأنها توحي بالتنازع والتنافس ولا تترك وجوها ثابتة يمكن التعامل معها والوثوق بها، وفي انتخابات التجديد للمرة الثالثة فزت بثلثي الأصوات، ما يعني أن نسبة كبيرة من المصوتين كانت إلى جانب اقتراح التعديل، لكن حصل كلام كثير من قبل الخاسرين، كما بدأ الكلام السلبي حول رغبتي في البقاء في المنصب، وأنا أساسا لم أطلبه وإنما زكيت لاحتلاله من قبل الأحزاب والتشكيلات التي كونت المجلس، فقدمت استقالتي حتى لا أفسح المجال أمام ظهور خلافات داخل المجلس وأفتح الطريق أمام شخصيات جديدة، ومنذ ذلك الوقت لم يحصل أنني رشحت نفسي لأي منصب، لا في المجلس ولا في الائتلاف، وعملت كعضو عادي.
تنافس وصراع
• هل معاذ الخطيب عانى من نفس الإشكال في الائتلاف والذي دفعه للاستقالة؟
- أجل معاذ الخطيب عانى أيضا من التنافس على المنصب، لكن ولايته كانت لستة أشهر حسب النظام الداخلي للائتلاف، وكنا قد تعلمنا من خطئنا في المجلس فضاعفنا المدة، وكان رأيي أن تكون على الأقل لسنة كاملة. وقدم معاذ الخطيب استقالته لأنه عانى من التنافس والصراع على المناصب من جهة ولأنه دافع عن موقف سياسي لم يرق للكثيرين داخل المجلس، وأثار ضده عاصفة من الانتقادات، والاتهامات بالرغبة في الحوار مع النظام، وهو الأمر الذي كان ينفيه.
صراع الذوات
• هل صحيح أن صراع «الذوات» داخل المعارضة السورية أضعف الشعور بالمصلحة الوطنية وشكك في مصداقيتها؟
- نعم بالتأكيد، مشكلة المعارضة السورية سيطرة الذاتيات على العمل المؤسساتي والمنظم، وبالتالي الاهتمام بالمصالح الخاصة قبل المصلحة العامة، وهذا ثمرة الثقافة السياسية التي أنشأها الاستبداد التاريخي الطويل ونفخ فيها نظام الأسد بكل ما لديه من قوة، حتى يخلق لنفسه قاعدة زبائنية من الانتهازين والمتسلقين والوصوليين، بعد أن فقد قاعدته الاجتماعية الطبيعية، وحتى يتمكن من ضرب المقاومة وحركات الاحتجاج المستمرة ضد الديكتاتورية والفاشية التي لم تتوقف في سوريا منذ قدوم البعث للسلطة. والواقع ليس لأجهزة المخابرات التي كانت روح النظام وقلبه سوى وظيفة واحدة، هي منع الأفراد من التنظيم والعمل الجماعي حتى لو كان عملا خيريا إنسانيا، وفرض قانون الطوارئ الذي يحرم الاجتماع لأكثر من ثلاثة أشخاص ويمنع أي تواصل بين الأفراد سياسيا كان أو فكريا من دون رقابة الأجهزة الأمنية وموافقتها.
حكومة طعمة
• في رأيك.. هل سينجح أحمد طعمة في تشكيل حكومته؟
- نعم أحمد طعمة سينجح في تشكيل الحكومة، وهو فعلا في طريق تشكيل الحكومة لإدارة المناطق المحررة من داخل سوريا ومن خارجها وتكون فيها شخصيات قادرة على ترتيب العمل في الداخل والخارج سواء تعلق الأمر بالأمور الإدارية أو القانونية أو الأمنية. ولن يتسنى ذلك إلا بتوفر الإمكانيات، وكلنا نتمنى له التوفيق والنجاح، هذه أيضا مصلحة وطنية بامتياز.
حرب إبادة
• هل استطعتم، من خلال مساعيكم في الأمم المتحدة أن تغيروا شيئا مما هو موجود وتقنعوا الدول بأن ما يتعرض له الشعب السوري حرب إبادة؟
- ما لم تتوفر القوة، فلن نتمكن من رؤية هذا الحق يتحول إلى واقع على الأرض، كي يتحول الحق القانوني إلى ممارسة فعلية للحق، ينبغي توفير القوة التي تفرضه أو تنتزعه، والقوة اليوم، في عالم العولمة، ليست محدودة بنظام أو بلد، لأنها «لعبة» عالمية، أي شبكة من علاقات القوة المترابطة والمتشابكة، من هنا أيضا تكمن أهمية العمل على صعيد العلاقات الدولية من أجل نسج علاقات وتحييد قوى وتأمين موارد من كل الأنواع، ومن هنا كان وجودنا في نيويورك مهما، لأن الجمعية العامة هي أكبر تجمع لرؤساء الدول ومسؤولي العالم، وكان هدفنا أن تلتقي المعارضة بأكبر عدد منهم لشرح معاناة السوريين في ظل الحرب التي يفرضها عليهم نظام جائر، وقد دار البحث حول إغاثة الشعب السوري بالنظر لوجود سبعة ملايين لاجئ ونازح يفتقرون لأي مورد ويحتاجون لمساعدة المنظمات الإنسانية، ويرتبط بهذا الموضوع مسألة فك الطوق المضروب على بعض المدن المحاصرة مثل الغوطة الدمشقية وحمص ومناطق أخرى، لذلك سعينا من خلال اتصالاتنا إلى تشجيع بعض الدول على الدفع بمشروع قرار إلى مجلس الأمن يفرض على النظام فتح ممرات آمنة وإدخال الإغاثة مباشرة من دون المرور بالنظام ومن جميع الحدود السورية. وقد نقلنا في هذا الموضوع خيبة الشعب السوري من ردود الفعل البطيئة وتحت مستوى المسؤولية للمجتمع الدولي تجاه محنة المدنيين ومعانتهم، وعطالة هذا المجتمع تجاه حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب، وذكرنا المسؤولين الدوليين بالكارثة الإنسانية وتفاقم أزمة اللاجئين التي تنذرنا التقارير الأممية بأن أعدادهم سوف تزيد بنحو أربعة ملايين جدد سيصبحون في عداد اللاجئين والنازحين في 2014، وهذا يعني أن أكثر من 8.3 ملايين سوري إضافي سيحتاجون لمساعدة إنسانية في 2014، أي بزيادة 37% مقارنة مع هذه السنة.
بطش النظام
• وعلى أي شيء ركزتم خلال هذه اللقاءات؟
- ركزنا في الجانب السياسي على البحث في نقطتين مهمتين: الأولى مخاطر تحويل النظر من القضية الرئيسة التي هي بطش النظام بالشعب وشن حرب دموية إلى قضية جزئية لا تمت بصلة مباشرة لها، هي قضية نزع السلاح الكيماوي والذي لا يخدم إلا مصالح دولية، وهذا ما عبر عنه للأسف قرار مجلس الأمن الذي عكس أيضا الاتفاق الروسي الأمريكي، ففي فرحة الحصول على هذه الهدية الكبيرة للدول الغربية وإسرائيل، يكاد الغربيون ينسون أن هناك شعبا يُقتل بكل الأسلحة الأخرى، وأن عدد الضحايا من الشهداء والجرحى لم يتراجع مع سحب أسلحة الأسد الكيماوية. النقطة الثانية تتعلق بمؤتمر «جنيف 2»، وهناك رغبة عند معظم الدول، وتقريبا كل من تحدث في اجتماع الجمعية العامة الاستثنائي ورحب بنا في التوصل إلى حل سياسي للصراع، لذا كان المطلوب منا أن نوضح أن الحل السياسي ليس سحرا، وأنه يحتاج كي ينجح إلى إعداد كبير، وشروط تضمن أن يقود إلى تحقيق الأهداف التي وضعت له، وهي انتقال السلطة إلى حكومة كاملة الصلاحية بانتظار الإعداد لانتخابات حرة تقود البلاد إلى نظام ديمقراطي، والحال أن أقوال النظام وأفعاله تدل دلالة لا لبس فيها على أن إرادة الحرب والحسم العسكري هي التي لا تزال تتحكم بعقول قادته، وهؤلاء لا يخفون أنهم ضد الاعتراف بالمعارضة ويصرون على الحديث عنها على أنها منظمات إرهابية ويرفضون مناقشة صلاحيات الرئاسة وتخلي الأسد عن السلطة، بل إنهم يشيرون إلى أن هذا الأخير قد يرشح نفسه لولاية رئاسية جديدة، في هذه الحالة لم يعد هناك أي معنى لمؤتمر جنيف ولا قيمة للجلوس على طاولة تفاوض من أجل التفاوض.
وقال غليون إن الأسد يحاول الآن أن يدفع إلى تأجيل «مؤتمر جنيف» عله يحقق مكاسب أكثر على الأرض على حساب الجيش الحر. وأكد غليون أنه بدون مساعدات جدية للمعارضة لتغيير ميزان القوى على الأرض، فإنه من الصعب على المجتمع الدولي أن يأخذ من الأسد أي تنازل في موضوع البقاء بالسلطة.
• هل بإبرام صفقة الكيماوي يكون المجتمع الدولي قفز على قوانين دولية تجرم استعمال هذه الأسلحة ومنح الأسد شرعية رئيس دولة؟
- لم تبرم هناك أي صفقة مع الأسد، لقد تنازل بمحض إرادته ومن دون شروط عن السلاح الإستراتيجي الوحيد الذي كان يملكه، ما حصل هو استسلام مذل وهزيمة منكرة لنظام ظل يتبجح خلال نصف قرن بامتلاكه سلاح الردع الإستراتيجي ضد إسرائيل، وإذ به يتخلى عنه بلمح البصر وقبل أن تطلق على جيوشه رصاصة واحدة، أملا بأن ينقذه هذا التسليم من الهلاك.
أنا من الذين يعتقدون، بعكس ما يشاع عن صفقة ومهلة كسبها الأسد، أن تخليه عن هذا السلاح سيقرب أجله لأن أكثر ما كانت الدول الغربية تخشاه هو احتمال استخدامه له، الآن لم يعد لديه أي سلاح ليرفض ما يملى عليه، فهو الآن مجرد من السلاح أمام الدول الغربية وليس له خيار سوى الانصياع للتفاهم الذي سوف يفرضه الروس والأمريكيون عليه، وتخليه عن السلطة جزء جوهري من أي تفاهم لا بد أن يحصل في القريب، بعد أن أصبح رمزا لجرائم الإبادة الجماعية واستخدام الأسلحة الكيماوية في قمع الشعب.
كنا نريد أن يرتبط نزع السلاح الكيماوي بإجراءات وقرارات تنص على معاقبة الجناة وإجبارهم على الانصياع للإرادة الدولية في بدء عملية الانتقال نحو نظام ديمقراطي، لكننا لا نعتقد أبدا أن الأسد سيربح شيئا من تخليه عن سلاحه الكيماوي، بل لم يكن الحل أقرب مما هو عليه الآن بسبب إخراج هذا السلاح من المعركة. والأمر يتوقف على تفاهم بين الروس والأمريكيين من جهة، وحلفائهم الإقليميين العرب والإيرانيين من جهة ثانية.
استسلام الأسد
• لكن التصريحات الرسمية الدولية تشيد بتعاون الأسد معهم.
- الضربات العسكرية التي أصبحت ذكريات، كانت تلويحا بالقوة نجم عنه استسلام الأسد وظهور عورات قوته وجبنه وانهياره السياسي والمعنوي، وقبوله بنزع أسلحته الإستراتيجية بتعاونه الذي أثنى عليه -كما يثني السيد على عبده- القيمون الرئيسيون اليوم على تفكيك النظام السوري، الروس والأمريكيون. الذي يجعل المجتمع الدولي والروس والأمريكان يترددون في هذا التفكيك ليس استعادة ثقتهم بأكبر مجرم عرفه العصر ولا مكافأتهم له على تسليمه أسلحته الكيماوية، وإنما عدم جاهزية التركيبة الجديدة التي يريدون وضعها في مكانه، والتي ينبغي أن تعكس مصالح كل طرف من الأطراف المعنية، وهي كثيرة للأسف اليوم، بميزان الذهب: ما هي حصة الروس وحصة الأمريكيين والأوروبيين والإيرانيين والأتراك وغيرهم؟ المهم أن تبقى حصة صغيرة من كل ذلك للشعب السوري الذي ضحى بكل ما لديه من أجل الخلاص من هذا النظام الإجرامي الذي لم يكن كابوسا بالنسبة للسوريين وحدهم ولكن لشعوب المنطقة كلها.
حصار دمشق
• ألا تعتقد أن تنازل النظام أمام صفقة الأسلحة الكيماوية يدل على هشاشة موقفه إزاء ضغوط المجتمع الدولي، مما يدفعه للتنازل أكثر في حال جلس لطاولة «جنيف 2»؟
- بالتأكيد لذلك هو يتراجع الآن عما ذكره في البداية عن استعداده لدخول «جنيف 2» من دون شروط، الآن هو يشترط ويسعى إلى التهرب من استحقاق جنيف، فيقول إنه لن يقبل بالائتلاف على طاولة الحوار، ولن يقبل إلا بمعارضة من الداخل، وإن صلاحيات الأسد كرئيس لن تطرح للنقاش، وهذا ما يخالف كليا مبادئ «جنيف 1» الذي ينص على تسليم السلطة لحكومة كاملة الصلاحية، والأسد يحاول الآن أن يدفع إلى تأجيل مؤتمر جنيف عله يستطيع أن يحقق مكاسب أكثر على الأرض على حساب الجيش الحر، ويقول للمجتمع الدولي «لم يعد هناك ما أتفاوض معه إلا القاعدة الممثلة في دولة العراق والشام والنصرة، وبالتالي من مصلحتكم أن تتعاونوا معي لأخدمكم في حربكم ضد الإرهاب». هذا ما يفكر به الآن. لكنه يهذي حتى لا أقول إنه يحلم، في الأشهر القليلة القادمة، وبينما سيكون مشغولا بإبداء انصياعه وطاعته في تدمير سلاحه الكيماوي، سوف يفقد كل ما بقي له من مواقع في جبهة الشمال وجبهة الجنوب، ويجد نفسه محاصرا في دمشق بدل أن يحاصر هو المناطق شبه المحررة كما يتراءى له في الخيال.
ضمانات التطبيق
• أصلا بنود «جنيف 1» الستة لم تطبق، فكيف يتم طرح «جنيف 2»، علما بأن مخالفة مبادئ «جنيف 1» تؤدي لفشل «جنيف 2»؟
- لن يكون هناك «جنيف 2» إلا إذا وجدت ضمانات لتطبيق «جنيف 1» وفي فترة معقولة، وهذا لن يحصل إن لم يتمكن الروس والأمريكيون من التوصل إلى اتفاق واضح حول النظام البديل، وأن يقنعوا به الأطراف، وفي مقدمتها المعارضة، على أن يحقق الانتقال نحو نظام ديمقراطي جديد، ويحضر لانتخابات تشريعية ورئاسية في مدة زمنية ليست طويلة، في الوقت الراهن لا يزال مؤتمر جنيف مثل السراب، ليس هناك اتفاق واضح فيه على الهدف، ولا على المراحل ولا على آلية تطبيق البنود الستة التي نص عليها بيان «جنيف 1»، وما لم تكن هناك فعلا مساعدات جدية للمعارضة كي تغير من ميزان القوى على الأرض من الصعب على المجتمع الدولي أن يأخذ من الأسد أي تنازل في موضوع البقاء في السلطة، اللهم إلا بالتهديد بضربات عسكرية أخرى كتلك التي جعلته يتخلى عن السلاح الكيماوي لينقذ نفسه من الضربة القاضية.
خلافات الائتلاف
• لكن فصائل عسكرية قلبت حسابات الائتلاف وأعلنت عدم الذهاب لـ«جنيف 2»، وأن الائتلاف لم يعد ممثلا لها.
- البيان الذي أصدره 13 فصيلا عسكريا مقاتلا كان بيان احتجاج على إعلان بعض قادة الائتلاف نيتهم الذهاب لـ«جنيف 2» بدون التشاور مع القادة العسكريين، أعتقد أن هذا هو جوهر الخلاف في إصدار هذا البيان، ولكن بعد اجتماع رئيس الائتلاف مع القادة العسكرين، وخاصة بأعضاء المجلس العسكري الأعلى التابع للأركان، والذين وقع جزء منهم على البيان، وبعد أن أوضح رئيس الائتلاف شروط الذهاب إلى جنيف والتي هي نقل السلطة فحسب، أعتقد أن الوحدة قد عادت لكن بالتأكيد على حساب هيبة الائتلاف واستقلاليته، منذ الآن المقاتلون على الأرض هم الذين أصبحت لديهم اليد الأطول في تقرير مصير جنيف ولن يجد الأسد بينهم من سيقبل بأقل من إحالته للعدالة لقاء ما أجرم فيه بحق الشعب السوري الذي منحه ثقته بعد وفاة أبيه متأملا في شبابه وثقافته المدنية، فأظهر من الوحشية والغدر ما لم يخطر على بال.
أصوات متعددة للثورة
• لكن هذه الكيانات العسكرية التي تقاتل على الأرض تتهم المعارضة الخارجية بالصد عن مبادئ الثورة الأساسية.
- الآن لا يوجد صوت واحد للثورة، بل أصبح للثورة داخليا أصوات متعددة، لكن الائتلاف يجمع مختلف أوساط الثورة بمن فيهم القادة العسكريون، الائتلاف يضم أكثر من 15 عضوا ممثلين للقوى العسكرية المقاتلة على الأرض، ويضم ممثلين لتكتلات حزبية، أرى أن الائتلاف، برغم ضعفه وثغراته، يمثل أكبر تجمع للمعارضة السورية المسلحة والسياسية، بالتأكيد هناك تجاذبات دولية تعبر الائتلاف، مثلما يحدث في كل المعارضات التي تعيش الأزمات الدولية، كما أن لهذه التعددية في الأصوات والخطابات أسبابها في افتقار الائتلاف لموارد ذاتية سواء في ما يتعلق بتمويل نشاطاته أو تسليح المقاتلين أو تأمين حاجات الإغاثة الإنسانية، كل الموارد التي تصله تأتي من بلدان تريد أن يكون لها موقع وموقف ونفوذ في سوريا.
لن يأتي بجديد
• حتى نخرج من محور «جنيف 2».. هل تعتقد أن «جنيف 2» سيأتي بالجديد للأزمة السورية؟
- بالصيغة المطروح بها حاليا، لن يخرج بأية نتيجة.. لذلك أنا من دعاة إعادة التفاوض حول «جنيف 2» لأنه ليس هناك شيء يجبر النظام على قبول تطبيق البنود الستة لـ«جنيف 1» والتي تعني نهايته.. أي سنذهب إلى جنيف لنفرض على النظام التنازل عن السلطة من أجل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات وتمثل مختلف أطياف الشعب السوري وبشكل أساسي المعارضة.. وهذا ما يرفضه بشار وزبانيته، اللهم إلا إذا ارتفعت العصا الغليظة فوق رأسهم. والحال أنه لا يزال يعيش اليوم في وهم أنه كسب جولة مقايضة الأسلحة الكيماوية مع بقائه في السلطة، وهذا ما جعله يعيد حساباته ويرفض جنيف1 و2، لكن سيكون لجنيف أو أي مؤتمر سلام آخر معنى ونتيجة عندما سيتلقى النظام ضربات عسكرية تهز أركانه، سواء أكانت بأيادٍ سورية أو أجنبية. ونحن نفضل بالتأكيد أن تكون بأيادٍ سورية.
إنضاج الحل
• وما الحل في نظركم في ظل بوادر فشل «جنيف 2»؟
- «جنيف 2» لم يفشل لأنه لم يعقد، ويمكن أن يعاد النظر فيه عندما تنضج شروط التوصل إلى حل كما ذكرت، ففي النهاية لابد للمتحاربين من الجلوس لتصفية الحسابات العسكرية سياسيا، وعلينا أن نعمل على إنضاج هذه الشروط، على المستوى العسكري الميداني أولا وعلى المستوى السياسي أيضا بتوحيد المعارضة السياسية والعسكرية وبلورة رؤية مشتركة وواضحة للنظام البديل.
ساحة حرب
• إذن ما هي الحلول التي تراها ممكنة وتسرع بالحل للأزمة التي تدخل عامها الثالث؟
- المشكل الرئيس اليوم هو أن هناك شخصا اسمه بشار الأسد يتشبث بكرسي الحكم ويسلط جام غضبه على الشعب الذي لفظه، ويصر على الانتقام منه بقتل أبنائه وحرق مدنه، مستفيدا من الصراعات الدولية والإقليمية، وأن هناك دولا وقوى مهمة تستخدم حربه وسيلة لتحقيق مكاسب أو تعديل موازين قوى أو القيام بصفقات، وتتركه يفعل ما يشاء، طالما أنها لم تتوصل بعد للقسمة التي ترتضيها جميع الأطراف المتنازعة، سوريا تحولت إلى ساحة حرب إقليمية ودولية، وهو يستفيد من هذا الوضع الذي يبيح له كل شيء. لذلك أعتقد أن الحل أصبح مرتبطا بالتفاهم الدولي والإقليمي، ما لم يحقق السوريون تقدما كبيرا وحاسما على الأرض، ويفرضوا أن يكون الحل بالدرجة الأولى سورياً - سورياً. وهذا ما تسعى إلى حرماننا منه أكثر الأطراف المنخرطة في الصراع.
تنظيم القوى الذاتية
• هل تقصد قوة عسكرية داخلية تزيح الأسد وتحسم الوضع دوليا؟
- نعم، إذا وجدت هذه القوة السورية القادرة على الحسم، سوف يستعيد السوريون قرارهم ويعيد ذلك الكثير من الأمور إلى نصابها، لكن قوة الحسم هذه لم تتوفر بعد، من هنا لا بد من العمل على تنظيم القوى الذاتية، السياسية والعسكرية، وتأمين التحالفات الدولية التي تعزز من موقفنا وتسمح لنا بأن نخوض المعركة العسكرية بشروط أفضل ومع أمل بحسم أسرع وتجنب كارثة «الصوملة» والسقوط في الفوضى وانهيار الدولة وتفاقم النزاعات الأهلية.
الدور الإيراني
• ألا ترى أن الدور الإيراني يبدو استعراضيا ومحوريا في القضية السورية؟
- واضح جدا أن هناك بداية حوار أمريكي - إيراني بتشجيع من الروس.. وإذا استمر وتقدم، على حساب القضية السورية فسيكون ذلك خطرا علينا وعلى العرب بأجمعهم، لكن حتى الآن رفض الغربيون المفاوضات الإجمالية التي يقترحها الإيرانيون والتي يربطون فيها بين جميع الملفات للمقايضة، وأصروا على الفصل بين القضايا في مفاوضاتهم مع طهران، في هذه الحالة لا أعتقد أن التقدم في المفاوضات في الملف النووي يمكن أن يؤثر سلبا على القضية السورية، إيران ليست مضطرة للمغامرة بمصالحها في المستقبل لصالح الدفاع عن إرث الأسد وتحمل وزر سياساته الإجرامية للأبد، لكن أعتقد أننا لم نصل بعد إلى هذا الوضع، ولا يزال موضوع المفاوضات الرئيس هو الملف النووي الإيراني الذي يهم الولايات المتحدة بشكل أكبر، لأن تقدمه يجنبها الضربة العسكرية المكلفة التي تطالب بها إسرائيل.
ترك رئاسة الوطني
• لماذا تركت رئاسة المجلس الوطني رغم من أن هناك دولا كانت تفضل بقاءك؟
- ينص النظام الداخلي للمجلس على أن ولاية الرئيس ثلاث أشهر تجدد، وقد جدد لي مرة وفي الثانية حصل خلاف حول التمديد، كان هناك من يعتقد أن من المفيد استمرار الرئيس لمدة أطول لتأكيد وحدة المعارضة واستمراريتها، وهذا ما كان يؤكد عليه العديد من المسؤولين الدوليين وينصحون المجلس بأن لا يطبق قاعدة التغيير كل ثلاثة أشهر لأنها توحي بالتنازع والتنافس ولا تترك وجوها ثابتة يمكن التعامل معها والوثوق بها، وفي انتخابات التجديد للمرة الثالثة فزت بثلثي الأصوات، ما يعني أن نسبة كبيرة من المصوتين كانت إلى جانب اقتراح التعديل، لكن حصل كلام كثير من قبل الخاسرين، كما بدأ الكلام السلبي حول رغبتي في البقاء في المنصب، وأنا أساسا لم أطلبه وإنما زكيت لاحتلاله من قبل الأحزاب والتشكيلات التي كونت المجلس، فقدمت استقالتي حتى لا أفسح المجال أمام ظهور خلافات داخل المجلس وأفتح الطريق أمام شخصيات جديدة، ومنذ ذلك الوقت لم يحصل أنني رشحت نفسي لأي منصب، لا في المجلس ولا في الائتلاف، وعملت كعضو عادي.
تنافس وصراع
• هل معاذ الخطيب عانى من نفس الإشكال في الائتلاف والذي دفعه للاستقالة؟
- أجل معاذ الخطيب عانى أيضا من التنافس على المنصب، لكن ولايته كانت لستة أشهر حسب النظام الداخلي للائتلاف، وكنا قد تعلمنا من خطئنا في المجلس فضاعفنا المدة، وكان رأيي أن تكون على الأقل لسنة كاملة. وقدم معاذ الخطيب استقالته لأنه عانى من التنافس والصراع على المناصب من جهة ولأنه دافع عن موقف سياسي لم يرق للكثيرين داخل المجلس، وأثار ضده عاصفة من الانتقادات، والاتهامات بالرغبة في الحوار مع النظام، وهو الأمر الذي كان ينفيه.
صراع الذوات
• هل صحيح أن صراع «الذوات» داخل المعارضة السورية أضعف الشعور بالمصلحة الوطنية وشكك في مصداقيتها؟
- نعم بالتأكيد، مشكلة المعارضة السورية سيطرة الذاتيات على العمل المؤسساتي والمنظم، وبالتالي الاهتمام بالمصالح الخاصة قبل المصلحة العامة، وهذا ثمرة الثقافة السياسية التي أنشأها الاستبداد التاريخي الطويل ونفخ فيها نظام الأسد بكل ما لديه من قوة، حتى يخلق لنفسه قاعدة زبائنية من الانتهازين والمتسلقين والوصوليين، بعد أن فقد قاعدته الاجتماعية الطبيعية، وحتى يتمكن من ضرب المقاومة وحركات الاحتجاج المستمرة ضد الديكتاتورية والفاشية التي لم تتوقف في سوريا منذ قدوم البعث للسلطة. والواقع ليس لأجهزة المخابرات التي كانت روح النظام وقلبه سوى وظيفة واحدة، هي منع الأفراد من التنظيم والعمل الجماعي حتى لو كان عملا خيريا إنسانيا، وفرض قانون الطوارئ الذي يحرم الاجتماع لأكثر من ثلاثة أشخاص ويمنع أي تواصل بين الأفراد سياسيا كان أو فكريا من دون رقابة الأجهزة الأمنية وموافقتها.
حكومة طعمة
• في رأيك.. هل سينجح أحمد طعمة في تشكيل حكومته؟
- نعم أحمد طعمة سينجح في تشكيل الحكومة، وهو فعلا في طريق تشكيل الحكومة لإدارة المناطق المحررة من داخل سوريا ومن خارجها وتكون فيها شخصيات قادرة على ترتيب العمل في الداخل والخارج سواء تعلق الأمر بالأمور الإدارية أو القانونية أو الأمنية. ولن يتسنى ذلك إلا بتوفر الإمكانيات، وكلنا نتمنى له التوفيق والنجاح، هذه أيضا مصلحة وطنية بامتياز.
حرب إبادة
• هل استطعتم، من خلال مساعيكم في الأمم المتحدة أن تغيروا شيئا مما هو موجود وتقنعوا الدول بأن ما يتعرض له الشعب السوري حرب إبادة؟
- ما لم تتوفر القوة، فلن نتمكن من رؤية هذا الحق يتحول إلى واقع على الأرض، كي يتحول الحق القانوني إلى ممارسة فعلية للحق، ينبغي توفير القوة التي تفرضه أو تنتزعه، والقوة اليوم، في عالم العولمة، ليست محدودة بنظام أو بلد، لأنها «لعبة» عالمية، أي شبكة من علاقات القوة المترابطة والمتشابكة، من هنا أيضا تكمن أهمية العمل على صعيد العلاقات الدولية من أجل نسج علاقات وتحييد قوى وتأمين موارد من كل الأنواع، ومن هنا كان وجودنا في نيويورك مهما، لأن الجمعية العامة هي أكبر تجمع لرؤساء الدول ومسؤولي العالم، وكان هدفنا أن تلتقي المعارضة بأكبر عدد منهم لشرح معاناة السوريين في ظل الحرب التي يفرضها عليهم نظام جائر، وقد دار البحث حول إغاثة الشعب السوري بالنظر لوجود سبعة ملايين لاجئ ونازح يفتقرون لأي مورد ويحتاجون لمساعدة المنظمات الإنسانية، ويرتبط بهذا الموضوع مسألة فك الطوق المضروب على بعض المدن المحاصرة مثل الغوطة الدمشقية وحمص ومناطق أخرى، لذلك سعينا من خلال اتصالاتنا إلى تشجيع بعض الدول على الدفع بمشروع قرار إلى مجلس الأمن يفرض على النظام فتح ممرات آمنة وإدخال الإغاثة مباشرة من دون المرور بالنظام ومن جميع الحدود السورية. وقد نقلنا في هذا الموضوع خيبة الشعب السوري من ردود الفعل البطيئة وتحت مستوى المسؤولية للمجتمع الدولي تجاه محنة المدنيين ومعانتهم، وعطالة هذا المجتمع تجاه حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب، وذكرنا المسؤولين الدوليين بالكارثة الإنسانية وتفاقم أزمة اللاجئين التي تنذرنا التقارير الأممية بأن أعدادهم سوف تزيد بنحو أربعة ملايين جدد سيصبحون في عداد اللاجئين والنازحين في 2014، وهذا يعني أن أكثر من 8.3 ملايين سوري إضافي سيحتاجون لمساعدة إنسانية في 2014، أي بزيادة 37% مقارنة مع هذه السنة.
بطش النظام
• وعلى أي شيء ركزتم خلال هذه اللقاءات؟
- ركزنا في الجانب السياسي على البحث في نقطتين مهمتين: الأولى مخاطر تحويل النظر من القضية الرئيسة التي هي بطش النظام بالشعب وشن حرب دموية إلى قضية جزئية لا تمت بصلة مباشرة لها، هي قضية نزع السلاح الكيماوي والذي لا يخدم إلا مصالح دولية، وهذا ما عبر عنه للأسف قرار مجلس الأمن الذي عكس أيضا الاتفاق الروسي الأمريكي، ففي فرحة الحصول على هذه الهدية الكبيرة للدول الغربية وإسرائيل، يكاد الغربيون ينسون أن هناك شعبا يُقتل بكل الأسلحة الأخرى، وأن عدد الضحايا من الشهداء والجرحى لم يتراجع مع سحب أسلحة الأسد الكيماوية. النقطة الثانية تتعلق بمؤتمر «جنيف 2»، وهناك رغبة عند معظم الدول، وتقريبا كل من تحدث في اجتماع الجمعية العامة الاستثنائي ورحب بنا في التوصل إلى حل سياسي للصراع، لذا كان المطلوب منا أن نوضح أن الحل السياسي ليس سحرا، وأنه يحتاج كي ينجح إلى إعداد كبير، وشروط تضمن أن يقود إلى تحقيق الأهداف التي وضعت له، وهي انتقال السلطة إلى حكومة كاملة الصلاحية بانتظار الإعداد لانتخابات حرة تقود البلاد إلى نظام ديمقراطي، والحال أن أقوال النظام وأفعاله تدل دلالة لا لبس فيها على أن إرادة الحرب والحسم العسكري هي التي لا تزال تتحكم بعقول قادته، وهؤلاء لا يخفون أنهم ضد الاعتراف بالمعارضة ويصرون على الحديث عنها على أنها منظمات إرهابية ويرفضون مناقشة صلاحيات الرئاسة وتخلي الأسد عن السلطة، بل إنهم يشيرون إلى أن هذا الأخير قد يرشح نفسه لولاية رئاسية جديدة، في هذه الحالة لم يعد هناك أي معنى لمؤتمر جنيف ولا قيمة للجلوس على طاولة تفاوض من أجل التفاوض.