عصابات منظمة تستنزف الجيوب بـصكوك وعاهات وهمية
«عكاظ» تتوغل داخل أوكار المتسولين
الخميس / 19 / ذو الحجة / 1434 هـ الخميس 24 أكتوبر 2013 19:22
عادل بابكير «جدة»، عبدالرحمن الصالح، أحمد الحسني «مكة المكرمة» عبدالعزيز المعيرفي «المدينة المنورة»
عالم غريب يسوده الخوف والقلق.. عصابات منظمة تستخدم الأطفال لكسب عطف الناس. يتخذون من الشوارع والتقاطعات والمراكز التجارية الكبرى وحتى إشارات المرور مناطق نفوذ لنشاطهم وأحيانا يفرضون الرسوم والإتاوات على أي شخص يتسول في منطقتهم الجغرافية. بعض هؤلاء الأطفال يتم تهريبهم داخل المملكة عن طريق التهريب من الدول المجاورة فيما يبدو بعمليات الاتجار بالبشر، منهم من يتم اختطافه عنوة ومن ثم تهريبه عبر طرق جبلية وعرة، وآخرون يتم استئجارهم من ذويهم مقابل مبلغ مادي يتفق عليه مسبقا. يعملون بخطط وآليات مرتبة. ففي كل منطقة نفوذ هناك فرق ميدانية ولكل فرقة مسؤول يراقب سير العمل وفي نفس الوقت هو عين الرقيب التي ترصد الغرباء الذين قد يشكلون الخطر على محميته.. يستخفون بعقول عبر التحايل المكشوف ويستعطفون المارة بصكوك الإعسار والأطفال الرضع، يلحون على طلب المساعدة بل ويصرون عليها باللين أو أحياناً بفجاجة بالغة، ومنهم من يرتكب الجرائم تحت غطاء التسول والانكسار.
يعطف الناس على حالهم مأخوذين بإيماءاتهم وهيئتهم فيمنحونهم «ما فيه النصيب»، دخلهم اليومي يتخطى راتب موظف في الشهر. يخشى الناس دهاءهم ومكرهم في التحايل على المواطنين والمقيمين. إنهم فئة المتسولين المنتشرين في شوارع مددنا الكبيرة وحتى الصغيرة منها.
وبالرغم من جهود الجهات الأمنية للحد من الظاهرة، عبر تنفيذ الحملات اليومية للقبض على المتسولين وترحيلهم إلى بلدانهم، إلا أن عددهم في ازدياد مضطرد، ويزيد خطرهم على المجتمع بكل فئاته. أسئلة كثيرة تفرض نفسها. من هم هؤلاء؟!. من أين أتوا؟! كيف تشكلوا ؟! من يدير أعمالهم؟! أوكارهم وأين يسكنون. محرر «عكاظ الأسبوعية» توغل في أوكار هذه العصابات بعد أن انتحل شخصية متسول ليخرج بالحصيلة التالية:
انتحال شخصية متسول
وكانت البداية من شارع الأمير محمد بن عبدالعزيز (التحلية) وكان تأشيرة دخولنا إلى عامل الشبكة حوار قصير مع أحد الأطفال المتسولين بعد انتحال شخصية متسول، قاد إلى مشرف المنطقة الذي وافق على انضمام المحرر إلى فريقه مباشرة مقابل دفع رسوم أو ضريبة تقدر بـ75 في المائة من الدخل، بعد دورة قصيرة في أصول المهنة وكيفية التحايل على الناس، ونجح المحرر في فترة وجيزة من بناء صداقة مع العديد من الأطفال المتسولين الذي تحدثوا عن حياتهم وعملهم في التسول والأسباب التي دفعت بهم إلى هذا الدرب. من أين أتوا.. إلى جانب الكثير من خفايا وأسرار عالم التسول المتشابك.
دخلت المملكة متسللاً
في البداية، تحدث الطفل عبدالمطلب محمد، بأنه يستيقظ في السادسة صباحاً ويعود إلى المنزل الذي يؤويه مع العديد من رفاقه في السادسة مساء.
وأضاف «كنت أعيش في اليمن وعرض علىّ أصدقائي القدوم إلى المملكة عن طريق التهريب بهدف العمل فوافقت على الفور ونجحت في التسلل إلى المملكة بعد أن أنفقت مبالغ كبيرة خلال التسلل، وبعد وصولي مدينة جدة زاولت التسول بعد أن تعرفت على عدد من الأصدقاء الذين سبقوني في هذه المهنة».
من جهته، بين الطفل طالب (أفغاني) والذي تصادف وجوده بالقرب من أحد المحال التجارية الكبيرة، أنه يبيع بالتعاون مع إخوته بعض السلع الخفيفة وقال «الشخص الذي لا يشتري مني أتبعه لمسافة طويلة وألح عليه حتى يعطيني بعض النقود كتعويض» ويضيف «نسكن في حي البخارية ويقوم شخص بإيصالنا إلى هنا وإلى أماكن مختلفة مع مجموعة كبيرة من جنسيات أخرى، ثم يأتي في آخر الليل لإعادتنا إلى المنزل الذي يؤوينا»، مشيراً إلى أن المكان الذي يؤويهم عبارة عن غرفة كبيرة تحتضن أكثر من 20 شخصا.
وزاد «في بداية الأمر كنت أسلم كل ما أحصل عليه من أموال للشخص الذي يوظفنا وفق الاتفاق المبرم بينه وبين أسرتي، لكن بعد مرور الوقت أصبحت أنا وإخوتي الستة نخفي نصف ما نجنيه من أموال والحمد لله الآن أصبحنا نعمل لوحدنا ولصالحنا ونصرف على عائلتنا».
تحايل لكسب المال
وذكر الطفل عبدالفتاح إكرام، بأنه يبيع المناشف على سائقي المركبات المتوقفة أمام مطاعم الوجبات السريعة، وقال «لا أفارق قائد المركبة حتى يشتري من عندي المناشف أو يعطيني بدلا عن ذلك ريالا أو ريالين وأن ما أجنيه من أموال أسلمه لرئيسي حتى أتجنب الضرب»، مشيرا إلى أنه وجد نفسه منذ بداية طفولته تحت رحمة هذا الرجل الذي قام بتربيته وتعليمه ليصبح من أهم المتسولين لديه وهو أيضا بمثابة الوالد له ولجميع أفراد العصابة.
وأردف عبدالفتاح بالقول «دائما ما أركز على التواجد أمام السيارات الفارهة وأتحايل عليهم بفقري وحاجتي للنقود لعلاج والدي الذي لا أعرفه من الأساس، وألجأ إلى هذا الأسلوب لكسب المال».
وتحدث الشاب مأمون عبدالخالق بأنه يزاول هذه المهنة منذ أربع سنوات، بعد قدومه من الصومال متسللا عبر جبال اليمن، وقال: بعد وصولي إلى جدة لم أجد ما أعول به أسرتي أو حتى سكنا يؤويني، وكنت أنام تحت أحد الجسور وفي إحدى الليالي عرض على مجموعة من الشبان المسكن لقاء العمل لديهم في التسول مقابل جمع 100 ريال كحد أدنى يومياً، وكلما زاد المبلغ الذي أوفره تضاعف أجري اليومي.
أعيل زوجي المقعد
من جهة ثانية، شاركت «عكاظ الأسبوعية» في الحملة اليومية التي تنظمها الشرطة بالتعاون مع الجوازات، مكافحة التسول، البحث الجنائي، فرقة المجاهدين والقوة الميدانية للقبض على المتسولين والمتسولات، وحاورت بعض من تم القبض عليهم حول الأسباب التي دفعت بهم إلى مزاولة التسول وامتهان كرامتهم الإنسانية بهذه الطريقة، فضلاً عن التحايل على الناس للحصول على الأموال بغير وجه حق.
وهنا، بينت موبايليه جورجي، بأنها تعيل ابنها الصغير، وتدخر بعض المال خاصة وأنها تستعد لاستقبال مولودها الجديد والذي ستلده في القريب العاجل، فضلاً عن إعالة ذويها وزوجها المقعد في الصومال، مشيرة إلى أنها قدمت للمملكة بمهنة عاملة منزلية، ولكنها لسوء الحظ لم تجد المعاملة الحسنة لدى الأسرة التي أتت للعمل لديهم المنزل، مما اضطرها ذلك للهرب واللجوء للشارع والتسول في سبيل إيجاد المال الذي سيكون قوتا لها ولعائلتها، فيما تحدثت حليمة سوراري، بأنها تحلم بالعودة إلى بلادها منذ مدة طويلة وقالت «والآن وبعد القبض علىّ أرى أن أمنيتي قد تحققت».
وأضافت «أعيش في المملكة منذ 25 عاماً، وجمعت مبلغا من المال سيساعدني على شراء منزل في بلادي وبقالة صغيرة أجني من خلالها قوت يومي وأنا مسرورة لأني منذ 25 عاما وأنا انتظر هذا اليوم الذي أعود فيه إلى أحضان والدتي».
1300 ريال دخل يوميا
من جانبها، ذكرت خديجة إسماعيل بأنها دخلت المملكة منذ 10 أعوام هي وزوجها وابنها الصغير عن طريق التهريب، وعملت في أكثر من مجال إلى أن عرضت عليها إحدى صديقاتها العمل معها بالتسول وأكدت أنها ستجني أضعاف ما تتقاضاه في عملها حتى اقنعت.
وأضافت «أمارس التسول مع صديقتي منذ ثلاث سنوات وأجني ما بين 500 ـ 1300 ريال يومياً، ولم يتجاوز دخلي في الأعمال التي زاولتها في السباق أكثر من 500 ريال شهرياً، وهذا الفارق الكبير شجعني على المضي قدماً في هذا الطريق، وكنت أخشى دائماً حملات الأجهزة الأمنية، وها هي مخاوفي تحققت بعد القبض على».
وأردفت «كنت حذرة جدا في خطواتي وها أنا في قبضة السلطات الأمنية ومصيري سيكون الترحيل إلى بلادي بعد القبض علىّ متلبسة».
صكوك وأختام مزورة
ويلجأ المتسولون إلى طرق غير شرعية لكسب المال، عبر استدرار عطف الناس ولمس الجانب الإنساني فيهم، ومن هذه الأساليب تزوير خطابات وصكوك المحاكم التي تؤكد إعسارهم وحاجتهم للمال لغرض إنساني كالعلاج أو دفع دية وتشكل هذه العصابات خطراً حقيقياً على المجتمع، فهي إلى جانب التسول تمارس جرائم مختلفة منها السطو والسرقات، «عكاظ الأسبوعية» نفذت جولة ميدانية في مناطق جنوب جدة حيث يسكنون وينطلقون في ممارسة جرائمهم، ورصدت بالصور الأحواش العشوائية التي تؤويهم.. كما حاورت عددا من المواطنين الذين يتعاطفون مع المتسولين دون أن يدركوا عواقب هذا التعاطف على أفراد المجتمع لطيبتهم.
وهنا بين المواطن عبدالله الزهراني، بأنه دائما يشاهد مجموعات المتسولين في الأسواق التجارية وعند إشارات المرور، فيحن قلبه ويمنحهم مبلغا رمزيا كمساعدة. وقال «لم أفكر يوماً بأن هؤلاء يشكلون عصابات للاحتيال عبر استدرار عطف الناس والحصول على أموالهم من غير وجه حق».
وأضاف «بعد أن عرفت عنهم الكثير، على الجهات المعنية رصد أماكن تواجدهم والقبض عليهم في حملات مفاجئة وفي أوقات متفاوتة وبهذه الطريقة يمكن تخليص المجتمع من شرورهم».
بدوره، أكد المواطن عبدالمجيد العطاس، بأن التسول وسيلة بغيضة كونها تعتمد على الكسب السهل وغير المشروع، وتفرز أفرادا من مختلف الفئات العمرية والجنسيات، ويشكلون عالة على المجتمع ويسهمون في ضعفه وتقديم صورة سيئة عنه.
وقال «يجب على الجهات المختصة الحد من هذه الظاهرة التي بدأت بالانتشار أكثر فأكثر في شوارعنا وأسواقنا التجارية، وحتى الإشارات المرورية والمحال التجارية والمطاعم»، فيما ذكر محمد الشهراني بأن المجتمع ينظر دائما بعين العطف والرحمة عند تعامله مع ذوي الحاجات، وبما يحقق التواد والتراحم والتكافل بكافة صوره وفق ما تدعو إليه رسالة الإسلام الخالدة.
وأضاف «الإسلام يدعو إلى العمل والكسب المشروع وينهى عن التسول، وعلينا كمجتمع التوقف عن دفع المبالغ الرمزية لهذه الفئة، للحد من الظاهرة وقطع دابر المتسولين الذين يشوهون صورة المجتمع المشرفة»
ولفت عبدالله الغامدي، أن بعض المتسولين غالبا ما يستخدمون صكاً واحدا يحملون أختام مزورة للمحاكم الشرعية في بلدهم، يستنسخون عددا من الصور يوزعونها فيما بينهم، فيما يلجأ البعض منهم إلى الإعاقة المصطنعة لاستجداء الناس عند الإشارات المرورية والطرقات، وهذا يؤكد أن بين المتسولين فئة محتالة بلا شك -على حد قوله-.
فرق أمنية سرية ورسمية
إلى ذلك، أوضح الناطق الإعلامي بشرطة محافظة جدة الملازم أول نواف البوق، أن شرطة جدة تكثف حملاتها الأمنية وتواجدها الميداني لمكافحة الظواهر السلبية وخاصة في شهر رمضان ومنها ظاهرة التسول في مناطق متعددة من أنحاء المحافظة وفق خطط أمنية أعدت بهذا الخصوص، وتشمل هذه الحملات الأسواق والمجمعات التجارية والحدائق والمنتزهات.
وأكد البوق، أن الفرق الأمنية السرية والرسمية من كافة قطاعات الأمن العام تتابع على حسب ما رسم لها وأن القبض على هذه الشرائح سيستمر في كافة المواقع للقضاء علي أي ظاهرة غير محمودة والتي تنتشر تحديداً في شهر رمضان المبارك عند الإشارات الضوئية وفي المجمعات التجارية وأماكن العبادة.
وأوضح أن معظم من يمتهن التسول كحرفة هم من المتخلفين عن نظام الإقامة أو ممن قدموا للبلاد بهدف الحج أو العمرة وتخلفوا عن العودة، وقال «التعاون مع هؤلاء ممن لا يستحقون الزكاة أمر مرفوض ويسهم على تزايد أعدادهم وبالتالي تفشي الظاهرة».
وأضاف «التعاون مع فئة المتسولين أمر غير مقبول، لأن فيه توجيها للمال إلى غير مستحقيه ناهيك عن ما تؤول إليه الاستخدامات لذلك المال الذي جمع بطرق تستغل المواطنين والمقيمين وتستخف بعقولهم، بينما توجد هناك قنوات رسمية لاستقبال الصدقات عبر الجمعيات الخيرية المعتمدة والمعروفة برامجها وأعمالها»، مشددا على ضرورة الإبلاغ عن أي ملاحظات أو تجمعات لأشخاص يمتهنون ذلك الأسلوب، مناشداً المواطنين بعدم إيواء أي مخالف لأنظمة الإقامة والعمل لما في ذلك من ضرر يعود على المجتمع.
وزاد البوق، في شهر رمضان الماضي، تم رصد تشكيل مكون من أطفال ونساء ورجال يمتهنون هذا العمل بشكل يومي وبالتناوب كي لا ينكشف أمرهم بحيث يتم تبديل الأطفال من موقع لآخر، وبعد التوثيق التام لذلك التشكيل بالصور الفوتوغرافية والفيديو بشكل سري صدرت أوامر مدير شرطة جدة اللواء عبدالله بن محمد القحطاني بإلقاء القبض على كامل التشكيل واتضح انهم يقطنون في منزل بحي كيلو (6) جنوبي جدة، وتم دهم المنزل وعثر بداخله على كافة العناصر التي تم رصدها ميدانياً بينهم أطفال ونساء ورجال وعددهم 27 شخصاً منهم ثلاثة رجال وسبع نساء و 17 طفلاً أعمارهم من سنة ونصف وحتى 13 عاماً».
وتابع «من خلال التحقيق الأولي اتضح أن جميع المقبوض عليهم أسرة واحدة من جنسية عربية قدموا للبلاد قبل شهرين بغرض أداء مناسك العمرة، إلا أنهم تخلفوا عن العودة لبلادهم وقاموا بامتهان التسول»، مبيناً استدعاء مالك المنزل لتطبيق الأنظمة والتعليمات بحقه، فيما أحيل كافة المقبوض عليهم لإدارة متابعة الوافدين بجدة بحكم الاختصاص لاستكمال الإجراء بحقهم والمنصوص عليه نظاماً.
وأردف «مجموع الأشخاص المقبوض عليهم من المتسولين خلال شهر شعبان بلغ (1749) منهم (829) امرأة، و (759) طفلاً و (161) رجلاً جميعهم أجانب ومن جنسيات مختلفة».
وختم بالقول «رصدت الشرطة العديد من المواقع التي تحتضن المتسولون بعد مراقبتهم عند الإشارات والمواقع التجارية بشكل سري، تمهيداً لدهم هذه الأوكار ليلاً تحسباً لما قد يحدث من عواقب أثناء ضبطهم في الشوارع من تعطيل للسير أو تعريض الأرواح للخطر.
وأدى انتشار ظاهرة التسول وعدم تعامل الجهات الحكومية معها بحزم إلى كثافتها خصوصا في المواسم والمناسبات الدينية، حيث أضافوا طابعا غريبا لدى الحجاج والزوار، بل إنها أصبحت ظاهرة تثيرهم وتضايقهم في كثير من الأوقات، ويستغل هؤلاء المتسولون عطف بعض الحجاج وهم في حقيقة الأمر يتصنعون العاهات لاستعطافهم، وينشط المتسولون عادة في موسم الحج متصنعين العاهات لاستعطاف ضيوف الرحمن حجاج بيت الله الحرام.
مقطع فيديو يكشف التحايل
وكشف مقطع فيديو انتشر في الآونة الأخيرة، حقيقة تحايل أصحاب العاهات الوهمية، عندما أزاح أحد الحجاج زي متسول مبتور اليدين في الظاهر، اتضح بعدها أنه سليم جسديا وبلا أية عاهة خلقية.
واضطر عادل الدلالي وهو إداري في بعثة سويسرية للحج أن يبرر لمرافقيه من الحجاج الأوروبيين كثرة المتسولين في المشاعر وحول الحرم، إذ أبدى الحجاج استغرابهم من هذه المناظر المشوهة للحج والتي تخل بالمظهر السلوكي للشعيرة.
ولم يكن عادل، إلا أنموذجا للعديد من المشرفين الذين يضطرون لتقديم تفسيرات لهذه الظاهرة التي تكثر في الشوارع وتحضر عند إشارات المرور ولها حضور واسع في الأماكن العامة، وقال: «أبين للحجاج أن حشود المتسولين هم مجرد عصابات يستعطفون الحجاج ومعظمهم من الأفارقة والغجر الآسيويين وهم معروفون في أوروبا، وليسوا من المواطنين»، ويضيف: «كيف لمسلم أن يتحمل مظاهر نساء يرضعن أطفالهن وسط الطريق أو مشاهدة أطفال بعاهات يرددون بلحن موحد (بابا سبيل الله) وهذه المظاهر يجب أن تختفي من الحج فهي مظاهر سلبية لا يحتملها القلب ولا يقبلها الدين».
3 لجان حكومية للمكافحة
من ناحية أخرى حمل مصدر مسؤول في إدارة جوازات منطقة مكة المكرمة، مكافحة التسول مسؤولية التصدي لظاهرة التسول، مشيرا إلى أن هنالك عددا من اللجان برئاسة إدارة المكافحة لتعقب المتسولين والقضاء عليهم، في الوقت الذي لم يرد فيه مسؤولو مكافحة التسول على استفسارات الصحيفة.
وتتابع ثلاث جهات حكومية بالمدينة المنورة، ظاهرة انتشار المتسولين في المنطقة، ويشكل كل من فرع وزارة الشؤون الاجتماعية، الشرطة والجوازات، فرقا ميدانية لملاحقة المتسولين وذلك بعد استفحال الظاهرة، حيث ينصب هؤلاء شراكهم على التقاطعات الرئيسية وكذلك بالقرب من المسجد النبوي الشريف.
يقول المواطن أحمد الحجيلي، إن المتسولات يمثلن جنسيات مختلفة وهن أكثر تنظيما وترتيبا في جلب استعطاف الناس من خلال إظهار العاهات الجسدية أو جلب طفل رضيع، حيث يتصدق البعض عليهن بعد وقوعهم في شباك الحيلة والخداع.
التسول غير جائز في الإسلام
إلى ذلك، أوضح الشيخ غازي المطيري عضو هيئة تدريس بالجامعة الإسلامية، أن الإسلام غرس في أصحابه عزة النفس وعلو الهمة، والترفع عن دنايا الأمور، فحثهم على أن تكون يدهم هي العليا، استعفافا عما بأيدي الناس، مشيرا إلى أن التسول غير جائز في الإسلام، مؤكدا أن الإسلام حث على العمل والاسترزاق بالعمل الحلال وفي حالة عدم القدرة هناك برامج معينة قامت عليها الجهات المعنية للتكفل بهم.
فرق ميدانية لرصد تجمعات التسول
من جهته، أوضح العقيد فهد الغنام المتحدث الرسمي لشرطة المدينة، أن ظاهرة التسول تشكل خطرا على الأمن الاجتماعي، خاصة وأنه لا أحد يعلم أين تذهب الأموال التي يتحصلون عليها والتي ربما يستخدمونها في استخدامات قد تضر بالمجتمع، ويضيف: «تنفذ فرق البحث الجنائي جولات لرصد مجموعات التسول والقبض عليهم»، فيما أكد مدير الشؤون الاجتماعية بالمدينة المنورة حاتم بري، تشكيل لجنة حكومية بمتابعة من قبل أمير المنطقة تتكون من الجوازات والشرطة والشؤون الاجتماعية لمكافحة التسول الذي انتشر بشكل كثيف في المدينة وخاصة بالقرب من المسجد النبوي وعدد من المساجد والتقاطعات الرئيسية. وقال إن أغلب المقبوض عليهن نساء أجنبيات ويتم توجيههن عبر الجوازات إلى إدارة الوافدين والتي تقوم بدورها بترحيلهن إلى بلدانهن. وأضاف: «تحذر وزارة الشؤون الاجتماعية من خطورة عصابات التسول التي تنتشر في الشوارع، وخاصة تلك التي تستهدف الحجاج».
وأكد بري، أن الشؤون الاجتماعية تقوم إيصال أموال الزكاة والصدقات والتبرعات من محبي الخير وباذليه أفرادا ومؤسسات، للأسر المحتاجة من خلال الجمعيات الخيرية في والمنتشرة في أنحاء المدينة المنورة على أتم الاستعداد لتقديم المعلومات اللازمة للراغبين في كفالة الأسر المحتاجة من أرامل وأيتام وكبار سن ومعوقين ونساء مهجورات وغيرهم من المحتاجين.
يعطف الناس على حالهم مأخوذين بإيماءاتهم وهيئتهم فيمنحونهم «ما فيه النصيب»، دخلهم اليومي يتخطى راتب موظف في الشهر. يخشى الناس دهاءهم ومكرهم في التحايل على المواطنين والمقيمين. إنهم فئة المتسولين المنتشرين في شوارع مددنا الكبيرة وحتى الصغيرة منها.
وبالرغم من جهود الجهات الأمنية للحد من الظاهرة، عبر تنفيذ الحملات اليومية للقبض على المتسولين وترحيلهم إلى بلدانهم، إلا أن عددهم في ازدياد مضطرد، ويزيد خطرهم على المجتمع بكل فئاته. أسئلة كثيرة تفرض نفسها. من هم هؤلاء؟!. من أين أتوا؟! كيف تشكلوا ؟! من يدير أعمالهم؟! أوكارهم وأين يسكنون. محرر «عكاظ الأسبوعية» توغل في أوكار هذه العصابات بعد أن انتحل شخصية متسول ليخرج بالحصيلة التالية:
انتحال شخصية متسول
وكانت البداية من شارع الأمير محمد بن عبدالعزيز (التحلية) وكان تأشيرة دخولنا إلى عامل الشبكة حوار قصير مع أحد الأطفال المتسولين بعد انتحال شخصية متسول، قاد إلى مشرف المنطقة الذي وافق على انضمام المحرر إلى فريقه مباشرة مقابل دفع رسوم أو ضريبة تقدر بـ75 في المائة من الدخل، بعد دورة قصيرة في أصول المهنة وكيفية التحايل على الناس، ونجح المحرر في فترة وجيزة من بناء صداقة مع العديد من الأطفال المتسولين الذي تحدثوا عن حياتهم وعملهم في التسول والأسباب التي دفعت بهم إلى هذا الدرب. من أين أتوا.. إلى جانب الكثير من خفايا وأسرار عالم التسول المتشابك.
دخلت المملكة متسللاً
في البداية، تحدث الطفل عبدالمطلب محمد، بأنه يستيقظ في السادسة صباحاً ويعود إلى المنزل الذي يؤويه مع العديد من رفاقه في السادسة مساء.
وأضاف «كنت أعيش في اليمن وعرض علىّ أصدقائي القدوم إلى المملكة عن طريق التهريب بهدف العمل فوافقت على الفور ونجحت في التسلل إلى المملكة بعد أن أنفقت مبالغ كبيرة خلال التسلل، وبعد وصولي مدينة جدة زاولت التسول بعد أن تعرفت على عدد من الأصدقاء الذين سبقوني في هذه المهنة».
من جهته، بين الطفل طالب (أفغاني) والذي تصادف وجوده بالقرب من أحد المحال التجارية الكبيرة، أنه يبيع بالتعاون مع إخوته بعض السلع الخفيفة وقال «الشخص الذي لا يشتري مني أتبعه لمسافة طويلة وألح عليه حتى يعطيني بعض النقود كتعويض» ويضيف «نسكن في حي البخارية ويقوم شخص بإيصالنا إلى هنا وإلى أماكن مختلفة مع مجموعة كبيرة من جنسيات أخرى، ثم يأتي في آخر الليل لإعادتنا إلى المنزل الذي يؤوينا»، مشيراً إلى أن المكان الذي يؤويهم عبارة عن غرفة كبيرة تحتضن أكثر من 20 شخصا.
وزاد «في بداية الأمر كنت أسلم كل ما أحصل عليه من أموال للشخص الذي يوظفنا وفق الاتفاق المبرم بينه وبين أسرتي، لكن بعد مرور الوقت أصبحت أنا وإخوتي الستة نخفي نصف ما نجنيه من أموال والحمد لله الآن أصبحنا نعمل لوحدنا ولصالحنا ونصرف على عائلتنا».
تحايل لكسب المال
وذكر الطفل عبدالفتاح إكرام، بأنه يبيع المناشف على سائقي المركبات المتوقفة أمام مطاعم الوجبات السريعة، وقال «لا أفارق قائد المركبة حتى يشتري من عندي المناشف أو يعطيني بدلا عن ذلك ريالا أو ريالين وأن ما أجنيه من أموال أسلمه لرئيسي حتى أتجنب الضرب»، مشيرا إلى أنه وجد نفسه منذ بداية طفولته تحت رحمة هذا الرجل الذي قام بتربيته وتعليمه ليصبح من أهم المتسولين لديه وهو أيضا بمثابة الوالد له ولجميع أفراد العصابة.
وأردف عبدالفتاح بالقول «دائما ما أركز على التواجد أمام السيارات الفارهة وأتحايل عليهم بفقري وحاجتي للنقود لعلاج والدي الذي لا أعرفه من الأساس، وألجأ إلى هذا الأسلوب لكسب المال».
وتحدث الشاب مأمون عبدالخالق بأنه يزاول هذه المهنة منذ أربع سنوات، بعد قدومه من الصومال متسللا عبر جبال اليمن، وقال: بعد وصولي إلى جدة لم أجد ما أعول به أسرتي أو حتى سكنا يؤويني، وكنت أنام تحت أحد الجسور وفي إحدى الليالي عرض على مجموعة من الشبان المسكن لقاء العمل لديهم في التسول مقابل جمع 100 ريال كحد أدنى يومياً، وكلما زاد المبلغ الذي أوفره تضاعف أجري اليومي.
أعيل زوجي المقعد
من جهة ثانية، شاركت «عكاظ الأسبوعية» في الحملة اليومية التي تنظمها الشرطة بالتعاون مع الجوازات، مكافحة التسول، البحث الجنائي، فرقة المجاهدين والقوة الميدانية للقبض على المتسولين والمتسولات، وحاورت بعض من تم القبض عليهم حول الأسباب التي دفعت بهم إلى مزاولة التسول وامتهان كرامتهم الإنسانية بهذه الطريقة، فضلاً عن التحايل على الناس للحصول على الأموال بغير وجه حق.
وهنا، بينت موبايليه جورجي، بأنها تعيل ابنها الصغير، وتدخر بعض المال خاصة وأنها تستعد لاستقبال مولودها الجديد والذي ستلده في القريب العاجل، فضلاً عن إعالة ذويها وزوجها المقعد في الصومال، مشيرة إلى أنها قدمت للمملكة بمهنة عاملة منزلية، ولكنها لسوء الحظ لم تجد المعاملة الحسنة لدى الأسرة التي أتت للعمل لديهم المنزل، مما اضطرها ذلك للهرب واللجوء للشارع والتسول في سبيل إيجاد المال الذي سيكون قوتا لها ولعائلتها، فيما تحدثت حليمة سوراري، بأنها تحلم بالعودة إلى بلادها منذ مدة طويلة وقالت «والآن وبعد القبض علىّ أرى أن أمنيتي قد تحققت».
وأضافت «أعيش في المملكة منذ 25 عاماً، وجمعت مبلغا من المال سيساعدني على شراء منزل في بلادي وبقالة صغيرة أجني من خلالها قوت يومي وأنا مسرورة لأني منذ 25 عاما وأنا انتظر هذا اليوم الذي أعود فيه إلى أحضان والدتي».
1300 ريال دخل يوميا
من جانبها، ذكرت خديجة إسماعيل بأنها دخلت المملكة منذ 10 أعوام هي وزوجها وابنها الصغير عن طريق التهريب، وعملت في أكثر من مجال إلى أن عرضت عليها إحدى صديقاتها العمل معها بالتسول وأكدت أنها ستجني أضعاف ما تتقاضاه في عملها حتى اقنعت.
وأضافت «أمارس التسول مع صديقتي منذ ثلاث سنوات وأجني ما بين 500 ـ 1300 ريال يومياً، ولم يتجاوز دخلي في الأعمال التي زاولتها في السباق أكثر من 500 ريال شهرياً، وهذا الفارق الكبير شجعني على المضي قدماً في هذا الطريق، وكنت أخشى دائماً حملات الأجهزة الأمنية، وها هي مخاوفي تحققت بعد القبض على».
وأردفت «كنت حذرة جدا في خطواتي وها أنا في قبضة السلطات الأمنية ومصيري سيكون الترحيل إلى بلادي بعد القبض علىّ متلبسة».
صكوك وأختام مزورة
ويلجأ المتسولون إلى طرق غير شرعية لكسب المال، عبر استدرار عطف الناس ولمس الجانب الإنساني فيهم، ومن هذه الأساليب تزوير خطابات وصكوك المحاكم التي تؤكد إعسارهم وحاجتهم للمال لغرض إنساني كالعلاج أو دفع دية وتشكل هذه العصابات خطراً حقيقياً على المجتمع، فهي إلى جانب التسول تمارس جرائم مختلفة منها السطو والسرقات، «عكاظ الأسبوعية» نفذت جولة ميدانية في مناطق جنوب جدة حيث يسكنون وينطلقون في ممارسة جرائمهم، ورصدت بالصور الأحواش العشوائية التي تؤويهم.. كما حاورت عددا من المواطنين الذين يتعاطفون مع المتسولين دون أن يدركوا عواقب هذا التعاطف على أفراد المجتمع لطيبتهم.
وهنا بين المواطن عبدالله الزهراني، بأنه دائما يشاهد مجموعات المتسولين في الأسواق التجارية وعند إشارات المرور، فيحن قلبه ويمنحهم مبلغا رمزيا كمساعدة. وقال «لم أفكر يوماً بأن هؤلاء يشكلون عصابات للاحتيال عبر استدرار عطف الناس والحصول على أموالهم من غير وجه حق».
وأضاف «بعد أن عرفت عنهم الكثير، على الجهات المعنية رصد أماكن تواجدهم والقبض عليهم في حملات مفاجئة وفي أوقات متفاوتة وبهذه الطريقة يمكن تخليص المجتمع من شرورهم».
بدوره، أكد المواطن عبدالمجيد العطاس، بأن التسول وسيلة بغيضة كونها تعتمد على الكسب السهل وغير المشروع، وتفرز أفرادا من مختلف الفئات العمرية والجنسيات، ويشكلون عالة على المجتمع ويسهمون في ضعفه وتقديم صورة سيئة عنه.
وقال «يجب على الجهات المختصة الحد من هذه الظاهرة التي بدأت بالانتشار أكثر فأكثر في شوارعنا وأسواقنا التجارية، وحتى الإشارات المرورية والمحال التجارية والمطاعم»، فيما ذكر محمد الشهراني بأن المجتمع ينظر دائما بعين العطف والرحمة عند تعامله مع ذوي الحاجات، وبما يحقق التواد والتراحم والتكافل بكافة صوره وفق ما تدعو إليه رسالة الإسلام الخالدة.
وأضاف «الإسلام يدعو إلى العمل والكسب المشروع وينهى عن التسول، وعلينا كمجتمع التوقف عن دفع المبالغ الرمزية لهذه الفئة، للحد من الظاهرة وقطع دابر المتسولين الذين يشوهون صورة المجتمع المشرفة»
ولفت عبدالله الغامدي، أن بعض المتسولين غالبا ما يستخدمون صكاً واحدا يحملون أختام مزورة للمحاكم الشرعية في بلدهم، يستنسخون عددا من الصور يوزعونها فيما بينهم، فيما يلجأ البعض منهم إلى الإعاقة المصطنعة لاستجداء الناس عند الإشارات المرورية والطرقات، وهذا يؤكد أن بين المتسولين فئة محتالة بلا شك -على حد قوله-.
فرق أمنية سرية ورسمية
إلى ذلك، أوضح الناطق الإعلامي بشرطة محافظة جدة الملازم أول نواف البوق، أن شرطة جدة تكثف حملاتها الأمنية وتواجدها الميداني لمكافحة الظواهر السلبية وخاصة في شهر رمضان ومنها ظاهرة التسول في مناطق متعددة من أنحاء المحافظة وفق خطط أمنية أعدت بهذا الخصوص، وتشمل هذه الحملات الأسواق والمجمعات التجارية والحدائق والمنتزهات.
وأكد البوق، أن الفرق الأمنية السرية والرسمية من كافة قطاعات الأمن العام تتابع على حسب ما رسم لها وأن القبض على هذه الشرائح سيستمر في كافة المواقع للقضاء علي أي ظاهرة غير محمودة والتي تنتشر تحديداً في شهر رمضان المبارك عند الإشارات الضوئية وفي المجمعات التجارية وأماكن العبادة.
وأوضح أن معظم من يمتهن التسول كحرفة هم من المتخلفين عن نظام الإقامة أو ممن قدموا للبلاد بهدف الحج أو العمرة وتخلفوا عن العودة، وقال «التعاون مع هؤلاء ممن لا يستحقون الزكاة أمر مرفوض ويسهم على تزايد أعدادهم وبالتالي تفشي الظاهرة».
وأضاف «التعاون مع فئة المتسولين أمر غير مقبول، لأن فيه توجيها للمال إلى غير مستحقيه ناهيك عن ما تؤول إليه الاستخدامات لذلك المال الذي جمع بطرق تستغل المواطنين والمقيمين وتستخف بعقولهم، بينما توجد هناك قنوات رسمية لاستقبال الصدقات عبر الجمعيات الخيرية المعتمدة والمعروفة برامجها وأعمالها»، مشددا على ضرورة الإبلاغ عن أي ملاحظات أو تجمعات لأشخاص يمتهنون ذلك الأسلوب، مناشداً المواطنين بعدم إيواء أي مخالف لأنظمة الإقامة والعمل لما في ذلك من ضرر يعود على المجتمع.
وزاد البوق، في شهر رمضان الماضي، تم رصد تشكيل مكون من أطفال ونساء ورجال يمتهنون هذا العمل بشكل يومي وبالتناوب كي لا ينكشف أمرهم بحيث يتم تبديل الأطفال من موقع لآخر، وبعد التوثيق التام لذلك التشكيل بالصور الفوتوغرافية والفيديو بشكل سري صدرت أوامر مدير شرطة جدة اللواء عبدالله بن محمد القحطاني بإلقاء القبض على كامل التشكيل واتضح انهم يقطنون في منزل بحي كيلو (6) جنوبي جدة، وتم دهم المنزل وعثر بداخله على كافة العناصر التي تم رصدها ميدانياً بينهم أطفال ونساء ورجال وعددهم 27 شخصاً منهم ثلاثة رجال وسبع نساء و 17 طفلاً أعمارهم من سنة ونصف وحتى 13 عاماً».
وتابع «من خلال التحقيق الأولي اتضح أن جميع المقبوض عليهم أسرة واحدة من جنسية عربية قدموا للبلاد قبل شهرين بغرض أداء مناسك العمرة، إلا أنهم تخلفوا عن العودة لبلادهم وقاموا بامتهان التسول»، مبيناً استدعاء مالك المنزل لتطبيق الأنظمة والتعليمات بحقه، فيما أحيل كافة المقبوض عليهم لإدارة متابعة الوافدين بجدة بحكم الاختصاص لاستكمال الإجراء بحقهم والمنصوص عليه نظاماً.
وأردف «مجموع الأشخاص المقبوض عليهم من المتسولين خلال شهر شعبان بلغ (1749) منهم (829) امرأة، و (759) طفلاً و (161) رجلاً جميعهم أجانب ومن جنسيات مختلفة».
وختم بالقول «رصدت الشرطة العديد من المواقع التي تحتضن المتسولون بعد مراقبتهم عند الإشارات والمواقع التجارية بشكل سري، تمهيداً لدهم هذه الأوكار ليلاً تحسباً لما قد يحدث من عواقب أثناء ضبطهم في الشوارع من تعطيل للسير أو تعريض الأرواح للخطر.
وأدى انتشار ظاهرة التسول وعدم تعامل الجهات الحكومية معها بحزم إلى كثافتها خصوصا في المواسم والمناسبات الدينية، حيث أضافوا طابعا غريبا لدى الحجاج والزوار، بل إنها أصبحت ظاهرة تثيرهم وتضايقهم في كثير من الأوقات، ويستغل هؤلاء المتسولون عطف بعض الحجاج وهم في حقيقة الأمر يتصنعون العاهات لاستعطافهم، وينشط المتسولون عادة في موسم الحج متصنعين العاهات لاستعطاف ضيوف الرحمن حجاج بيت الله الحرام.
مقطع فيديو يكشف التحايل
وكشف مقطع فيديو انتشر في الآونة الأخيرة، حقيقة تحايل أصحاب العاهات الوهمية، عندما أزاح أحد الحجاج زي متسول مبتور اليدين في الظاهر، اتضح بعدها أنه سليم جسديا وبلا أية عاهة خلقية.
واضطر عادل الدلالي وهو إداري في بعثة سويسرية للحج أن يبرر لمرافقيه من الحجاج الأوروبيين كثرة المتسولين في المشاعر وحول الحرم، إذ أبدى الحجاج استغرابهم من هذه المناظر المشوهة للحج والتي تخل بالمظهر السلوكي للشعيرة.
ولم يكن عادل، إلا أنموذجا للعديد من المشرفين الذين يضطرون لتقديم تفسيرات لهذه الظاهرة التي تكثر في الشوارع وتحضر عند إشارات المرور ولها حضور واسع في الأماكن العامة، وقال: «أبين للحجاج أن حشود المتسولين هم مجرد عصابات يستعطفون الحجاج ومعظمهم من الأفارقة والغجر الآسيويين وهم معروفون في أوروبا، وليسوا من المواطنين»، ويضيف: «كيف لمسلم أن يتحمل مظاهر نساء يرضعن أطفالهن وسط الطريق أو مشاهدة أطفال بعاهات يرددون بلحن موحد (بابا سبيل الله) وهذه المظاهر يجب أن تختفي من الحج فهي مظاهر سلبية لا يحتملها القلب ولا يقبلها الدين».
3 لجان حكومية للمكافحة
من ناحية أخرى حمل مصدر مسؤول في إدارة جوازات منطقة مكة المكرمة، مكافحة التسول مسؤولية التصدي لظاهرة التسول، مشيرا إلى أن هنالك عددا من اللجان برئاسة إدارة المكافحة لتعقب المتسولين والقضاء عليهم، في الوقت الذي لم يرد فيه مسؤولو مكافحة التسول على استفسارات الصحيفة.
وتتابع ثلاث جهات حكومية بالمدينة المنورة، ظاهرة انتشار المتسولين في المنطقة، ويشكل كل من فرع وزارة الشؤون الاجتماعية، الشرطة والجوازات، فرقا ميدانية لملاحقة المتسولين وذلك بعد استفحال الظاهرة، حيث ينصب هؤلاء شراكهم على التقاطعات الرئيسية وكذلك بالقرب من المسجد النبوي الشريف.
يقول المواطن أحمد الحجيلي، إن المتسولات يمثلن جنسيات مختلفة وهن أكثر تنظيما وترتيبا في جلب استعطاف الناس من خلال إظهار العاهات الجسدية أو جلب طفل رضيع، حيث يتصدق البعض عليهن بعد وقوعهم في شباك الحيلة والخداع.
التسول غير جائز في الإسلام
إلى ذلك، أوضح الشيخ غازي المطيري عضو هيئة تدريس بالجامعة الإسلامية، أن الإسلام غرس في أصحابه عزة النفس وعلو الهمة، والترفع عن دنايا الأمور، فحثهم على أن تكون يدهم هي العليا، استعفافا عما بأيدي الناس، مشيرا إلى أن التسول غير جائز في الإسلام، مؤكدا أن الإسلام حث على العمل والاسترزاق بالعمل الحلال وفي حالة عدم القدرة هناك برامج معينة قامت عليها الجهات المعنية للتكفل بهم.
فرق ميدانية لرصد تجمعات التسول
من جهته، أوضح العقيد فهد الغنام المتحدث الرسمي لشرطة المدينة، أن ظاهرة التسول تشكل خطرا على الأمن الاجتماعي، خاصة وأنه لا أحد يعلم أين تذهب الأموال التي يتحصلون عليها والتي ربما يستخدمونها في استخدامات قد تضر بالمجتمع، ويضيف: «تنفذ فرق البحث الجنائي جولات لرصد مجموعات التسول والقبض عليهم»، فيما أكد مدير الشؤون الاجتماعية بالمدينة المنورة حاتم بري، تشكيل لجنة حكومية بمتابعة من قبل أمير المنطقة تتكون من الجوازات والشرطة والشؤون الاجتماعية لمكافحة التسول الذي انتشر بشكل كثيف في المدينة وخاصة بالقرب من المسجد النبوي وعدد من المساجد والتقاطعات الرئيسية. وقال إن أغلب المقبوض عليهن نساء أجنبيات ويتم توجيههن عبر الجوازات إلى إدارة الوافدين والتي تقوم بدورها بترحيلهن إلى بلدانهن. وأضاف: «تحذر وزارة الشؤون الاجتماعية من خطورة عصابات التسول التي تنتشر في الشوارع، وخاصة تلك التي تستهدف الحجاج».
وأكد بري، أن الشؤون الاجتماعية تقوم إيصال أموال الزكاة والصدقات والتبرعات من محبي الخير وباذليه أفرادا ومؤسسات، للأسر المحتاجة من خلال الجمعيات الخيرية في والمنتشرة في أنحاء المدينة المنورة على أتم الاستعداد لتقديم المعلومات اللازمة للراغبين في كفالة الأسر المحتاجة من أرامل وأيتام وكبار سن ومعوقين ونساء مهجورات وغيرهم من المحتاجين.