اللهم انصرنا على أنفسنا

حمود البدر

أبدأ هذه المقالة بدعوة خالصة لوجه الله بأن يعين المدخنين على أنفسهم، وأن يُيسّر لهم سبيل الخلاص من هذه العادة التي ضررها أكبر من نفعها، لا على المدخن وحده وإنما عليه وعلى أهله وولده ومن هم حوله من البشر.
فقد أثبتت الدراسات (بما لا يدع مجالاً للشك) بأن هناك أضراراً كبيرة على صحة المدخن. كما أن أضرار التدخين السلبي تمتد إلى من حوله ممن لا ناقة لهم ولا جمل في تلك العادة.
ونتيجة لذلك فقد اتخذت الدول والمجتمعات المتقدمة قرارات حاسمة لمنع التدخين في كل موقع يكون فيه ضرر على الحاضرين من غير المدخنين. ويعني ذلك المنع وسائل النقل كالطائرات، والقطارات، والحافلات. كما يشمل المنع أي مكان يجمع الناس كالمطارات، والمقاهي، والأسواق العامة، والعمارات التي يكيفها تكييف مركزي قد يؤدي إلى نقل الضرر للسكان غير المدخنين.
بل إن الغريب أن فرنسا: وهي أم الحريات طوال العقود الماضية، اتخذت قراراً حاسماً بمنع التدخين في كل مكان فيه تجمّع بما في ذلك الحانات (البارات) على الرغم من أنها مكان لممارسة بعض العادات السيئة. وهذا يعني أن من أراد التدخين فلا يذهب إلى سوق مغلق ولا إلى مقهى، ولا إلى مطعم، وألا يمارس عادته تلك في المطارات والطائرات ووسائل النقل كلها.
لماذا؟ لأنه ثبت (قطعياً) أن التدخين السلبي صار مشكلة كبرى لبني البشر. فأنا وأنت وغيرنا كثيرون قد كفاهم الله شر ممارسة التدخين، لكنهم لم يسلموا من آثار التدخين السلبية وهي التي تنجم عما يُصيبهم بسبب إصرار المدخنين على مخالفة الأنظمة ومن ثم الإصرار على التدخين في الأماكن التي جرى منع التدخين فيها.
وإذا كان كثير من المدخنين قد ابتلوا بهذه العادة ولم يستطيعوا أن يقلعوا عنها، أو أنهم لم يصلوا إلى قناعة بأن الوقت قد حان لكي يقلعوا، فإنني باسم غير المدخنين من الرجال والنساء والأطفال نتوسل إلى المدخنين ألا يشركونا في أضرار التدخين، كما نرجو من السلطات المختصة في كل موقع أن يمنعوا (بحزم) ممارسة التدخين في أي مكان صدر قرار بمنع التدخين فيه.
إنني -كمدخن سابق- أقول (من خلال التجربة) إن العزم والتصميم على الإقلاع عن هذه العادة سيؤديان إلى النجاح، فقد أعانني الله سبحانه حينما عقدت العزم على ذلك منذ ثلاثين عاماً، حيث قررت أن ظهر يوم الأربعاء سيكون آخر موعد لممارسة هذه العادة (حيث إن الخميس والجمعة عطلتان في موقع عملي آنذاك) ولم أقم بتنظيف ما حولي من آثار التدخين من بقايا ومظاهر وذلك لكي لا أشعر في أية لحظة أنني تركت ذلك بسبب عدم وجوده لدي، مما قد يفت في عزمي على الإقلاع. وقد تم لي ذلك والحمد لله، ومن يوم ذلك (شعبان 1397) لم أمسك بأية أداة من أدوات التدخين. فالحمد لله على منّه وكرمه وإحسانه أن أعانني على ذلك. وأرجو الله أن يمن على الآخرين: صغيرهم والكبير، ذكرهم وأنثاهم.
المؤلم أن إحدى الصحف السعودية نشرت تقريراً مختصراً عن عدد المدخنين في السعودية، وكمية الدخان المستهلك، والقيمة الشرائية لإرضاء الرغبات بلغت أرقاماً (مهولة). فقد نشرت جريدة (الرياض) يوم الأربعاء 1/11/1427هـ، أن ستمائة ألف من النساء في السعودية يدخنّ، وأن (40) ألف طن من التبغ يتم استهلاكها سنوياً، وأن الوفيات بسبب الدخان وسلبياته بلغت 21 ألفاً. أليس في هذا ما يدعو إلى الوقوف مع النفس ومحاسبتها على ما تسببه ممارسة التدخين من أضرار على المدخنين وأهله وذويه ومن هم حوله؟
أليس في هذه الأضرار ما يدعو إلى أن يقوم رجال الأمن والحسبة ومن هم في موقع المسؤولية بواجبهم حيال التنفيذ الصارم للأنظمة واللوائح التي تمنع التدخين في المطارات والمطاعم، وفي الدوائر الحكومية؟
إن قرار حكومة فرنسا الصارم بأن تمنع التدخين في جميع الأماكن العامة لهو إشارة إلى أن الأمر خطير، ولابد من مواجهته من قبل المعنيين، بدءاً بالفرد الذي هو مسؤول عن صحته وصحة من حوله، مروراً بمن لديهم السلطة لكي يردعوا من لم يستطع ردع نفسه، لأن في ذلك حماية له ولمن حوله.
أرجو الله ألا أكون -ظالماً- إذا طالبت بالحزم والصرامة على كل من يتحدى نفسه ويتحدى الآخرين، فإن الإنسان ليس حراً في إيذاء نفسه، فكيف بإيذائه الآخرين.
أكرر دعوتي الصادقة بأن يمن الله سبحانه على كل مُبتلى بهذه العادة أن يتغلب على نفسه وضعفها، وأن يمن على المسؤولين بالقيام بواجباتهم الملقاة على عواتقهم على أكمل وجه، لكي يكونوا عوناً على تحقيق المصلحة العامة.