الحقيقة الغائبة

احمد عائل فقيهي

في مقالي السابق «السياسة خبز يومي» قلت في السطر الأخير: «ما نراه في المشهد الثقافي السعودي أننا نقرأ تعليقات سياسية على الأحداث الجارية لكن لا نقرأ فكرا سياسيا وثمة فرق بين التعليق السياسي والفكر السياسي ذلك أن هناك محاولات كتابية سعودية تستغل في تقديم خطاب فكري يدخل عميقا في القضايا الكبرى ولكن كل ذلك يتم في خفاء وعلى استحياء.
إن مشكلة الكتابة السياسية في خطابنا الإعلامي الإقليمي أن غالبية من يتعاطونها ليسوا أصحاب اختصاص وليس لهم علاقة البتة بالثقافة السياسية وهو ما يجعل الكتابة في عمومها التي تتناول حياتنا الاجتماعية والثقافية والفكرية والاقتصادية والسياسية في مأزق حقيقي فثمة من يخوض في الشأن الاقتصادي وهو لا يفقه شيئا في الاقتصاد وثمة من يتحدث ويكتب في الثقافة وهو لم يقرأ كتابا واحدا في حياته وثمة من يكتب ويتحدث في السياسة نتيجة تلقي المعلومات الصحيحة وغير الصحيحة من القنوات الفضائية اي انه واقع تحت سطوة وسلطة ما هو سماعي وشفوي وثقافة المجالس دون أن يكلف نفسه فحص المعلومة وتدقيقها وثمة من يكتب عن المجتمع وهو في عزلة عن المجتمع.
إنها أزمة ذهنية اجتماعية تتعامل مع تلقي المعلومة بخفة واستخفاف دون تمحيص وتدقيق وهو ما يجعل الحقيقة تكاد أن تكون غائبة ويجعل الشائعة ولغة التشويش هي الحاضرة جراء التعامل مع الاحداث والحقائق دون مساءلة ووجود حوار حقيقي مع كل ما يجري ويدور حولنا.
ما يسود في خطابنا الثقافي والاعلامي والفكري لغة التسطيح، تسطيح ذهنيات المجتمع وترك القضايا الكبيرة جانبا دون الاقتراب منها ومعالجتها جذريا وكل ما نصنعه ونقوم به هو الهروب من مواجهة أخطائنا وخطايانا وكوارثنا ومشاكلنا لا القدرة على مواجهة هذه الاخطاء.
ليست لدينا في مجال التحليل رؤية عامة ولا نعرف ماذا نريد ولا أين موقعنا في هذا العالم.
لذلك تأتي جل اطروحاتنا وكتاباتنا ورؤانا دون المأمول ودون ما يطمع له المجتمع وما يطمح إليه، اننا نبحث عن الحقيقة في كل ما نقول، في حين تظل المعلومة غائبة والحقيقة أكثر غيابا أيضا.