حاسد ومحسود

محمد الأحمد

قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق * ومن شر غاسق إذا وقب * ومن شر النفاثات في العقد * ومن شر حاسد إذا حسد.
قل أعوذ برب الناس * ملك الناس * إله الناس * من شر الوسواس الخناس * الذي يوسوس في صدور الناس * من الجنة والناس.
آيات تتلى أنزلها الله عز وجل في محكم كتابه لحفظ عباده من شر شياطين الإنس قبل الجن وأقواها الحسد والذي يسري بين الخلق لضعف إيمان القلوب.
فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب).
الحسد له تأثير مادي وحسي على الإنسان، وإلا لما أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم وأمرنا بالتعوذ منه في قوله تعالى: (ومن شر حاسد إذا حسد)، ولكن الحاسد والعائن والساحر وغيرهم لا يستطيع أحد منهم أن يتصرف في إنسان إلا إذا أراد الله ذلك، قال تعالى: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا)، وقال صلى الله عليه وسلم فيما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك)، أوكما قال.
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله «وقد دل القرآن والسنة على أن نفس حسد الحاسد يؤذي المحسود، فنفس حسده شر يتصل بالمحسود من نفسه وعينه، وإن لم يؤذه بيده، ولا لسانه، فإن الله تعالى قال (ومن شر حاسد إذا حسد)، فحقق الشر منه عند صدور الحسد، والقرآن ليس فيه لفظة مهملة، ومعلوم أن الحاسد لا يسمى حاسدا إلا إذا قام به الحسد كالضارب والشاتم والقاتل ونحو ذلك. ولكن قد يكون الرجل في طبعه الحسد، وهو غافل عن المحسود، لاه عنه، فإذا خطر على ذكره وقلبه انبعثت نار الحسد من قلبه إليه، ووجهت سهام الحسد من قبله، فيتأذى المحسود بمجرد ذلك إن لم يستعذ بالله ويتحصن به ويكون له أوراد من الأذكار والدعوات والتوجه إلى الله والإقبال عليه، بحيث يدفع عنه من شره بمقدار توجهه وإقباله على الله وإلا ناله شر الحاسد ولابد).
الحسد أنواع، منها ما هو ممدوح مرغوب فيه، وأغلب أنواعه مذموم، وبعضها أشد ذما من بعض، والأنواع هي:
1ــ تمني الشخص أن يكون مثل صاحب النعمة، وهذا يسمى حسدا تجاوزا، وإلا فهي غبطة وتنافس وتمنٍ أن يكون له مثل ما لصاحب النعمة دون تمني زوالها عنه وذهابها منه.
2ــ تمني زوال النعمة من الغير لتعود إليه هو.
3ــ تمني زوال النعمة من الغير ولو لم تعد إليه هو.
4ــ التمني إن كان الشخص مريضا أن يكون الجميع مرضى، وإن كان فقيرا أن يكون الجميع فقراء، وإن كان جاهلا أن يكون الجميع أجهل منه، وهكذا، وهذا النوع الأخير هو أسوأ الأنواع جميعا.
ولذلك الأفضل للمرء أن يرضى بما قسم الله له، وألا يتشوف إلى من هو أعلى منه، قال تعالى: (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض).
ولهذا أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ننظر إلى من هو دوننا ولا ننظر إلى من هو فوقنا، فقال «انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو دونكم، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم»، وفي رواية البخاري «إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق، فلينظر إلى من هو أسفل منه».
ولهذا علينا أن نكثر من هذا الدعاء «اللهم إنا نسألك نفوسا مطمئنة، تؤمن بلقائك، وترضى بقضائك، وتقنع بعطائك، وتخشاك حق خشيتك» الحديث، فالقناعة كنز لا يفنى، والرضا بما قسمه الله نعمة كبرى، وسعادة عظيمة، ودرجة عليا لا ينالها إلا الزهاد العباد.