زواج لاستكمال صورة وريث الحكم
دولة جمال مبارك.. من القصر إلى زنازين طرة ( 2 )
الخميس / 11 / محرم / 1435 هـ الخميس 14 نوفمبر 2013 19:16
رصد الذكريات: سيد عبدالعال
عندما التهمت النار جسد محمد البوعزيزي في تونس وانطلقت معها ثورة الياسمين معلنة انطلاق ما سمي لاحقا بـ «الربيع العربي»، كانت كثير من الدول التي اجتاحها هذا الربيع فيما بعد ترى أنها بمنأى عنه، وأن الوضع لديها لا يشبه تونس، إلا أن الأيام كانت حبلى بالكثير من المفاجأت.. في مصر كان الحديث ساخنا عن أن الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك يهيئ ابنه جمال ليورثه حكم مصر بعد أن تدرج في السلك السياسي حتى ترأس الحزب الوطني الحاكم.. فما الذي أجهض دولة جمال مبارك؟ وفي أفريقيا وقبل أن يطل الربيع برأسه على دولة معمر القذافي، كان الشارع الليبي يتداول بالهمس وبالعلن أن العقيد يهيئ نجله سيف الإسلام ليخلفه على تركة ليبيا، وذهبت دولة سيف الإسلام كما ذهبت دولة جمال مبارك.. وفي جنوب جزيرة العرب كان الشارع اليمني كأنما يغلي على مرجل، فحديث مشابه لما كان يدور في ليبيا ومصر عن نية الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح توريث ابنه أحمد عرش اليمن، ولم يكن مصير دولة أحمد ببعيد عن دولة جمال وسيف الإسلام.. فهل كانت دولة بشار التي ورثها عن ابيه حافظ الأسد نذير شؤم على هؤلاء الثلاثة فأجهضت دولهم في مهدها قبل أن تقوم؟
«عكاظ» تفتح ملف ثلاثة زعماء بلا دول، في سلسلة حلقات تقتحم عالمهم وتاريخهم والقريبين منهم منذ طفولتهم وحتى اليوم.. وفي الجزء الثاني من «دولة جمال مبارك».. نتطرق إلى ملفات خاصة لها علاقة بزواجه وتداخلاته مع السياسة.. وعن بداية بداية الصعود السياسي لجمال مبارك..
تحديدا بدأ صعود جمال مبارك السياسي يظهر بوضوح منذ المؤتمر العام الأول للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في سبتمبر 2002، الذي طرح شعار «فكر جديد» تعبيرا عن التوجهات الإصلاحية التي يقودها جمال مبارك، واتخذ هذا المنحى سبيلا جادا بإنشاء ما يسمى لجنة السياسات التي يرأسها جمال مبارك إلى جانب عضويته في هيئة مكتب الأمانة العامة للحزب الوطني، وضمت اللجنة مجموعة من النخب الفكرية والثقافية المصرية، وبدت للكثيرين بمثابة دينامو الحزب الحاكم في رسم الخطوط العريضة للسياسات العامة، وارتبط ظهور اللجنة بأحاديث متفرقة من قبل بعض قوى المعارضة ذهبت إلى حد تهيئة المسرح لصعود نجل الرئيس مبارك السياسي لخلافة والده في السلطة، وقد أثار هذا الأمر الارتياح لدى البعض والغضب لدى البعض الآخر داخل الحزب الوطني نفسه.
وظهرت تجليات متعددة تؤكد أن هناك صراعا خفيا بين طرفين في الحزب، أحدهما إصلاحي يقوده جمال مبارك ومعه عدد من الرموز الشبابية النشطة في المجالين السياسي والاقتصادي وأطلق عليهم «الحرس الجديد» وأخذت مكانا بارزا في الحكومة، والآخر وصف بـ «الحرس القديم» وأبرز رموزه صفوت الشريف وكمال الشاذلي وفتحي سرور.
وأشار جمال مبارك أكثر من مرة إلى ضرورة أن يغير الحزب الوطني من ممارساته بما يواكب العصر في إشارة إلى أهمية التجديد في مفاصل الحزب الحاكم، وحذر من عدم قدرة مصر على مواجهة التحديات الصعبة، ما لم تنجح في تطوير المؤسسات السياسية والاقتصادية الراهنة وإقناع المواطنين بممارسة حقوق المواطنة وتعميق المشاركة في اتخاذ القرار.
ومع أن أنباء هذا الخلاف بدأت تتسرب إلى بعض وسائل الإعلام، فإن جمال كان حريصا على ربط تصوراته بسياق الإصلاح العام، محاولا الابتعاد عن تقويم الأشخاص في الحزب، وذلك رغبة في الحفاظ على وحدته، ولجأ للتغيير عبر أداتين اثنتين هما:
- أولا، فتح الطريق للشباب للتفاعل مع الحزب وأشرف على جمعية شباب المستقبل التي تمركزت مهمتها في خلق جيل جديد على دراية كبيرة بتطورات العصر ومفرداته السياسية والاقتصادية.
- ثانيا، من خلال الإصلاحات بصورة عملية وحواراته الفكرية النظرية لخلق انطباع يعزز حظوظه السياسية في الشارع المصري.
ورغم دوره الواضح داخل الحزب الوطني وخارجه، لاسيما في الشق الاقتصادي، فإنه لم يتبوأ مناصب رسمية إلى جانب مهماته الحزبية، ورغم كل هذا الحرص أثار تحفظات بعض قوى المعارضة، حيث نظرت إليه باعتباره محاولة لخلق أمر واقع لخلافة والده، خاصة في ظل ما بدا وكأنه تعمد في تهميش الشخصيات المنافسة لإفساح الطريق أمامه، وشاعت استنتاجات قالت إن هناك تصورات يجري إعدادها لجس النبض في هذه المسألة.
وكانت صحيفة العربي الناطقة بلسان الحزب الناصري ورئيس تحريرها عبدالله السناوي أول من كتب مانشيت التوريث، وقادت حملة مكثفة في هذا الاتجاه، كرست في مضمونها رفض ما وصف بالتوريث ولفتت الانتباه إلى عدم استبعاد هذا السيناريو، وانطوى كلامها على انتقادات حادة، لكن جمال مبارك والحكومة استفادا منها في التدليل على الوجه الديمقراطي لسياسات النظام المصري.
مياه كثيرة في النهر
وجرت تطورات كثيرة دون أن يعلن جمال مبارك أنه سيكون مرشحا لمنصب رئيس الجمهورية، واكتفى في البداية بعبارات مطاطية تنفي هذا الاحتمال، لكن ثمة إشارات مختلفة استشعرت منها بعض قوى المعارضة الرغبة في تسويق هذا السيناريو، خاصة أن الصعود السياسي والانتشار الإعلامي ارتبطا باقتراب مدة نهاية الولاية الرابعة للرئيس مبارك، واتساع نطاق محاولات التجديد والإحلال في الحزب الوطني بمعرفة جمال مبارك.
وفي هذا السياق بدأت خطوات جمال مبارك تتزايد في مجال تعزيز الإصلاح، لكنه نفى وجود نية لإجراء تعديل في الدستور، واعتبر خطوة تعديل المادة (76) بمثابة خطوة متقدمة على طريق الإصلاح السياسي حيث جعل انتخابات الرئيس بطريقة الاقتراع الشعبي المباشر بدلاً من التصويت في مجلس الشعب، وفي الوقت الذي نفى فيه صراحة أن يكون ضمن المرشحين لمنصب رئاسة الجمهورية، أشار إلى أن الرئيس مبارك لم يتخذ قراره بعد بترشيح نفسه، وأنه سيتخذ قراره في هذا الشأن عندما يحين الوقت المناسب.
زواج أم سياسة
على الرغم من أن الزواج ظاهره اجتماعية وليست سياسية إلا أن زواج جمال مبارك عام 2007، أثار زوبعة سياسية، وقيل في صحف المعارضة إن هذا الزواج جاء إتماما لصورة وريث الحكم، وعلى الرغم من اقتراب موعد زفاف نجل الرئيس المصري محمد حسني مبارك؛ على خديجة ابنة رجل الأعمال المعروف محمود الجمال؛ إلا أنه لم يعلن عن مراسم الزفاف سوى موعد عقد القران الذي عقده الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الراحل يوم الثامن والعشرين من أبريل 2007م، فيما توقع البعض مراسم أسطورية لحفل الزفاف الذي يقام يوم الرابع من مايو من نفس العام وهو نفس يوم احتفال الرئيس المصري بعيد ميلاده التاسع والسبعين، حيث أصر جمال على اختياره ليوم الزفاف تقديرا لوالده الذي يعتبره مثلا أعلى له في حياته العملية والشخصية، ورغم أن التكهنات وقتها كانت كثيرة، وترددت حول مكان حفل الزفاف، فالبعض ذهب بخياله إلى أن العروس حجزت إحدى القاعات الباريسية الفخمة؛ فيما قال البعض الآخر إن الزفاف سيتم في أحد قصور الرئاسة أو قاعة القوات الجوية؛ التي يمارس فيها الرئيس مبارك الإسكواش رياضته اليومية، وهي الأنسب من الناحية الأمنية، إلا أنه في النهاية كان زفافا بسيطا في شرم الشيخ، حيث اقتصر الحفل على 200 فقط من المدعوين أغلبهم من عائلة الرئيس مبارك، وعائلة اللواء منير ثابت شقيق السيدة سوزان مبارك وعائلة الجمال والد العروس وعائلة اللواء راسخ والد السيدة هايدي زوجة علاء مبارك، إضافة إلى الأصدقاء المقربين لأسرة العروسين.
وبدأت مراسم حفل الزفاف بعد ظهر يوم الرابع من مايو بملاعب الجولف المفتوحة على البحر الأحمر بفندق موفنبيك على الطريقة الأوروبية، حيث يحيط المدعوين باقات من الورود تفترش المكان، وصمم حفل الزفاف «محمود آكي» أحد أشهر مصممي حفلات الزفاف في العالم، وبعد انتهاء الحفل تم نقل المدعوين بطائرة خاصة مهداة من رجل الأعمال المعروف حسين سالم الرئيس السابق لجمعية مستثمري شرم الشيخ، وحرص جمال مبارك على تحقيق المعادلة الصعبة بأن يكون حفل زفافه كلاسيكيا غير تقليدي وبعيدا عن البذخ، أما فستان الزفاف، فقد قام بتصميمه أحد المصممين العالميين الذي التقته العروس في عرض أزياء عالمي بباريس، وبلغت تكاليفه ما يقرب من 250 ألف جنيه مصري فيما لم يتجاوز ثمن خاتم العروس 60 ألف جنيه.
عروس من الجامعة الأمريكية
والعروس خديجة الجمال كانت تبلغ من العمر 24 عاما يوم زواجها، وتخرجت في الجامعة الأمريكية قسم إدارة أعمال، وتنتمي لعائلة عريقة اشتهرت بالتجارة، ويمتلك والدها محمود الجمال إمبراطورية عقارية كبرى.
وخديجة الجمال من مواليد أكتوبر عام 1982 في ضاحية الزمالك، وهي الابنة الوحيدة لوالدها رجل الأعمال محمود الجمال، ودرست في المدرسة البريطانية بالزمالك واشتهرت بأنها كانت ضمن فريق كرة القدم بالمدرسة وحققت إنجازات وبطولات رياضية خلال قيادتها للفريق منها إحرازها لبطولة الكويت بعد وضعها للهدف الذهبي، وعرف عنها حبها للموسيقى والرياضة والقراءة والأكلات الآسيوية كما أنها تجيد عدة لغات منها الإنجليزية والفرنسية والإيطالية، وفي عام 1998 التحقت خديجة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة وحصلت على الإجازة في إدارة الأعمال وتخرجت عام 2002 وتخرج جمال مبارك من قسم إدارة الأعمال قبل ذلك بنحو عشرين عاما أي في 1987م.
رأفت الهجان
وترتبط خديجة بصداقات محدودة لم تتغير وهي التي تكونت أثناء دراستها بالمدرسة البريطانية وظلت تحتفظ بها، ومن أشد المقربين لها بنات المهندس أحمد عز رجل الأعمال المعروف، ليصبح رئيس لجنة العضوية بالحزب الوطني وهو أيضا من سكان ضاحية الزمالك كما ترتبط بصداقة كبيرة مع هانيا ابنة عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية كما أن أقرب صديقاتها ميرام زوجة هشام سيف حفيد المخرج الراحل صلاح أبو سيف.
واشتهرت خديجة بين صديقاتها بلقب «دوجة» أو «ديجا» وترجع أصولها العائلية إلى قرية منشأة الجمال بمدينة دمياط الساحلية التي عرف عن أهلها العصامية وحبهم للعمل، وترتبط أسرة والدها محمود الجمال باسم البطل المصري المعروف رفعت علي الجمال الشهير باسم رأفت الهجان ويعمل أفراد عائلة الجمال في التجارة واستصلاح الأراضي والعقارات، ويمتلك المهندس محمود الجمال مجموعة ضخمة من الشركات العقارية بمشاركة «عديله» رجل الأعمال المهندس مظهر نجل الفنان أحمد مظهر، وقد عملت خديجة بعد تخرجها في الجامعة الأمريكية مع والدها في إدارة أعماله كما كانت تتولى إدارة شركة «جلاله» للاستثمار السياحي والعقاري والتي أنجزت مجموعة من المشروعات الكبرى في الساحل الشمالي المصري وطريق مصر إسكندرية الصحراوي.
وكانت خديجة تقوم بمساهمات كثيرة وإدارة بعض المشروعات الخيرية وقد التقت بها السيدة سوزان مبارك في مكتب السفيرة مشيرة خطاب أمين عام المجلس القومي للأمومة والطفولة، حيث كان يجري الإعداد لمشروعات اجتماعية وخيرية والتي تقودها السيدة سوزان وأعجبت بشخصيتها في هذا اللقاء.
ويبدو أن الصدف كانت جميعها تهيئ الظروف لإتمام هذا العرس فقد التقى جمال وخديجة في أحد المؤتمرات بالجامعة الأمريكية، ثم تصادف عند إصابة والدها المهندس محمود الجمال بنزلة برد وهو عضو المجلس المصري الأمريكي لرجال الأعمال فقام جمال بزيارته، ليلتقي بخديجة للمرة الثانية، وليلتقي بذلك ترشيح السيدة سوزان مبارك مع رغبة جمال في الارتباط بخديجة.
طلبات العروس
وبناء على رغبة العروس بأن تكون إلى جوار أسرتها التي تعيش في ضاحية الزمالك المطلة على نيل القاهرة وافق جمال على اقتناء بيت الزوجية في إحدى الشقق، حيث قامت شركة الجمال والد العروس بالإشراف الكامل على الديكورات، وحسبما تردد فإن شقة الزوجية بلغت تكلفتها ستة ملايين جنيه، وهو مبلغ متواضع في ضاحية الزمالك العريقة، وبيت الزوجية كان لا يبعد كثيرا عن مكتب جمال مبارك في مقر الحزب الوطني المحترق حاليا قرب ميدان التحرير.
جيل المستقبل
شكلت جمعية جيل المستقبل حلقة مهمة من حياة جمال مبارك السياسية حيث يعتبرها البعض بداية ظهور جمال على الساحة السياسية لذلك ذهبت «عكاظ» لجامعة القاهرة «مقر الجمعية» التي تكونت من أسر طلابية داخل الجامعات، وخاصة جامعة القاهرة منذ عام 1988، وكانت تهدف إلى استقطاب الشباب الذي يمثل ما يقرب من 45 مليون شاب من المجتمع المصري للحزب الوطني الديمقراطي.
واتخذت الجمعية مقرا لها داخل الحرم الجامعي، وتحديدا في مواجهة كلية دار العلوم، وتم بناء المبنى في عهد الدكتور مفيد شهاب، عندما كان وزيرا للتعليم العالي، على الرغم من اعتراض مجموعة من أساتذة الجامعة على وجود جمعية ابن الرئيس داخل الحرم الجامعي، وأرسل 13 من أساتذة الجامعة خطابا إلى رئيس الجامعة ووزير التعليم العالي يبلغونه باعتراضهم على ممارسة عمل حزبي داخل الجامعة مقصور على نجل مبارك، وطالبوا بمنح هذا الحق لبقية الأحزاب السياسية قياسا على الحزب الوطني، ولم يلق ذلك صدى رئيس الجامعة.
ثم انتقلت الجمعية إلى مبنى معهد الدراسات التربوية بجامعة القاهرة بناء على بروتوكول للتعاون تم توقيعه في 2002، وقام موظفو الجامعة بعد ثورة 25 يناير بإخلاء المبنى وإزالة بقايا جمعية «جيل المستقبل» من الجامعة، كما قام الموظفون بخلع لوحات للجمعية من داخل مقر معهد الدراسات التربوية.
وتولى جمال مبارك رئاسة مجلس إدارة الجمعية التي أسسها، وأوكل لمحمد فاروق حافظ الأمانة العامة الذي تعاقد فور استلامه مهام وظيفته مع شركة دعاية كبرى للترويج للجمعية في جميع وسائل الإعلام بتكلفة قدرها 25 مليون جنيه لمدة عام كامل.
أرصدة الجمعية
وفي معهد الدراسات التربوية قال عدد من الأساتذة لـ «عكاظ» اتخذت جمعية جيل المستقبل بالمخالفة لقانون الجمعيات الأهلية المقر الرئيسي للحزب الوطني بالقاهرة مقرا لها، ولم تخضع حساباتها للمراجعة خلال 13 عاما من قبل الجهاز المركزي للمحاسبات، فضلاً عن أن جميع أرصدة الجمعية باسم جمال مبارك وليس باسم الجمعية، وجميع التبرعات التي كانت تصل للجمعية كانت تدخل باسمه وفي حسابه الشخصي، كما تبين أن أعضاء الجمعية هم أعضاء لجنة السياسات بالحزب الوطني من رجال الأعمال وأصحاب النفوذ السياسي، بينما تولى شريف والي ابن شقيق وزير الزراعة الأسبق دورا خطيرا في الجمعية، بجانب عضويته في مجلس الإدارة؛ فهو الرئيس التنفيذي لرابطة شباب الخريجين، ويعد همزة الوصل بين جمال مبارك وشباب الجمعية، وكان يتولى تقديم الشباب إلى نجل الرئيس الأسبق باعتبارهم أصحاب الولاء والمبايعين الجدد من جيل المستقبل؛ بحيث يتم إغداق المناصب على هؤلاء الشباب في البنوك والشركات الخاصة برجال الأعمال وقطاع الإعلام حتى يستطيع جمال مبارك اختراق جميع المؤسسات من خلال رجاله الجدد فيما بعد على حساب أصحاب الكفاءات والخبرة وذلك حسب تعبير الأساتذة.
«عكاظ» تفتح ملف ثلاثة زعماء بلا دول، في سلسلة حلقات تقتحم عالمهم وتاريخهم والقريبين منهم منذ طفولتهم وحتى اليوم.. وفي الجزء الثاني من «دولة جمال مبارك».. نتطرق إلى ملفات خاصة لها علاقة بزواجه وتداخلاته مع السياسة.. وعن بداية بداية الصعود السياسي لجمال مبارك..
تحديدا بدأ صعود جمال مبارك السياسي يظهر بوضوح منذ المؤتمر العام الأول للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في سبتمبر 2002، الذي طرح شعار «فكر جديد» تعبيرا عن التوجهات الإصلاحية التي يقودها جمال مبارك، واتخذ هذا المنحى سبيلا جادا بإنشاء ما يسمى لجنة السياسات التي يرأسها جمال مبارك إلى جانب عضويته في هيئة مكتب الأمانة العامة للحزب الوطني، وضمت اللجنة مجموعة من النخب الفكرية والثقافية المصرية، وبدت للكثيرين بمثابة دينامو الحزب الحاكم في رسم الخطوط العريضة للسياسات العامة، وارتبط ظهور اللجنة بأحاديث متفرقة من قبل بعض قوى المعارضة ذهبت إلى حد تهيئة المسرح لصعود نجل الرئيس مبارك السياسي لخلافة والده في السلطة، وقد أثار هذا الأمر الارتياح لدى البعض والغضب لدى البعض الآخر داخل الحزب الوطني نفسه.
وظهرت تجليات متعددة تؤكد أن هناك صراعا خفيا بين طرفين في الحزب، أحدهما إصلاحي يقوده جمال مبارك ومعه عدد من الرموز الشبابية النشطة في المجالين السياسي والاقتصادي وأطلق عليهم «الحرس الجديد» وأخذت مكانا بارزا في الحكومة، والآخر وصف بـ «الحرس القديم» وأبرز رموزه صفوت الشريف وكمال الشاذلي وفتحي سرور.
وأشار جمال مبارك أكثر من مرة إلى ضرورة أن يغير الحزب الوطني من ممارساته بما يواكب العصر في إشارة إلى أهمية التجديد في مفاصل الحزب الحاكم، وحذر من عدم قدرة مصر على مواجهة التحديات الصعبة، ما لم تنجح في تطوير المؤسسات السياسية والاقتصادية الراهنة وإقناع المواطنين بممارسة حقوق المواطنة وتعميق المشاركة في اتخاذ القرار.
ومع أن أنباء هذا الخلاف بدأت تتسرب إلى بعض وسائل الإعلام، فإن جمال كان حريصا على ربط تصوراته بسياق الإصلاح العام، محاولا الابتعاد عن تقويم الأشخاص في الحزب، وذلك رغبة في الحفاظ على وحدته، ولجأ للتغيير عبر أداتين اثنتين هما:
- أولا، فتح الطريق للشباب للتفاعل مع الحزب وأشرف على جمعية شباب المستقبل التي تمركزت مهمتها في خلق جيل جديد على دراية كبيرة بتطورات العصر ومفرداته السياسية والاقتصادية.
- ثانيا، من خلال الإصلاحات بصورة عملية وحواراته الفكرية النظرية لخلق انطباع يعزز حظوظه السياسية في الشارع المصري.
ورغم دوره الواضح داخل الحزب الوطني وخارجه، لاسيما في الشق الاقتصادي، فإنه لم يتبوأ مناصب رسمية إلى جانب مهماته الحزبية، ورغم كل هذا الحرص أثار تحفظات بعض قوى المعارضة، حيث نظرت إليه باعتباره محاولة لخلق أمر واقع لخلافة والده، خاصة في ظل ما بدا وكأنه تعمد في تهميش الشخصيات المنافسة لإفساح الطريق أمامه، وشاعت استنتاجات قالت إن هناك تصورات يجري إعدادها لجس النبض في هذه المسألة.
وكانت صحيفة العربي الناطقة بلسان الحزب الناصري ورئيس تحريرها عبدالله السناوي أول من كتب مانشيت التوريث، وقادت حملة مكثفة في هذا الاتجاه، كرست في مضمونها رفض ما وصف بالتوريث ولفتت الانتباه إلى عدم استبعاد هذا السيناريو، وانطوى كلامها على انتقادات حادة، لكن جمال مبارك والحكومة استفادا منها في التدليل على الوجه الديمقراطي لسياسات النظام المصري.
مياه كثيرة في النهر
وجرت تطورات كثيرة دون أن يعلن جمال مبارك أنه سيكون مرشحا لمنصب رئيس الجمهورية، واكتفى في البداية بعبارات مطاطية تنفي هذا الاحتمال، لكن ثمة إشارات مختلفة استشعرت منها بعض قوى المعارضة الرغبة في تسويق هذا السيناريو، خاصة أن الصعود السياسي والانتشار الإعلامي ارتبطا باقتراب مدة نهاية الولاية الرابعة للرئيس مبارك، واتساع نطاق محاولات التجديد والإحلال في الحزب الوطني بمعرفة جمال مبارك.
وفي هذا السياق بدأت خطوات جمال مبارك تتزايد في مجال تعزيز الإصلاح، لكنه نفى وجود نية لإجراء تعديل في الدستور، واعتبر خطوة تعديل المادة (76) بمثابة خطوة متقدمة على طريق الإصلاح السياسي حيث جعل انتخابات الرئيس بطريقة الاقتراع الشعبي المباشر بدلاً من التصويت في مجلس الشعب، وفي الوقت الذي نفى فيه صراحة أن يكون ضمن المرشحين لمنصب رئاسة الجمهورية، أشار إلى أن الرئيس مبارك لم يتخذ قراره بعد بترشيح نفسه، وأنه سيتخذ قراره في هذا الشأن عندما يحين الوقت المناسب.
زواج أم سياسة
على الرغم من أن الزواج ظاهره اجتماعية وليست سياسية إلا أن زواج جمال مبارك عام 2007، أثار زوبعة سياسية، وقيل في صحف المعارضة إن هذا الزواج جاء إتماما لصورة وريث الحكم، وعلى الرغم من اقتراب موعد زفاف نجل الرئيس المصري محمد حسني مبارك؛ على خديجة ابنة رجل الأعمال المعروف محمود الجمال؛ إلا أنه لم يعلن عن مراسم الزفاف سوى موعد عقد القران الذي عقده الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الراحل يوم الثامن والعشرين من أبريل 2007م، فيما توقع البعض مراسم أسطورية لحفل الزفاف الذي يقام يوم الرابع من مايو من نفس العام وهو نفس يوم احتفال الرئيس المصري بعيد ميلاده التاسع والسبعين، حيث أصر جمال على اختياره ليوم الزفاف تقديرا لوالده الذي يعتبره مثلا أعلى له في حياته العملية والشخصية، ورغم أن التكهنات وقتها كانت كثيرة، وترددت حول مكان حفل الزفاف، فالبعض ذهب بخياله إلى أن العروس حجزت إحدى القاعات الباريسية الفخمة؛ فيما قال البعض الآخر إن الزفاف سيتم في أحد قصور الرئاسة أو قاعة القوات الجوية؛ التي يمارس فيها الرئيس مبارك الإسكواش رياضته اليومية، وهي الأنسب من الناحية الأمنية، إلا أنه في النهاية كان زفافا بسيطا في شرم الشيخ، حيث اقتصر الحفل على 200 فقط من المدعوين أغلبهم من عائلة الرئيس مبارك، وعائلة اللواء منير ثابت شقيق السيدة سوزان مبارك وعائلة الجمال والد العروس وعائلة اللواء راسخ والد السيدة هايدي زوجة علاء مبارك، إضافة إلى الأصدقاء المقربين لأسرة العروسين.
وبدأت مراسم حفل الزفاف بعد ظهر يوم الرابع من مايو بملاعب الجولف المفتوحة على البحر الأحمر بفندق موفنبيك على الطريقة الأوروبية، حيث يحيط المدعوين باقات من الورود تفترش المكان، وصمم حفل الزفاف «محمود آكي» أحد أشهر مصممي حفلات الزفاف في العالم، وبعد انتهاء الحفل تم نقل المدعوين بطائرة خاصة مهداة من رجل الأعمال المعروف حسين سالم الرئيس السابق لجمعية مستثمري شرم الشيخ، وحرص جمال مبارك على تحقيق المعادلة الصعبة بأن يكون حفل زفافه كلاسيكيا غير تقليدي وبعيدا عن البذخ، أما فستان الزفاف، فقد قام بتصميمه أحد المصممين العالميين الذي التقته العروس في عرض أزياء عالمي بباريس، وبلغت تكاليفه ما يقرب من 250 ألف جنيه مصري فيما لم يتجاوز ثمن خاتم العروس 60 ألف جنيه.
عروس من الجامعة الأمريكية
والعروس خديجة الجمال كانت تبلغ من العمر 24 عاما يوم زواجها، وتخرجت في الجامعة الأمريكية قسم إدارة أعمال، وتنتمي لعائلة عريقة اشتهرت بالتجارة، ويمتلك والدها محمود الجمال إمبراطورية عقارية كبرى.
وخديجة الجمال من مواليد أكتوبر عام 1982 في ضاحية الزمالك، وهي الابنة الوحيدة لوالدها رجل الأعمال محمود الجمال، ودرست في المدرسة البريطانية بالزمالك واشتهرت بأنها كانت ضمن فريق كرة القدم بالمدرسة وحققت إنجازات وبطولات رياضية خلال قيادتها للفريق منها إحرازها لبطولة الكويت بعد وضعها للهدف الذهبي، وعرف عنها حبها للموسيقى والرياضة والقراءة والأكلات الآسيوية كما أنها تجيد عدة لغات منها الإنجليزية والفرنسية والإيطالية، وفي عام 1998 التحقت خديجة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة وحصلت على الإجازة في إدارة الأعمال وتخرجت عام 2002 وتخرج جمال مبارك من قسم إدارة الأعمال قبل ذلك بنحو عشرين عاما أي في 1987م.
رأفت الهجان
وترتبط خديجة بصداقات محدودة لم تتغير وهي التي تكونت أثناء دراستها بالمدرسة البريطانية وظلت تحتفظ بها، ومن أشد المقربين لها بنات المهندس أحمد عز رجل الأعمال المعروف، ليصبح رئيس لجنة العضوية بالحزب الوطني وهو أيضا من سكان ضاحية الزمالك كما ترتبط بصداقة كبيرة مع هانيا ابنة عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية كما أن أقرب صديقاتها ميرام زوجة هشام سيف حفيد المخرج الراحل صلاح أبو سيف.
واشتهرت خديجة بين صديقاتها بلقب «دوجة» أو «ديجا» وترجع أصولها العائلية إلى قرية منشأة الجمال بمدينة دمياط الساحلية التي عرف عن أهلها العصامية وحبهم للعمل، وترتبط أسرة والدها محمود الجمال باسم البطل المصري المعروف رفعت علي الجمال الشهير باسم رأفت الهجان ويعمل أفراد عائلة الجمال في التجارة واستصلاح الأراضي والعقارات، ويمتلك المهندس محمود الجمال مجموعة ضخمة من الشركات العقارية بمشاركة «عديله» رجل الأعمال المهندس مظهر نجل الفنان أحمد مظهر، وقد عملت خديجة بعد تخرجها في الجامعة الأمريكية مع والدها في إدارة أعماله كما كانت تتولى إدارة شركة «جلاله» للاستثمار السياحي والعقاري والتي أنجزت مجموعة من المشروعات الكبرى في الساحل الشمالي المصري وطريق مصر إسكندرية الصحراوي.
وكانت خديجة تقوم بمساهمات كثيرة وإدارة بعض المشروعات الخيرية وقد التقت بها السيدة سوزان مبارك في مكتب السفيرة مشيرة خطاب أمين عام المجلس القومي للأمومة والطفولة، حيث كان يجري الإعداد لمشروعات اجتماعية وخيرية والتي تقودها السيدة سوزان وأعجبت بشخصيتها في هذا اللقاء.
ويبدو أن الصدف كانت جميعها تهيئ الظروف لإتمام هذا العرس فقد التقى جمال وخديجة في أحد المؤتمرات بالجامعة الأمريكية، ثم تصادف عند إصابة والدها المهندس محمود الجمال بنزلة برد وهو عضو المجلس المصري الأمريكي لرجال الأعمال فقام جمال بزيارته، ليلتقي بخديجة للمرة الثانية، وليلتقي بذلك ترشيح السيدة سوزان مبارك مع رغبة جمال في الارتباط بخديجة.
طلبات العروس
وبناء على رغبة العروس بأن تكون إلى جوار أسرتها التي تعيش في ضاحية الزمالك المطلة على نيل القاهرة وافق جمال على اقتناء بيت الزوجية في إحدى الشقق، حيث قامت شركة الجمال والد العروس بالإشراف الكامل على الديكورات، وحسبما تردد فإن شقة الزوجية بلغت تكلفتها ستة ملايين جنيه، وهو مبلغ متواضع في ضاحية الزمالك العريقة، وبيت الزوجية كان لا يبعد كثيرا عن مكتب جمال مبارك في مقر الحزب الوطني المحترق حاليا قرب ميدان التحرير.
جيل المستقبل
شكلت جمعية جيل المستقبل حلقة مهمة من حياة جمال مبارك السياسية حيث يعتبرها البعض بداية ظهور جمال على الساحة السياسية لذلك ذهبت «عكاظ» لجامعة القاهرة «مقر الجمعية» التي تكونت من أسر طلابية داخل الجامعات، وخاصة جامعة القاهرة منذ عام 1988، وكانت تهدف إلى استقطاب الشباب الذي يمثل ما يقرب من 45 مليون شاب من المجتمع المصري للحزب الوطني الديمقراطي.
واتخذت الجمعية مقرا لها داخل الحرم الجامعي، وتحديدا في مواجهة كلية دار العلوم، وتم بناء المبنى في عهد الدكتور مفيد شهاب، عندما كان وزيرا للتعليم العالي، على الرغم من اعتراض مجموعة من أساتذة الجامعة على وجود جمعية ابن الرئيس داخل الحرم الجامعي، وأرسل 13 من أساتذة الجامعة خطابا إلى رئيس الجامعة ووزير التعليم العالي يبلغونه باعتراضهم على ممارسة عمل حزبي داخل الجامعة مقصور على نجل مبارك، وطالبوا بمنح هذا الحق لبقية الأحزاب السياسية قياسا على الحزب الوطني، ولم يلق ذلك صدى رئيس الجامعة.
ثم انتقلت الجمعية إلى مبنى معهد الدراسات التربوية بجامعة القاهرة بناء على بروتوكول للتعاون تم توقيعه في 2002، وقام موظفو الجامعة بعد ثورة 25 يناير بإخلاء المبنى وإزالة بقايا جمعية «جيل المستقبل» من الجامعة، كما قام الموظفون بخلع لوحات للجمعية من داخل مقر معهد الدراسات التربوية.
وتولى جمال مبارك رئاسة مجلس إدارة الجمعية التي أسسها، وأوكل لمحمد فاروق حافظ الأمانة العامة الذي تعاقد فور استلامه مهام وظيفته مع شركة دعاية كبرى للترويج للجمعية في جميع وسائل الإعلام بتكلفة قدرها 25 مليون جنيه لمدة عام كامل.
أرصدة الجمعية
وفي معهد الدراسات التربوية قال عدد من الأساتذة لـ «عكاظ» اتخذت جمعية جيل المستقبل بالمخالفة لقانون الجمعيات الأهلية المقر الرئيسي للحزب الوطني بالقاهرة مقرا لها، ولم تخضع حساباتها للمراجعة خلال 13 عاما من قبل الجهاز المركزي للمحاسبات، فضلاً عن أن جميع أرصدة الجمعية باسم جمال مبارك وليس باسم الجمعية، وجميع التبرعات التي كانت تصل للجمعية كانت تدخل باسمه وفي حسابه الشخصي، كما تبين أن أعضاء الجمعية هم أعضاء لجنة السياسات بالحزب الوطني من رجال الأعمال وأصحاب النفوذ السياسي، بينما تولى شريف والي ابن شقيق وزير الزراعة الأسبق دورا خطيرا في الجمعية، بجانب عضويته في مجلس الإدارة؛ فهو الرئيس التنفيذي لرابطة شباب الخريجين، ويعد همزة الوصل بين جمال مبارك وشباب الجمعية، وكان يتولى تقديم الشباب إلى نجل الرئيس الأسبق باعتبارهم أصحاب الولاء والمبايعين الجدد من جيل المستقبل؛ بحيث يتم إغداق المناصب على هؤلاء الشباب في البنوك والشركات الخاصة برجال الأعمال وقطاع الإعلام حتى يستطيع جمال مبارك اختراق جميع المؤسسات من خلال رجاله الجدد فيما بعد على حساب أصحاب الكفاءات والخبرة وذلك حسب تعبير الأساتذة.