من وراء تسرب النساء ؟!

ياسر سلامة

أُعلن مؤخراً أن الغرف التجارية بالمملكة، وعلى رأسها غرفتا الرياض وجدة، رصدت ازدياد حالات التسرب الوظيفي للعاملات السعوديات بقطاع المستلزمات النسائية، وقد جاء هذا الأمر الطارئ بعد أن نجحت وزارة العمل بإلزام كافة المستثمرين في السوق بتأنيث المحلات بنسبة 100%، طبعاً سيعدل البعض في هذه الأثناء من جلسته (بعد أن كان متكئاً) ليتقمص دور الواعظ مطلقاً تنهيدته وهو يقول بكل تشفٍّ: لقد حذرنا ونافحنا على مدى السنوات الماضية كي لا تقحم النساء في سوق العمل فيحدث ما لا تُحمد عقباه من اختلاط.. وخلوة.. وتحرش وهاهي نظرتنا الثاقبة تتحقق على أرض الواقع منذ الوهلة الأولى!!
قبل 10 سنوات صدر قرار قصر العمل في محلات بيع المستلزمات النسائية الخاصة على المرأة السعودية، وعلى وزارة العمل وضع جدول زمني لتنفيذ ذلك ومتابعته، ومع أن القرار صريح ولا يحتاج لتأويل، إلا أنه ومنذ ذلك الحين لا نقاش يحلو بين الجهة المناط بها تنفيذ القرار وبين المعارضين سواء رجال الحسبة أو كبار المستثمرين إلا وكان يتمحور حول الآثار الأخلاقية لهذه الخطوة لتعارضها مع حشمة ووقار المرأة (مع أنه بإمكانها فرش بسطة على الرصيف وبيع الحناء والكادي والبخور) لكن النقاش الساخن حول هذه المعضلة المفتعلة توسع وأصبحت المسألة لدى المؤيدين أو المعارضين (مسألة مبدأ)!؟
مرت السنين الطوال وأجندة الجهة المسؤولة حول تنفيذ هذا القرار محصورة في كيفية إقناع (حراس الفضيلة) والوصول معهم إلى تسوية تضع حداً لهذه النقطة التي استعصى عليها حلها، لم يشفع لهذه الجهة تذكيرها الدائم بأن الكثير من الفتيات يَعُلن أسرهن أو بحاجة ماسة إلى العمل لمساعدة ذويهن في مواجهة أعباء المعيشة الصعبة، ولم يكد يشفع لها أيضاً تفهمها لرغبة المعارضين حين نظمت ضوابط لعمل المرأة السعودية في مثل هذه المحلات مثل (حجب رؤية ما بداخل المحل، منع دخول الرجال، حظر توظيف عاملين بنفس المحل) وبعد عقد من الزمان أيقن المعارضون بأن الأمر حُسم فقبلوا على مضض مرددين دعواتهم بالهلاك والسرطان على الآخر!! صاحب انطلاق مرحلة التنفيذ، تنبيهات وحملة مشددة لا هوادة فيها، وما هي إلا يوم أو يومين حتى أعلن أن البداية كانت موفقة وناجحة، وأن هناك ما لا يقل عن 6 آلاف فرصة عمل بجدة طرحتها مرحلة (التأنيث)، حينها تنفسنا الصعداء وقلنا بأن عملاً جباراً لا يمكن الاستهانة به أسهم في الوصول إلى تنفيذ القرار (ولو بعد حين) وأنه سيسهم في تأمين مستقبل مشرق وزاهٍ للمرأة السعودية، واليوم، وتنفيذ القرار لم يكمل بعد عامه الأول، نسمع عن التسرب الوظيفي الهائل وأن السبب وراءه لم يكن لانعدام الأخلاق أو تفشي الرذيلة (كما حذرونا وأوهمونا) بل كان لقلة مراكز التدريب وضعف الرواتب ورفض العمل بالورديات، وهي أسباب جوهرية كانت أحرى بالبحث والدراسة لا أن تتذيل قائمة أولوياتهم ولا تجد خانة بجدولهم الزمني الذي حجز بالكامل لنقاش أمور بديهية!؟