اسلامي كان اختبارا روحيا بعد احتكاكي بكل الثقافات والشعوب

المدرب العالمي المعتنق للاسلام حديثا عمر تروسيه لـ «عكاظ»:

اسلامي كان اختبارا روحيا بعد احتكاكي بكل الثقافات والشعوب

يوسف حمادي ( الرباط )

لم يكن لقائي بفليب تروسيه ، مدرب كرة القدم العالمي المعتنق للإسلام ، لقاء عاديا في ذلك اليوم الذي اشتدت حرارته ، وظهرت معه على الرباط ، العاصمة المغربية ، بوادر فصل ربيع مغر بالتنزه والاستجمام .. لقد كنت شغوفا بالرجل الرياضي الذي حملت له مصحفا كريما وسبحة شرقية ؛ هدية ( عكاظ ) لضيفها عمر تروسيه بمناسبة اعتناقه للدين الإسلامي السمح . وحين لقائي به ، تذكرت أنني قبل شهر ونصف ، أو يزيد قليلا ، كنت قد ظننت بهذا الفرنسي خيرا ، خصوصا عندما صرح الناطق الرسمي باسم الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ، أن خلف المدرب المغربي بادو الزاكي ( تروسيه ) قد استقال من مهمة تدريب منتخب « أسود الأطلس » ، وبادر بإعادة المال الذي كان بذمته إلى صندوق الجامعة ..
منذ ذلك اليوم ظننت بالرجل خيرا وتلمست فيه ميول المسلمين الثقاة ، وتحققت فراستي حين جلوسي إلى عمر مقابلا إياه بمدينة الرباط حيث يقيم ، فبدت لي لحيته الصغيرة التي جلاها الشيب بشارب مقصوص . لحظتها أيقنت أن في قلب الرجل بذرة إيمان صالحة ، أدعوكم عبر هذه المقابلة الصحفية ، للسفر في عمق جذور تكوينها مع شخصية رياضية مشهورة وأجنبية ، انتصرت إرادتها للحق بالدين الإسلامي الخالد ، كما انتصر إليه قبله محمد علي كلاي ورجاء غارودي وآخرون .. كل هذا في زمن صعب ، ( القابض فيه على الدين كالقابض على الجمر ) .. وإليكم المقابلة :
الأخ عمر تروسيه بداية متى فكرتم في اعتناق الإسلام ؟ وما دافعكم إليه ؟
-أولا أريد أن أحدد شيئا قبل بداية هذه المقابلة ، هو أنه من الواضح عندما نتحدث عن الدين فذلك اختيار شخصي وملك خاص . أما بالنسبة لاعتناقي دين الإسلام ، فجاء من قناعة شخصية وثقافية ، منطلقها حريتي الشخصية في الاختيار ، وهنا عندي رغبة في القول ، وعبر جريدتكم ( عكاظ ) المحترمة ، أن اعتناقي للإسلام جاء من رغبتي الشخصية التي لا تهم أحدا سواي ، وذلك باعتباري الحَكَم الوحيد الذي له حرية الاختيار ، هذا مادام اختياري لا يمس حرية أحد . وأنا شخصية عمومية معروفة في الساحة الرياضية ، وهذا تعرفونه من خلال متابعتكم لمساري الرياضي منذ مدة ؛ سواء داخل المغرب أو خارجه ، فأنا مدرب عالمي لكرة القدم ، تواجدت في آسيا ، وفي ألمانيا ، وفي أوروبا ، وفي أفريقيا . وهذا الحضور العالمي جعلني أعتبر نفسي شخصية عالمية ، وهذا ما يفسر أن اختياري للإسلام ، اختيار اقتنعت به منذ مدة ، لكن خروجه للصحافة كان مفاجئا لي لم أعلم عنه شيئا ، ربما خرج عن طريق مقربين مني ، أو عن طريق أصدقاء ، لذلك تم تداول إسلامي على المستوى العالمي ، لكن لا بأس في ذلك ، فأنا اليوم مواطن مسلم ، اسمي عمر تروسيه .
إذن تعتبرون اعتناقكم للدين المحمدي يدخل ضمن حريتكم الشخصية ؟
-نعم ، لكني أحس بشيء من الإحراج ، ولهذا أغتنمها فرصة سانحة عبر هذه المقابلة الصحفية التي منحتني إياها جريدتكم ( عكاظ ) ، لأقول للعالم أن اختياري للإسلام يدخل ضمن حريتي الشخصية ، وكما سبق وقلت ، ليس لأي أحد الحق في محاكمة حريتي الشخصية .
اختيار روحي
وما مرجعيتكم في هذا الاختيار الذي يبدو ثابتا وراسخا لديكم ؟
-أنا ، وكما تعلمون ، أحترف تدريب كرة القدم منذ حوالي عشرين عاما ، وهناك أعوام مرت على مغادرتي لبلدي الأصلي فرنسا ( لأتزوج ) تجربة عالمية ، وعندما أقول تجربة عالمية ، معناه تعاملي عن قرب مع شعوب أخرى ، لها ثقافات أخرى . ومن هنا فإن كل شعب تعاملت معه ، وكل ثقافة احتككت بها ، كانت محددة في تنوعها ، وفي إحساسها ، وفي جذورها ، وفي ديانتها وإيمانها ، وفي نمط عيشها ، وفي جغرافيتها وتاريخها ، وفي كل مكوناتها . كل هذا المجموع الحضاري كنت على اتصال دائم به مدة عشرين عاما ، لهذا أصرح لكم أن اختياري للإسلام ، كان اختيارا روحيا اقتنعت به منذ تواجدي بالمغرب ؛ أي منذ حوالي عشر سنوات تقريبا ، حين وطأت قدماي لأول مرة أرض المغرب الذي سيصبح وطني الثاني . فعلا المغرب يعتبر أرض ترحاب واستقبال ، وأنا جد سعيد بتواجدي فيه ، وسعيد أيضا بعلاقتي مع مواطنيه ، بالإضافة إلى كونه أرض الإسلام . إن اعتناقي لدين الإسلام ، اعتناق مبني على قناعة روحية وجد في شخصي استعدادا كاملا لنطق شهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله . صلى الله عليه وسلم ، فأنا رجل حساس وعطوف ، وهذا ما ساعدني على تقبل هذا الدين ، وفي نفس الآن أعتبر أن هناك علاقة بين رجل الإحساس العميق ، الذي هو أنا ، وبين ثقافة وطني الثاني ، المغرب أرض الإسلام ، كما أنني أعتقد أن هناك علاقة التحام بين كوني مؤمنا مسلما ، وبين أرض المغرب وشعبها المسلم أيضا ، ولهذا لن أصرح لك بالتاريخ الذي اعتنقت فيه دين الإسلام ، وبكل بساطة كان ذلك منذ تواجدي بالمغرب ، لقد كان لدي استعداد روحي لا أستطيع تحديد زمنه الممتد منذ احترفت تدريب كرة القدم خارج بلدي الأصلي فرنسا ، ومنذ ذلك الحين وأنا شاهد على ثقافة الاختلاف لدى الشعوب التي تعاملت معها ، لكنها عند المسلمين جعلتني ، وأنا أطلع على بعض ما كتب عن الإسلام ، أقتنع أن الدين الإسلامي يتجاوب مع روحي ومع أفكاري .
كفالة مريم وسلمى
ألم يكن لسلمى ومريم ، ابنتيك ، تأثير عليك ؟
-يبتسم . هناك حقيقة ثانية ، هي أنني منذ حوالي ثلاث سنوات احتضنت تحت سقف بيتي مسلمتين صغيرتين هما اللتان ذكرتم ؛ مريم وسلمى . إنهما بنتان تكفلت بهما وساعدتهما ، وأعتبر ذلك عربون حب ومودة واحترام لكل الذين يقيمون تحت سقف بيتي ، خصوصا وأنهما من أصل عائلي مسلم . ولإرضائهما وإسعادهما أكثر ، بالإضافة إلى اقتناعي الروحي بذلك ، أعلنت إسلامي ، وهذا عربون اعتراف واستمرارية مع الذين أحبهم داخل أسرتي وخارجها .
تقول بأن مريم وسلمى من أصول مسلمة ، إذن ليسا من صلبك ؟
-أنتم تعلمون أن في الدين الإسلامي هناك ما يعرف بـ «الكفالة » ، التي بها يمكن للمسلم أن يفعل الخير في ولد أو بنت ولو لم ينجبهما ، لهذا كانت كفالتي لمريم وسلمى ؛ الأولى عمرها اثنتا عشرة سنة ، والثانية ثلاثة أعوام ، وبغاية زرع بذرة الخير ورعايتهما ، البذرة التي يرفعها الله في دين الإسلام إلى مرتبة عالية . فأنا بكفالتي للبنتين العزيزتين ، أطمح لنيل تلك المرتبة في العالم الآخر ، العالم الجميل الذي قرأت عنه في ترجمة القرآن ، كتاب الله الذي نزل من السماء على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، الكتاب المقدس الذي به أفكار وحكم عظيمة جدا ، خصوصا إذا كان المتكفل بالأطفال يرعاهم ويهتم بهم ويربيهم أحسن تربية ، لهذا فسلمى ومريم كفلتهما منذ حوالي ثلاث سنوات ، وأحافظ لهما حتى اللحظة على تواصلهما مع عائلتهما ، وهدفي ليس هو استئصالهما من جذورهما العائلية ، أبدا ، فأنا أردت بالتكفل بهما فعل الخير لدخول الجنة التي يصفها القرآن ، كلام الله ، بالصفات الجميلة والحسنة . لذلك منحت صغيرتيَّ فرصة الذهاب إلى المدرسة للتعلم ، وتمكينهما من شروط بناء مستقبلهما في أحسن الظروف .
الأخ عمر ، هل تفكر في زيارة الاراضي المقدسة للحج ؟
-لا شك في ذلك ، فعندما نقول اعتناق الإسلام ، طبعا هناك مجموع مراحل تتبع ذلك ، فأنا أكن احتراما كبيرا لكل المسلمين الذين استقبلوني كمعتنق للإسلام ، وأنا طبيعيا في حاجة إلى المزيد من المعلومات والاتصالات لتعميق معرفتي بالدين الإسلامي ، لهذا من المنطقي أن اعتناقي لدين الإسلام يفترض فيه أن ينتهي بالسفر إلى مكة الكرمة ، للحج إن شاء الله . إن البلاد التي تقع فيها مكة المكرمة ، المملكة العربية السعودية ، وكمدرب لكرة القدم ، لعبت ضدها وأنا أدرب فريق جنوب إفريقيا خلال كأس العالم عام 1998 . ثم لعبت ضدها مرة ثانية وأنا أدرب فريق اليابان خلال كأس آسيا عام2000 ، حين ربحناها مرتين . أما آخر مرة لعبنا ضد الفريق السعودي ، وهي المرة الثالثة ، كان ذلك عندما كنت أدرب فريق قطر ، وكان ذلك خلال كأس الخليج المقامة وقتذاك بدولة الكويت عام 2003 . لهذا لم يسبق أن خسرت في مقابلاتي ضد المملكة العربية السعودية ، وأصدقائي بالمملكة يعرفونني كثيرا ، فأنا أكثر من مرة دعيت لتدريب فرق نواد سعودية ، وأذكر أن عام 1995 تم الاتصال بي من طرف نادي النصر السعودي ، وقد حضر للمغرب للتفاوض معي شخص استقبلني هنا بهذا الفندق الذي نجري فيه اليوم هذه المقابلة ، ولهذا أفيدكم أن علاقتي تطورت مع السعودية انطلاقا من مهنتي كمدرب رياضي .
دين عدالة واستقامة
كيف استقبل الأصدقاء والمقربون خبر اعتناقك الإسلام ؟
-هناك نظرة احترام من المسلمين إلي ، لقد تقاطرت علي الكثير من التهاني ، التي ما كنت أتصورها ، ليس من المسلمين المغاربة فحسب ، بل أيضا من مسلمي قطر التي كنت أشتغل بها ، ومن أشخاص بالمملكة العربية السعودية ومن فرنسا وأمريكا وبريطانيا ، لقد كان الناس جد مهتمين باعتناقي دين الإسلام الذي هو دين ارتحت إليه ، لأنه دين عدالة واستقامة لمن أراد أن يكون عادلا ومستقيما ، لقد أرسل إلي المهنئون ، كما فعلت جريدتكم ( عكاظ ) مشكورة ، عددا من المصاحف المترجمة لأغلب اللغات . وكما تعلمون أنا لا أتكلم العربية ، وقد أحسست بعد اعتناقي الإسلام أنني اليوم جد محترم في المغرب وفي العالم الإسلامي كاملا ، سواء كمدرب لكرة القدم ، أو كمسلم ، وذلك ما جسد بشكل أكثر التحامي بأرض الإسلام ، وجعل نظرة الغربيين ، خصوصا عائلتي ووالدي ، اللذان احترما اختياري وباركوه ، وهذا ما أعطى نظرة خاصة عن بلاد الاستقبال التي أنا فيها ، وأوصل صداها إلى جميع دول العالم .
التدريب مؤجل
وما هي المشاريع الرياضية للمدرب عمر تروسيه ؟
-مشاريعي الرياضية اليوم غير محددة ، لأنني خارج للتو من عملية جراحية أجريتها على رجلي ، صحيح أنني أفكر في سوق كأس العالم 2006 بألمانيا ، لكن من حسن الحظ ، أو من سوء الحظ للمدربين ، أنه ليس هناك مناصب تدريب شاغرة ، فبالنسبة لمشاريعي في التدريب الكروي ، فأنا أتوفر على عروض تدريب كثيرة للعمل هنا ، أو هناك في الخارج ؛ هذا ما دمت أريد العمل بالخارج ، لكن لحدود الساعة لم أحدد اختياري بعد ، لأن اختياري الحقيقي للتدريب سيكون بعد نهاية كأس العالم ، الذي بعده تبدأ البطولات وعندي كثير من الإمكانيات ؛ خصوصا وأن عددا من القنوات التلفزيونية ترغب في العمل معها كمحلل رياضي يتابع مباريات كأس العالم 2006 بالتحليل والنقد ، فلهذا أظن أن قراري للتدريب ، وما يتعلق بمشاريعي المهنية في تدريب كرة القدم ، سأحسم فيه مباشرة بعد انقضاء كأس العالم بألمانيا 2006 .
أفكر باكاديمية
هل ستمكث بصفة نهائية في المغرب ، أم أن لك بديلا عن ذلك ؟
-أنا أقيم بالمغرب منذ حوالي إحدى عشر سنة ، وذلك لم يمنعني من السفر لتدريب نيجريا ، وبركينا فاسو ، وأفريقيا الجنوبية ، وقطر ، واليابان . كما أنني دربت أيضا فريق « مارساي « السنة الماضية ، لهذا كوني أقيم في المغرب ليس معناه المكوث به بصفة نهائية . صحيح أنني أملك في المغرب إقامة أقيم بها ، كما أملك ثانية في باريس ، وذلك باعتباري فرنسي باريسي ، وهذا الاختيار الذي قمت به راجع لتكويني الرياضي في تدريب كرة القدم ، وذلك ليس مرتبط بمكوثي وإقامتي الدائمة هنا في المغرب بصفة نهائية ، لا ، أنا هنا في المغرب حر في اختيار البلد الذي أريد العمل فيه والإقامة به إن أردت ذلك . كما هو الشأن في اختياري أيضا لأشخاص الذين أريد العمل معهم ، وفي الحقيقة أنا اليوم أفكر في مشروع إنساني ، أتمنى أن يجمعني بأشخاص يفكرون بنفس التفكير الذي أفكر به لتشييد شيء ما يفيد الإنسانية ، إنني اليوم في سن الواحد والخمسين ، ولدي رغبة لاقتسام تجربتي مع أناس يريدون البناء ، لهذا أنا لم أحدد بعد بلدا بعينه لتشييد مشروعي الرياضي الإنساني ، لكني أرغب في ملاقاة رجال يمنحوني الفرصة للتعاون لاستثمار تجربتي الرياضية لتستفيد منها الأجيال اللاحقة.
بدأت بالصلاة
هل بدأ الأخ عمر القيام بالشعائر الدينية ؟
-نعم أنا اليوم أصلي ككل مسلم ، لقد اعتنقت دين الإسلام ، وأنتم تعلمون أن الصلاة من أركانه الخمسة التي يجب الحفاظ عليها لأنها عماد الإسلام ، حقيقة أنا مازلت في بداية طريق التعلم لأكون مطبقا بشكل جيد لتعاليم الإسلام ، لكنني أجتهد في التعرف أكثر على ما يجب علي القيام به ، فالإسلام دين الدنيا والعالم الآخر ، لهذا يجب أن أعمل ما استطعت لأكون في مستوى اختياري للدين العظيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .