واشنطن وصفقة سلام كاملة للمنطقة

روبرت سيكديلسكي

نهاية اللعبة بدأت تلوح في أفق الشرق الأوسط، ظهرت ملامح اللعبة من خلال الاعتراف بضرورة إشراك سوريا وإيران، ليس في التفاوض للوصول إلى تسوية في العراق فقط، بل أيضاً في الوصول إلى سلام شامل في الشرق الأوسط.
لقد أصبح مقبولاً القول بأن السياسة الأمريكية- البريطانية- الإسرائيلية، لإعادة هيكلة الشرق الأوسط عبر القوة العسكرية، منيت بالفشل. فهناك نقص في القوة والإرادة الأمريكيتين لإخضاع العراق كما أن الإسرائيليين فشلوا في تدمير حزب الله في لبنان، أو حتى في كبح جماح المقاومة الفلسطينية في الأراضي المحتلة، وكذلك فشلت الولايات المتحدة في وقف برنامج إيران النووي للأسلحة.
وهذه الهزائم السياسية ضربت مباشرة رأس أسطورة القوة الأمريكية التي لا تُقهر. فالولايات المتحدة لا تزال اللاعب الأهم والأقوى في المنطقة لكنها ليست المطلقة، فالتمرّد خلق توازناً بين القوى في المنطقة، ما يعني أن أي حل للقضايا الشائكة والمعلقة في الشرق الأوسط، بالرغم من أحداث مثل اغتيال الوزير اللبناني بيار الجميل في لبنان، يجب أن يتم التوصل إليه عبر التفاوض والحوار.
إن السياسة بدأت تتأقلم مع الوقائع والحقائق الجديدة. ولجنة «بيكر- هاملتون» التي شكّلها الرئيس بوش قبل الانتخابات النصفية للكونغرس الأمريكي، يتوقّع أن توصي بأنّ على الولايات المتحدة أن تطلب مساعدة سوريا وإيران لإنهاء حمام الدم في العراق.
ومن الناحية الأخرى من المعادلة، بادر الرئيس الإيراني، أحمدي نجاد، في خطوة منه لاستغلال الموقع المتقدم الذي أحرزته بلاده مؤخراً بحيث أصبحت قوة إقليمية لا يمكن التغاضي عنها، إلى دعوة الرئيسين العراقي والسوري إلى طهران لعقد قمة بشأن الوضع في العراق. ومما لاشك فيه أن مداولاتهم سوف تتناول مواضيع أوسع. وإذا كانت هناك طريقة يمكن إيجادها للربط بين هاتين المبادرتين، فإن السبيل سيُصبح مفتوحاً أمام «الاستراتيجية للشرق الأوسط برمته»، التي تحدّث عنها طوني بلير. لكن ما يقف في الطريق، هو الإصرار الغربي على وضع شروط مسبقة أمام أية محادثات مع «الطرف الآخر». فعلى إيران أن تتخلّى عن طموحاتها النووية، وعلى إيران وسوريا التوقف عن دعم الإرهاب، وعلى السلطة الفلسطينية بقيادة حركة حماس أن ترفض الإرهاب وأن تعترف بإسرائيل. وكل هذه الشروط غير واقعية.
إن «حالات التنكّر» هذه التي يسعى الغرب للحصول عليها يجب أن تكون جزءاً من عملية التفاوض، وليست شروطاً مسبقة لإجراء المحادثات، وأنا أشكّ في أن بوش وبلير وأولمرت، أصبحوا مقتنعين بأن ثمة حاجة ماسة للتوصل إلى اتفاقيات تفاوضية، غير أن هذا هو الثمن الذي سيكون عليهم أن يدفعوه بسبب فشل سياساتهم.
إن العناصر اللازمة للتوصل إلى تسوية سلمية «لكامل الشرق الأوسط» يسهل رؤيتها، ولكن تحقيقها سيكون صعباً وشاقاً، وهذه العناصر تشمل: قيام عراق فيدرالي، مع معادلة متفق عليها لتقاسم موارد النفط بين المناطق الثلاث الرئيسية، وإقامة دولة فلسطينية ذات استقلال ناجز، ضمن حدود العام 1967، تقريباً، مع منطقة معزولة السلاح، تخضع لمراقبة دولية، على طول الحدود الإسرائيلية، ووضع برنامج زمني، على مراحل لانسحاب القوات الأمريكية من الشرق الأوسط، مقابل توفير ضمانة ضد أي انقطاع للإمدادات البترولية، وإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية، لأن إيران بدونها، لن تتخلى عن طموحاتها النووية (لكن على إسرائيل أن تتخلى عن قنابلها). وأخيراً، إعادة تفعيل الاتحاد الجمركي، المتجمّد بين إسرائيل وفلسطين، مع توسيعه مرحلياً ليشمل الأردن ولبنان، ومع برنامج «مشروع مارشال للمساعدات».
ولتحقيق ذلك يجب عقد مؤتمر دولي بعد أن تحرز المحادثات المنفصلة نوعاً من التقدّم، وعلى أمين عام الأمم المتحدة، عند ذاك، دعوة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وجميع الدول ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة، إلى المشاركة في هذا المؤتمر، على أن يكون الهدف منه، التوصل إلى معاهدة سلام ملزمة وقانونية للمنطقة بأسرها.
إن أفكاراً كهذه قد تبدو غير واقعية في نظر البعض. لكن أفكاراً جنونية، أحياناً قد تكون وحدها الواقعية. والأشخاص المتخوفون والمترددون هم المجانين الفعليون، في مثل هذه الحالات.
وهذه الخطة التي وضعناها هي محاولة للجمع بين مبادرات ومشاريع بدأت تتبرعم بطريقة عشوائية وبدون أي ترابط فيما بينها، وهي ترمي إلى استغلال الفرصة في زمن لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بموقع بارز في المنطقة، لكنها لا تمتلك القدرة على فرض إرادتها.
ومن المتوقع أن يختلّ التوازن، بعد خمس سنوات من اليوم، ويتحوّل إلى غير مصلحة الغرب. وهناك ستكون العواقب وخيمة.
* أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة «دارويك» الإنجليزية
ترجمة: جوزيف حرب