لجم التضخم ومكافحة الاحتكار وضبط الأسعار مسؤولية من ؟

المشاركون في ندوة قدموا المبادرة

لجم التضخم ومكافحة الاحتكار وضبط الأسعار مسؤولية من ؟

أدارها: خالد مقبول

الأسعار والتضخم وكيفية لجمهما كانت موضوع الندوة التي احتضنتها «عكاظ» ودعت لها كوكبة من المفكرين وشباب الأعمال الذين كانت لديهم مبادرة لمكافحة التضخم تحت مسمى «لجم». الندوة تطرقت لأسباب ارتفاع التضخم وكيفية مكافحته، وما دور شباب الأعمال ودور الأجهزة والوزارات الحكومية والبنوك في تحقيق شعار «لجم» الأسعار والتضخم.
المشاركون في الندوة توصلوا إلى نتيجة مفادها أن لجم الأسعار يكون بترسيخ ثقافة الترشيد الاستهلاكي والتحكم في السيولة المرتفعة في السوق، إلى جانب تعميق قيم المنافسة في العرض السلعي لمحاربة الجشع الذي يلجأ إليه بعض التجار والذي يدفع ثمنه المجتمع ولاسيما الطبقة المتوسطة التي تتجه للتآكل. وإلى تفاصيل الندوة:


د. هيثم لنجاوي:
التضخم مرتبط بعدة عوامل وليس بعامل واحد، والحلول من وجهة نظري تتمثل في أن التنظيم الأخير المتعلق بالعمل والإقامة والإجراءات الخاصة بها بداية صحيحة في تخفيض نسبة التضخم، لكن لا يمكن تخفيض هذه النسبة لدينا. وكمثال بسيط: في أمريكا وفي كل سنة يزداد إيجار المنازل بنسبة 1-2% بحسب كل ولاية، أما في سوقنا إذا رفعنا هذه المطالبة سيمتعض الناس، فملاك العقارات يزيدون الإيجارات بشكل فاحش. وإذا حدثت طفرة في إيجار العقار يرتفع للوحدة السكنية العادية من 30 ألفا إلى 60 ألفا، فإذا وضع قانون زيادة نسبة الإيجار بنسبة نصف بالمائة فسيكسب المالك، والمستأجر يعلم أن النسبة ستزيد بعد سنة نصفا بالمائة وتصبح العملية مقبولة من كل المجتمع.
محمد دردير:
أضيف على موضوع التضخم أنه عندما حدثت طفرة البترول في عام 2005/2006 وارتفع سعر البترول إلى سقف عالٍ جدا نتج عنه ارتفاع مستوى المعيشة في معظم دول العالم وخاصة المنتجة للنفط بما فيها المملكة، فنشأ نوعان من التضخم، التضخم الوظيفي وارتفاع الأجر الذي لا يعادل القيمة الوظيفية، والثاني أصبح لدينا ارتفاع في قيمة المواد الغذائية والمنتجات، لأن المملكة بلد مستورد لأكثر من 70 إلى 80 بالمائة من منتجاتها من الخارج، فالكساد الاقتصادي الذي حصل في 2009، فما حدث في 2009، كان ارتفاعا في الأسعار وارتفاعا مرة ثانية، ثم ارتفاعا مستداما، والحقيقة أنه ارتفاع مفتعل وأقولها آسفا ولكنها حقيقة. وقد مررت بشركات كبيرة جدا وكانت تزيد في أسعار منتجاتها بنحو 10 ريالات، لأنها رأت أنه طالما هناك زيادة في التكلفة ستزيد السعر، وبدل أن يتم البيع لبعض المنتجات بسعر 10 ريالات تم البيع بسعر 17 ريالا أي أن الزيادة بلغت 70% من القيمة الأساسية.
عبدالرحمن عبده:
لا ننسى أن التضخم السكاني هو سبب التضخم، فكانت هناك مشكلتان فيما يتعلق بالتضخم: الأولى مشكلة التضخم العالمي والثانية التضخم السكاني، لو تأملنا سنجد أن الدول الفقيرة هي التي لديها تضخم ولديها فقر نتيجة التضخم السكاني، الذي يواكبه استهلاك للقمح والسكر والأرز والمواد الأساسية، فأصبحت الكمية الموجودة لا تستطيع أن تغطي أو تكفي، رغم التكنولوجيا التي دخلت في مجال الزراعة والإنتاج الغذائي فكانت النتيجة ارتفاعا للأسعار، بسبب الاستهلاك المتزايد.
وعندما نتحدث عن العوامل الداخلية والخارجية للتضخم، فهي تعود إلى نفس المحور التضخم السكاني والتعليم غير الجيد والصحة غير الجيدة والتدريب غير الجيد، ثم نشتكي من أن الراتب 3 آلاف أو 4 آلاف وهذا لا يكفي، فهذه النقطة أساسية، فيجب أن تتدخل الحكومة في الأساسيات، فمثلا اليوم تكلفة الأرض لبناء منزل أو شقة ليست أقل من 500 ألف إلى 600 ألف ريال، فالعامل الذي دخله الشهري 3 آلاف أو 4 آلاف من أين سيأتي بالتكلفة؟ هذا بالنسبة لرجل الشارع.
عبدالوهاب حلواني:
التضخم مرتبط بزيادة النمو في المجتمع وتطوره، كذلك من الأمور التي تساعد في زيادة التضخم الهجرة.
ولكن يكون التضخم ضارا إذا بدأ يأكل في الطبقة المتوسطة، هنا تبدأ أضراره تزيد، فالمؤشر هو الطبقة المتوسطة، لأنها هي التي تقوم بعملية البيع والشراء في المجتمع، وهي التي تشتري المنتجات والخدمات. فعندما تقل إمكانية هذه الطبقة تبدأ تقل إمكانية المجتمع.. فالإمكانية النقدية لأي بلد ترتبط بإنتاجيته.
د. محمد دردير:
أضف على ذلك أن هناك مشكلة في عملية التضخم، هي التخطيط، والمشكلة تكمن في عملية التخطيط، فالتأثير الخارجي واضح جدا في الآونة الأخيرة أنه ظهر، وحسب سجلات وزارة العمل فإن عدد المنشآت التي تعمل هو مليون و850 ألف منشأة، وعدد المنشآت الصغيرة والصغيرة جدا هو مليون و600 ألف، يعني نتحدث عن منشآت متوسطة وعملاقة وكبيرة لا تمثل حتى 10% من حجم السوق، فما هو المتوقع من الفئة المتوسطة؟
د. هيثم لنجاوي:
لا يمكن أن نعزل تأثيرات الأسواق العالمية عن اقتصادنا لارتباط الاقتصادات العالمية ببعض، وما يحدث هناك من مشكلات أو أزمات بالطبع على اقتصادنا وفي الوقت نفسه تؤثر في مؤشرات أو نسب التضخم مثل النمو المتسارع للطلب الكلي، حيث لا تتم مواكبة النمو الكافي للعرض الكلي، وهذا يسبب فجوة كبيرة وينشئ ما يسمى بـ«احتكار القلة» وهو أن هناك عددا كبيرا من السلع يتحكم بها عدد قليل من المستوردين أو المصنعين.
وبالنسبة أيضا للنمو المتسارع للسيولة المحلية، وهذا يأتي من ناحيتين: القروض المصرفية للقطاع الخاص، فالبنوك عندما تضخ المبالغ الكبيرة ونحن ليس لدينا ثقافة «الترشيد» في الاستهلاك، و«التخطيط»، وهذا يظهر معنا كثيرا في الاقتصاد السعودي حيث نفتقده ويؤثر لدينا على المدى الإستراتيجي، فنحن اليوم نعمل على تصور معين، وعندما نصطدم بالواقع نقول إننا نريد أن نحل هذه المشكلة فمن أهم الإجراءات التي تتخذ: التشجيع على قيام جمعيات استهلاكية وهذه إحدى الأفكار، ويكون هدف هذه الجمعيات هو كبح ارتفاع الأسعار بالدرجة الأولى، وزيادة أطر المنافسة في السوق، فنحن نحاول أن نقلل من «احتكار القلة»، نحاول أن نضغط بأكثر من طريقة بمعايير معينة وترتيب معين مع جهات مسؤولة في الدولة وصناديق سيادية على أساس أن نستطيع الضغط على ارتفاع الأسعار وفي الوقت نفسه نزيد من عنصر المنافسة.
عبدالرحمن عبده:
نحن نتحدث عن اقتصاد حر، يتيح المنافسة الحرة في السوق في السلع والخدمات، ولا ننسى أيضا انضمامنا إلى منظمة التجارة العالمية، وهذا يستلزم منا أن نكون جادين في المنافسة والاهتمام بالمزايا التنافسية التي تميزنا، وأن الأسواق العالمية والمنافسة العالمية ستكون مفتوحة ومكفولة للجميع في العديد من المجالات، لذلك يجب أن نهتم بتشجيع الإنتاج والتركيز عليه خاصة في الأشياء التي تمثل احتياجات ضرورية، فكل الدول حسب جدولها في منظمة التجارة العالمية سوف ينتهي دعمها لأي سلع.
مبادرة «لجم»
ياسر التويم:
أود هنا أن أعرض لمبادرة «لجم»، وقد تحدثنا عن العوامل الداخلية والخارجية، هذه العوامل معروفة للجميع ولا يمكن تجاهلها، ولكن الكل يرى أن هناك استغلالا لهذه العوامل، فمتى ما كان هناك تضخم حقيقي موجود إذن هناك استغلال من اللاعبين الأساسيين في السلعة، ما أدى إلى هوامش ربحية مبالغ فيها، لكن الآن المبادرة تختص في جزئية معينة ألا وهي استغلال هذه العوامل ووضع هوامش مع كل ارتفاع للسلع الأولية مثلا في العوامل الخارجية والتغير في الصرف، وسواء داخليا، فنلاحظ أن كل شيء فيه ارتفاع، حتى لو العوامل نزلت آثارها فالسلع لا تنزل أسعارها، وإنما تصعد ولا تنزل، والحديث بصفة عامة ولا نريد أن نتحدث عن سلعة معينة، فمن هنا تأتي المبادرة وهي «منظومة لجم»، فهذه المنظومة تتألف من الوزارات ذات العلاقة بالسلع، سواء وزارة المالية، وزارة التجارة، طبعا هناك مبادرات سابقة فشلت فيها وزارة التجارة في إيقاف الجشع وزيادة الجلسات مع أصحاب السلع وحاولت معهم، وفي النهاية لم يكن لديها أي إمكانية لأننا داخل سوق حر مفتوح له قواعده، فلا يمكن أن تجبرهم وزارة التجارة، وليس لها أي قوة عليهم، فهذه المنظومة المكونة من الوزارات السيادية ذات العلاقات والصناديق الداخلية والخارجية الخاصة بالدولة، فمنظومة لجم ستقوم بأخذ السلع الاستهلاكية الأساسية التي تمس احتياجات الناس فتأخذ كل سلعة وتحللها بدراسات جدوى تفصيلية لتكلفتها والعائد بمنظور القطاع الخاص من قبل مكاتب استشارية. فتظهر حينها هوامش الربح الموجودة وكلفة السلعة فعليا على المواطن، وقتئذ تظهر هوامش ربح السلع غير المنطقية والاحتكارية في الغالب، فتقوم هذه المنظومة بعد أن تحلل جدوى كل سلعة والأسعار الرئيسية تواجه المتحكمين بالسلعة، وهؤلاء المتحكمون هم عبارة عن مصنعين أو وكلاء أو موزعون، وتواجههم بهذه الدراسات، هناك قوانين تمنع الاحتكار موجودة ولكن لا توجد أي آليات لضبط تفعيلها، فيتم استخدام هذه القوانين ويواجه المعني بالسلعة، إذا لم يستجب لأن يخفض هامش الربحية تقوم المنظومة بإحضار مستثمرين جدد ويتم إدخالهم في هذه السلعة بموجب الدراسات التي قامت بها، وهؤلاء المستثمرون يعطون تسهيلات كبيرة من ناحية التمويل والتراخيص، فـ«لجم» توفر لهم جميع التسهيلات لدخول السلعة.. تمنحهم تسهيلات لمنافسة التجار التقليديين للسلعة. وتأتي السلع بحسب أولويتها للمواطن العادي، وكل ما أصبحت هناك صعوبة في دخول السلع يتم تقديم تسهيلات أكثر إلى أن يكون هناك صندوق يسمى «صندوق المال الجريء».
والمنظومة تعطي لوزارة التجارة القوة في التفاوض وإنشاء شركات جديدة وبذلك خلق وظائف وسحب السيولة العالية وسيكون هناك رفع لمعيشة المواطن وسترتفع القوة الشرائية وما تقدمه منظومة «لجم» ليس دعما حكوميا مباشرا، ولكن تسهيلات لوجود منافسين أقوياء للتجار التقليديين للسلع.
د. هيثم لنجاوي:
أرى أن المبادرة ستواجه مشكلة البيروقراطية، فـ«لجم» ستطلب عددا معينا من الوزارات، وكذلك الصناديق ذات العلاقة، والإجراءات التي تسبق العمل التنفيذي. وأنا أخشى أننا نعود مرة أخرى للبيروقراطية، فالمبادرة تتعامل وتفترض أن التجار غشاشون، أنا لن أقف في صف التجار.
ياسر التويم:
مبدأ الفكرة أن هناك مغالاة في الأسعار، فمثلا في مكتبي احتجت أن أشتري سلعة عبارة عن (رول) بطول 15 مترا لماكينة من مصنع محلي بـ5800 ريال، لم يعجبني السعر أي أن سعر المتر 386 ريالا، وعند البحث وجدته في إنجلترا بـ 80 ريالا، فالفرق بين السعرين تقريبا 300 ريال.
عبدالوهاب حلواني:
أرى أن فكرة «لجم» لو طوعناها بالاستفادة من خبرات غيرنا، لنجحنا، ولكي تشتغل يجب أن تعرف ما هي السلع الاستهلاكية، وما هو تأثير أسعار السلع المتوقعة في السنوات العشر المقبلة كي يتم الحكم بأن السلعة المعينة زاد فيها التاجر أكثر مما يستحق أو أقل مما يستحق، فالمطلوب هو التخطيط. وفي الفترة الماضية رأينا كيف تأثرت أسعار الأرز وأسعار الدقيق وكيف تأثر المستهلكون ورأينا كيف أن التجار استغلوا التأثيرات الخارجية.
ياسر التويم:
«لجم» تأتي لتحلل سعر استيراد السلعة، وهي لا تقوم على مبدأ التشهير أو توجيه أي اتهام لأحد، على العكس هناك تجار لا غبار عليهم، وهناك المستغلون فمثلا في مجال البناء نعرف نحن الذين نعمل في مجال المقاولات أن تكلفة إحدى مواد البناء 700 ريال مثلا، وكانت الدولة قد دعمت تلك المصانع بقروض وتسهيلات مالية من صندوق التنمية الصناعية والمواد الأولية موجودة، فيتم بعد ذلك رفع السلعة مثلا إلى سعر 3 آلاف ريال.
د. هيثم لنجاوي:
لنفترض أننا ووجدنا أن الأسعار زادت، ووجدنا أن الزيادة كانت من المصدر بمعنى أن المنتج نفسه هو من زاد السعر، فهل سيتم الشرح للمستهلكين بأن هذه الزيادة بسبب عوامل دولية خارجية.. أو ما هي البدائل والحلول في هذه الحالة؟
عبدالرحمن عبده:
يجب على بنوكنا المحلية القيام بمساعدة صغار التجار للاستيراد، حاليا عندما يتوجه التاجر الصغير إلى أي بنك يطالبونه بأمور واشتراطات معقدة ويجد من العقبات ما لا حد له، وتفتخر البنوك بأن القطاع البنكي حقق مليارات الريالات في ربع أو نصف السنة، ولكن بماذا ساهمت؟ وماذا قدمت البنوك للمجتمع؟
د. هيثم لنجاوي:
لا ننسى أن اقتصادنا اقتصاد حر ومفتوح ومرتبط بالاقتصاديات العالمية. كما أود التأكيد على النقاط الخمس الأساسية التي تتعلق بالتعليم والتدريب والصحة والتوعية. فأقول لو أن هناك برامج توعوية في المجتمع وللشريحة الأكبر منه وهي التي تؤثر تأثيرا مباشرا على عملية الإسراف في الشراء والصرف، وأن لو أحدا رفع الأسعار أقاطع السلعة، هناك جوانب مهمة ومؤثرة للتوعية وذات جدوى تبعدنا عن المسائل الإجرائية التي قد تستغرق.
د. محمد دردير:
أتمنى أن تستمر الحكومة في الإنفاق على المشاريع لأن هناك أمورا ومشاريع كان يجب أن تقوم بها، فيجب أن يكون هناك تعليم جيد، وتدريب جيد، وتوعية، وصحة، هذه جميعها تؤدي إلى تحسن في الاقتصاد وفي حياة الناس والمجتمع. هذه الأمور كان يجب أن يتم لها برامج خمسية.
مدحت الشقيري:
الحل الجذري فيما يتعلق بالسوق لابد أن يكون في منظومة من الحلول وليس حلا واحدا تتضافر فيها جهود جميع القطاعات والمجتمع.
أما البنوك ودورها سواء في المجتمع أو في الاقتصاد الوطني وفي التنمية، فأهم جزء اليوم هو المال.. وهناك دول كثيرة جدا قلصت حاليا استهلاك النقد «الكاش» بالقنوات البديلة، نحن لازلنا حتى الآن مثلا في محطات البنزين والبقالات نستهلك النقد، نحن لدينا عمليات تداول النقد اليومي لازالت كبيرة وتتطلب تكاليف كبيرة.

المشاركون في الندوة:
- د. محمد سعيد دردير، رئيس لجنة المكاتب الاستشارية في الغرفة التجارية بجدة
- عبدالرحمن محمد عبده، صاحب مكتب استشارات اقتصادية
- وهيب عبدالوهاب حلواني، عضو لجنة المكاتب الاستشارية بالغرفة
- مدحت الشقيرين خبير بنكي
- د. هيثم حسن لنجاوي، عضو هيئة التدريس في كلية الاقتصاد والإدارة بجامعة الملك عبدالعزيز قسم العلوم السياسية وعضو لجنة المكاتب الاستشارية بجدة
- ياسر التويم، عضو اللجنة الوطنية لشباب الأعمال عضو لجنة شباب الأعمال بالغرفة التجارية بجدة
- د. شادي فؤاد خوندنة، عضو لجنة شباب الأعمال بالغرفة التجارية بجدة متخصص في الإدارة الإستراتيجية والموارد البشرية.