مستقبلنا ومستقبل النفط

وليد عرب هاشم

النفط سلعة، صحيح أنها سلعة لها قيمة استراتيجية كبيرة، وأنها تؤثر وتتأثر بالسياسات والأحداث العالمية، ولكنها في النهاية تظل سلعة وخاضعة ــ مثل أي سلعة ــ لعوامل العرض والطلب.
وبما أن اقتصادنا يعتمد على سلعة النفط اعتمادا شبه كلي، فإنه من المهم أن نتابع ونحلل عوامل العرض والطلب، فأي تغير في أحدهما سوف يؤثر بشدة على مداخيلنا في اقتصادنا، خصوصا أننا سمعنا في الآونة الأخيرة عن بديل جديد وهام وهو النفط الصخري، الذي قد يدخل لأسواق الطاقة ويسحب الطلب من على النفط، ما يؤدي لانخفاض سعره، وهناك مصادر أخرى للطاقة وتطورات في استخدامها، وجميعها قد تشكل تهديدا للنفط ومستقبله، مما ــ بدوره ــ يشكل تهديدا لاقتصادنا ومستقبله، وبالتالي من المهم أن نحلل هذه التطورات ونحدد حقيقة وحجم تهديدها لمستقبل اقتصادنا.
ولنبدأ بتوضيح أن التهديد الذي نواجه لا يكمن في إنتاج النفط، فلدينا ــ والحمد لله ــ بحار من هذه السلعة، إذ أكرمنا الله بأكبر حقول للنفط على اليابسة وتحت مياه الخليج، وتقدر الكميات التي تحتويها هذه الحقول بأكثر من مئتين وخمسين مليار برميل، أو ما يكفي لإنتاج عشرة ملايين برميل في كل يوم لحوالي سبعين عاما، وهذا بدون أي اكتشافات أو إضافات جديدة، وبما أننا سنويا نكتشف المزيد من النفط والحمد لله، فهذا يعني أنه فعلا لدينا ما يكفي لإنتاج مئة عام ــ بإذن الله، وأعتقد أن هذا يكفي لكي لا نفكر في نضوب النفط أو توقف الإنتاج، فهذا احتمال جدا بعيد والحمد لله، وبالتالي لا داعي للخوض فيه.
ولكن، وإن كان التحدي الذي نواجه لا يكمن في نضوب النفط، إلا أنه يكمن في سعر النفط وفي استخدامه، فلقد كان النفط موجودا منذ عهد الفراعنة، وكان مستخدما لديهم، ولكن لم تكن له قيمة تذكر، واستمر هذا الوضع إلى ما بعد الثورة الصناعية والتحول من الفحم إلى النفط، إلا أن أسعاره ظلت منخفضة، واستمر برميل النفط يباع بأقل من دولار وإلى إنشاء أوبك في عام 1960، وإلى حرب العاشر من رمضان في عام 1973 ظل سعر البرميل لا يتعدى بضعة دولارات، وبالتالي، فإن إنتاجنا من النفط لن يسوى كثيرا إن انهارت أسعاره ــ لا سمح الله، وبما أن اقتصادنا ورفاهية مجتمعنا ما زالت معتمدة على إيرادات النفط، فإن مثل هذا الانهيار في الأسعار ستكون له عواقب وخيمة ــ لا سمح الله، ولكن هنا أيضا يبدو أن الاحتمالات ضئيلة لحدوث مثل هذا الانهيار في الأسعار، فصحيح أن هناك مخاوف من ظهور بديل جديد للنفط مثلما يقال عن النفط الصخري، ولكن منذ أن تربع النفط على ساحة الطاقة وهناك بدائل مختلفة تظهر، ومنها ــ على سبيل المثال ــ الطاقة الشمسية أو الرياح أو الطاقة الذرية أو الطاقة المستخرجة من الذرة وغيرها من المنتجات الزراعية، وجميع هذه البدائل ظهرت واختفت ولم تزح النفط من مركزه كالمصدر الأساسي للطاقة، وبالتالي فإنه مع وجود إمكانية لظهور بدائل مختلفة وأيضا ظهور تقنيات حديثة تساعد في تقليل الاعتماد على النفط، إلا أن هذه الاحتمالات ليست جديدة، بل كانت موجودة لعشرات السنين، ومن المتوقع أن تستمر لعشرات أخرى، فالعالم دوما يبحث عن مصادر جديدة للطاقة، وفي نفس الوقت فإن العلم يتقدم والتقنية تتطور بحيث يقل الاعتماد على النفط، ولكن مع تقديرنا لكل هذه التطورات، إلا أن النفط ظل المصدر الأساسي للطاقة، ومن المتوقع أن يظل كذلك بالرغم من وجود البدائل وتطور التقنيات.. والله أعلم.
بالتالي، فإن التحدي الذي نواجهه لا يكمن في نضوب النفط أو في ابتعاد العالم عنه وانخفاض سعره، وإن كانت هذه احتمالات قائمة، إلا أنها ليست احتمالات قريبة ــ والله أعلم، ولكن التحدي الفعلي الذي نواجه في طريقة استخدامنا لثروة النفط، فنحن ــ للأسف ــ ما زلنا نصدر نفطنا بشكل خام، كما كنا نفعل قبل سبعين عاما، ولا نستغل بشكل جيد إمكانيات تصنيعه واستخدامه في صناعات أخرى، وفي هذا زيادة في قيمته بأضعاف مضاعفة، كما أنه مجال لتوفير وظائف ذات دخول مرتفعة ومناسبة للمواطنين.
وبما أن مستقبل اقتصادنا ومستقبلنا مرتبط بالنفط، فإنه من المهم أن نحسن استخدام هذه الثروة ولا نهدرها في استهلاك داخلي لا يضيف شيئا يذكر لاقتصادنا، أو نضيع جزءا كبيرا من قيمتها عندما نصدرها في شكل نفط خام بدلا من أن نكرره أو نوجهه لإقامة صناعات ضخمة ومتعددة تقوم على الطاقة وعلى المنتجات البتروكيماوية، وبالتالي، فإنه مع تقديرنا لوجود ثروة ضخمة من النفط لدينا ويصعب تصور نضوبها، ومن المتوقع أن تجلب لنا إيرادات ضخمة في المستقبل، إلا أنه وبكل تأكيد نحن لا نستخدم هذه الثروة حاليا بالشكل الأفضل، وممكن ــ بإذن الله ــ أن نزيد من فوائدها وإيراداتها بأضعاف لو أحسنا استخدامها، وفي هذا مصلحة ورفاهية للوطن والمواطن ــ إن شاء الله.