مدينة صناعية جدة .. مرافق مهترئة وبؤر تلوث

«عكاظ» تفتح ملف المدن الصناعية السعودية «1»

مدينة صناعية جدة .. مرافق مهترئة وبؤر تلوث

جولة: حمدان الحربي ـ جدة

تظل تنمية الصناعة السعودية للمساهمة في تحقيق هدف تنويع مصادر الدخل خيارا استراتيجيا لا حياد عنه.
ولأن المدن الصناعية في المناطق هي الأساس الذي تنطلق منه التنمية الصناعية، كان علينا أن نبحث عن أحوال تلك المدن لمعرفة حالة الصناعة لدينا ومدى قدرة المصانع على تحقيق الاستراتيجية الصناعية التي وضعتها الدولة، وبحث المعوقات التي تعترض سبيل انطلاق المصانع والصناعيين.
اللافت أننا حينما بحثنا هذا الأمر مع عدد من الصناعيين وكان سؤالنا الأساس لهم: «ما الصعوبات والمعوقات التي تواجه الصناعة السعودية؟»
فوجئنا بقائمة من الصعوبات لها بداية ولكن لم نستطع الوقوف على نهايتها، بدءا من البنية التحتية المتردية في المدن الصناعية، طول الدورة الإجرائية للحصول على التراخيص اللازمة لكثرة الاشتراطات، ضعف الدعم، خصوصا للمصانع الصغيرة، وصعوبة الحصول على تمويل من البنوك لكثرة الاشتراطات المطلوب توافرها للرهون، صعوبة الحصول على عمالة.
ولفت الصناعيون إلى أنه رغم كثرة المعوقات فإن الصادرات السعودية غير البترولية، ومعظمها منتجات صناعية استطاعت، وفقا لتقديرات مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما»، أن تصل قيمتها في العام 2010 م إلى 124 مليار ريال، بزيادة نسبتها 14 في المائة عن العام السابق.
بعد أن سمعنا هذا الكلام قررنا أن نبحث عن أسباب الخلل، من خلال إجراء مسح ميداني للمدن الصناعية في مختلف مناطق المملكة على الطبيعة. وكانت نقطة البداية من المدينة الصناعية الأولى في جدة والوقوف على الإشكالات، التي يتحدث عنها الصناعيون، على أرض الواقع لنقل صورة حية لما هو حاصل.
انطلقنا، زميلي المصور وأنا، صوب المدينة الصناعية الأولى في جدة، التي أنشئت قبل 37 عاما، وبالتحديد عام 1393 هـ «الموافق 1973م»، على خمس مراحل، بداية من المرحلة الأولى التي تبلغ مساحتها نصف مليون متر مربع إلى أن تجاوزت المساحة الكلية للمدينة الصناعية 12 مليون متر مربع، تحتضن 552 مصنعا يعمل فيها 80 ألف عامل، وتجاوزت استثمارات تلك المصانع 25 مليار ريال.





كنا نتوقع أن نشاهد مدينة صناعية مثالية قياسا بعمرها الزمني، لأنها تجاوزت سن النضج، لكن الحقيقة على الأرض كانت غير ذلك.
بعد أن وصلنا إلى المدينة الصناعية الواقعة على طريق جدة ــ الليث، دخلنا من البوابة الشرقية المؤدية إلى المرحلتين الرابعة والخامسة، واتجهنا مع السور المحيط بالمدينة إلى أن اقتربنا من محطة معالجة مياه الصرف الصحي، لفت انتباهنا وجود برك وبحيرات مياه آسنة اتضح أن مصدرها قنوات تصريف مياه الأمطار والسيول، التي تستغل في الصرف الصحي، الأمر الذي نتج عنه تشكل تجمعات مائية ملوثة ونمو الأشجار حول تلك القنوات وتهدم في جوانب تلك القنوات وتحولها إلى مكب للنفايات.
الأمر الآخر أن المياه الآسنة المتجمعة في تلك القنوات تنبعث منها روائح كريهة، وأصبحت تلك القنوات مرتعا للبعوض الناقل لكثير من الأمراض وفي مقدمتها المرض الذي أصبح مستوطنا لجدة حمى الضنك، ما يعني التأثير على العاملين في المدينة والمارين بالقرب منها وحتى على مدينة جدة نفسها.
مصانع تحولت إلى مستودعات
ما أن تعمقنا في طرقات المدينة حتى لفت انتباهنا مبنى حديدي من طابقين يسكنه الهدوء، تتصدره بقايا لوحة قديمة.. زجاج المبنى بعضه مكسور، لا تبدو على المبنى أي آثار أن المبنى فيه عمال.
رأيت أحد الأشخاص سألته: هل هذا المبنى لمصنع متعثر أو يواجه مشكلات؟
أجابني: لا أعلم؟.
لكنه، بعد بحث وأخذ ورد، قال «إن عملهم موسمي وأن المبنى كان لمصنع فيما سبق وأنه الآن يستفاد منه كمستودع لتخزين البضاعة، الأمر الذي يجعلنا نتساءل: هل نحن في مدينة صناعية أم مدينة مستودعات؟
أخطاء المقاولين تعطل مصانع الأدوية
تحركنا قليلا، غير بعيد، لنجد أحد المصانع تحت الإنشاء، لكنه متوقف عن استكمال أعمال الإنشاء فيه، لفتت انتباهي لوحة جانبية مكتوب عليها «مصنع للأدوية»، وتحتها مكتوب رقم هاتف، اتصلنا عليه لنحصل على رقم صاحب المصنع، الذي أخبرنا أن السبب الرئيس في توقف أعمال البناء هو الأخطاء التي ترتكبها المكاتب الهندسية وعدم تأدية عملها بأمانة، وكذلك عدم نزاهة المقاولين ونصبهم وجشعهم، مضيفا أنه كان ضحية لهذه الأخطاء، ولم يجد أمامه سبيلا إلا الشكوى ليدخل في متاهة جديدة.
حفر وشوارع ترابية
رغم مضي قرابة الأربعة عقود على إنشاء المدينة الصناعية الأولى في جدة، إلا أن بعض شوارعها لم تصلها السفلتة حتى الآن، لكن الجميل في هذه الشوارع أن أعمال الحفر فيها على أشدها، ليتم الانتهاء من كافة الحفريات قبل سفلتة تلك الشوارع، لكي لا تصبح مثل بقية شوارع المدن السكنية التي تتم سفلتتها اليوم وتحفر غدا، لتتم سفلتتها مرة أخرى، وهكذا دواليك، حفر وسفلتة وسوق رائجة لأصحاب ورش صيانة السيارات.
لوحات الكهرباء تفتقد الأمان
في أماكن مختلفة من المدينة شاهدنا بعض محطات توزيع الكهرباء ولوحاتها، التي تفتقد للأمان بشكل كبير فبعضها مفتحة أبوابها على مصراعيها، ما يجعلها مصدرا لخطر كبير يتهدد المارة بالموت صعقا، في حين أن هناك بعض محطات التوزيع غير محكمة الإغلاق وأبوابها يمكن كسرها بسهولة.
عمالة تحت الطلب
قبل أن نغادر الجانب الشرقي من المدينة الصناعية شاهدنا تجمعا لعمالة غير نظامية تعرض خدماتها لتعويض النقص الحاصل نتيجة أو غياب بعض عمال المصانع أو للقيام بأعمال تحميل أو تنزيل، فإذا كنت صاحب مصنع وتحتاج عمالة إضافية، فما عليك إلا أن تأتي قرب المطاعم وستجد طلبك على الفور في انتظارك.
نفايات تنذر بحرائق
ما أن انتقلنا إلى الجانب الآخر من المدينة الصناعية حتى وجدنا بين المنطقة المخصصة لتسكين العمالة، مساحات كان الأولى بها أن تتحول إلى مساكن لكنها تحولت إلى مرام للنفايات، التي معظمها نفايات خشبية ومخلفات بناء وهو ما يعني سهولة اشتعال الحرائق فيها.
صيانة الطرق في وقت الذروة
وما يصدم ناظريك وأنت تقطع طرق المدينة، وجود بعض العمال الذين يحفرون في الطريق ويشقون الأسفلت في وقت ذروة الحركة المرورية في المدينة الصناعية قرب آذان الظهر، دون اتخاذ أي من الإجراءات الوقائية التي تفصلهم عن حركة السير أو تحميهم من احتمال تعرضهم للحوادث، ومع ذلك لا يكترثون بحركة السيارات حولهم دون وجود ساتر أو علامة تنبيه لقائدي السيارات.