الانضمام لمنظمة التجارة العالمية .. الأرباح والخسائر

بعد 4 سنوات من الانضمام .. عكاظ تفتح الملف

الانضمام لمنظمة التجارة العالمية .. الأرباح والخسائر

حسن باسويد ـ جدة

مرت أربع سنوات من انضمام المملكة لمنظمة التجارة العاالمية WTO، واحتفلنا بالذكرى السنوية الخامسة لتوقيع اتفاق انضمامنا لمنظمة التجارة العالمية الذي تحقق في 11 ديسمبر 2005م، لتصبح المملكة العضو 149 في النظام التجاري العالمي. ماذا حقق لنا انضمام المملكة إلى تلك المنظمة التي جسدت الشق التجاري في منظومة العولمة الكونية؟ ما المكاسب التي جنتها المملكة من ذلك الانضمام؟ وهل ما تحقق خلال السنوات الخمس من مكاسب إن كان هناك مكاسب يعادل أو يتوازى مع التوقعات أو ما نصبو إليه بعد ماراثون المفاوضات الشاقة للانضمام للمنظمة، بعبارة أخرى ما الإنجازات التي تحققت وما الإخفاقات التي وقعت؟ «عكاظ» فتحت ملف انضمامنا لمنظمة التجارة، وقلبت صفحاته لنطلع على ما تحقق على مدى السنوات الماضية بعد الانضمام إليها.
المشاركون في الملف لم يتفقوا على رأي واحد بشأن المكاسب والخسائر، لكننا نعرض الصورة كما وردت بدون رتوش:ص


ثمار الانضمام
الورقة الأولى في هذا الملف تبدأ من الدكتور فواز عبد الستار العلمي الحسني، وكيل وزارة التجارة والصناعة سابقا رئيس الفريق الفني التفاوضي الذي قاد الفريق التفاوضي السعودي للانضمام للمنظمة، الذي دافع عن انضمام المملكة للمنظمة التجارةالعالمية وعدد المكاسب التي تحققت من الانضمام، والتي برأيه جنى ثمارها المواطن والمقيم والاقتصاد السعودي بشكل عام، وبدأ العلمي في رصد تلك المكاسب، سواء كانت مكاسب مادية أو معنوية وخدمية، قائلا:
بعد إسدال الستار على أطول جولات المفاوضات التي خاضتها المملكة منذ تأسيسها وأكثرها تعقيدا وأشدها ضراوة، نحتفل في هذه الفترة بالذكرى السنوية الخامسة لتوقيع اتفاق انضمامنا لمنظمة التجارة العالمية الذي تحقق في 11 ديسمبر 2005م، لتصبح السعودية العضو 149 في النظام التجاري العالمية، ولقد جاء هذا النجاح تتويجا لمسيرة الإصلاح الاقتصادي التي دشنها الملك عبدالله بن عبدالعزيز قبل عشرة أعوام، والتي لا زالت هدفنا الطموح لتحقيق المراكز العالمية المتقدمة بين دول القرية الكونية في كافة المجالات، من خلالها تم إنشاء عدة مجالس اقتصادية متخصصة وثماني هيئات تنظيمية، بالإضافة إلى إعادة هيكلة عدد من الوزارات وإصدار 44 نظاما جديدا كان آخرها نظاما القضاء وديوان المظالم.
وأضاف «واليوم تفتخر المملكة بتحقيق أفضل النتائج المرموقة في توطين رؤوس الأموال وتوفير المزيد من الثقة للمستثمرين، لتتربع المملكة على المركز الأول بين الدول العربية في جذب الاستثمار الأجنبي، والمرتبة 12 بين أكبر دول العالم في الصادرات والمرتبة الثامنة في سهولة تنفيذ الأعمال والمرتبة 11 في التنافسية العالمية، وذلك نتيجة لتضافر جهود الأجهزة التنفيذية مع الهيئة العامة للاستثمار في برنامجمها الطموح والهادف إلى تبسيط إجراءاتنا الحكومية وإعادة ترتيب أولوياتنا الملحة مما أدى إلى تحسين بيئتنا الاستثمارية بشقيها المحلي والأجنبي والارتقاء بأسواقنا إلى مرتبة العشر الأوائل في التنافسية العالمية بنهاية عام 2010م.
لم تبخل مسيرة خادم الحرمين الشريفين في دعمها التشريعي والمادي والمعنوي للأجهزة الحكومية، كل ما اقترحناه من إصلاحات تم الأخذ بها وتحقيقها وجميع ما طالبت به أجهزتنا الحكومية من قرارات وأنظمة تم اعتمادها وإقرارها، حتى انضمامنا لمنظمة التجارة العالمية جاء قبل خمسة أعوام، ليؤكد مرة أخرى أن السعودية لن تتنازل عن مبادئ اقتصاد السوق أو تتراجع عن تعاملات التجارة الحرة، خصوصا أن نسبة تجارتنا الخارجية غدت تفوق 70 في المائة من إجمالي ناتجنا المحلي لتضاهي الدول العريقة في أساليب التجارة العالمية. بفضل هذه الإصلاحات الاقتصادية، أصبحنا نتبوأ مركزا مرموقا في مجموعة العشرين.
وقبل أيام احتفلنا بنتائج مسيرتنا الباهرة لنتربع أعلى مكانة بين أسرع دول المعمورة الناهضة اقتصاديا، ومن أفضلها جذبا للاستثمارات الأجنبية، تفوقت السعودية على فرنسا، النمسا، الكويت، والإمارات لتؤكد مرة أخرى مدى استفادتنا من عضوية منظمة التجارة العالمية في توفير المناخ الملائم للمستثمرين وتسهيل أعمالهم وتحقيق طموحاتهم.
في هذه الأيام نحتفل أيضا بانخفاض تكاليف الاتصالات بحدود 65 في المائة عما كانت عليه قبل خمس سنوات، نتيجة اشتداد المنافسة القائمة بين شركات الهاتف الجوال لكسب ود المستهلك. واليوم نفتخر بمبادرات خادم الحرمين في دعم ابتعاث أكثر من 100 ألف طالبة وطالب للتعليم العالي في مختلف الجامعات العالمية المرموقة، وإنشاء الجامعات الأهلية والكليات والمعاهد الخاصة، كما نحتفل اليوم مع وزارة التجارة والصناعة التي سجلت خلال العام الماضي فقط أكثر من 242 شركة أجنبية و388 شركة سعودية ــ أجنبية مختلطة، و48 فرعا لشركات أجنبية مساهمة، إلى جانب تسجيل 11600 علامة تجارية، تشكل ضعف ما تم تسجيله قبل انضمامنا لمنظمة التجارة العالمية.
واليوم أيضا نحتفل بنمو الصادرات السعودية غير النفطية بنسبة 22 في المائة سنويا نتيجة انفتاح الأسواق العالمية على منتجاتنا الصناعية، ونراقب بسعادة بالغة ارتفاع عدد الشركات العاملة في قطاع النقل الجوي إلى ثلاث شركات وزيادة عدد شركات الخدمات المالية المختلفة من 11 إلى 92 شركة، منها 56 شركة تعمل في مجال الاستثمار، وأكثر من 27 شركة في مجال التأمين التعاوني.
الدور الذي تؤديه المملكة ومسؤولياتها تجاه الاقتصاد العالمي، والذي أملته في السابق مكانتها الفريدة كأكبر منتج ومصدر للنفط في العالم، لم يعد المعيار الوحيد لنجاح المملكة عالميا، بل كان لمسيرة الإصلاح الاقتصادي المفعمة بالنشاط والحيوية، وعضويتها الفعالة في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية أبلغ الأثر في نجاحنا على صعيد العالم أجمع.
الصورة ليست وردية
الورقة الثانية في الملف ليست الصورة فيها بنفس النصاعة التي رسمها الدكتور فواز العلمي لانضمام المملكة لمنظمة التجارة، فالمراقبون يرون أن الصورة ليست كلها ورود وإنما فيها أشواك أيضا.
فالاقتصادي فضل بن سعد البوعينين يرى أنه «على الرغم من أهمية الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، إلا أن مزايا والتزامات الانضمام يرتبطان بنوعية العلاقة التجارية التي تربط المملكة بدول العالم من جهة، وقدرتها على مواجهة تحديات الانضمام بكفاءة عالية تجعل فائدة ومزايا الانضمام لمنظمة التجارة العالمية أكبر بكثير من الأضرار المتوقعة.
فنوعية العلاقة تعتمد في الأساس على حجم الصادرات والواردات ونوعيتها، وفيما يتعلق بحجم الصادرات نجد أن الميزان التجاري يسجل فائضا مع دول العالم الأخرى، وهذا أمر جيد، إلا أن نوعية الصادرات تتشكل من النفط في الدرجة الأولى وبنسبة تقارب 90 في المائة من مجمل الصادرات، في الوقت الذي تستحوذ الصادرات الأخرى على 10 في المائة تقريبا، وهنا تكمن المشكلة. فالنفط غير محم بأنظمة التجارة العالمية، وهو مهدد في أي وقت بوضع ضرائب حمائية عليه لأسباب بيئية، وهو المدخل الذي تحارب منه الدول الغربية دول النفط، وقياسا على هذا الجانب أجد أن منظمة التجارة العالمية لا تقدم الحماية الكافية لأهم صادراتنا في الوقت الذي تحمي فيه صادرات الآخرين إلينا، وهنا تكمن المشكلة.
وعلى غرار النفط، تشكل الصادرات البتروكيماوية النسبة الأكبر من مجمل الصادرات غير النفطية السعودية للخارج، ومع ذلك نجد أن الصين والهند وتركيا تجرأت على فرض رسوم حمائية على منتجات الشركات البتروكيمائية السعودية المصدرة إلى الخارج، وبغض النظر عن الأسباب، إن كانت قانونية أم لا، إلا أنها تبقى في النهاية أضرارا مباشرة تعرض لها قطاع الصادرات لأسباب متعلقة بقوانين منظمة التجارة العالمية، قد يلغي التقاضي للمنظمة هذه الرسوم، إلا أننا وخلال عامين لم نجد إلا مزيدا من الرسوم وليس الإلغاء، وهذا هو المحك.
فيما يتعلق بفتح السوق، لا يمكن الجزم بتحقيق التنافسية للمصلحة الوطنية، إلا أن تكون شركاتنا المحلية على مستوى عال من الكفاءة والتنافسية العالمية من جهة، وأن تكون لدينا الاستراتيجية الشاملة التي يمكن من خلالها تحقيق الاستفادة القصوى من فتح السوق للمنافسين، والاستثمارات الأجنبية من خلال دعم الاقتصاد، نقل التقنية، خلق الوظائف، القضاء على البطالة، وتحسين دخل الفرد، فإن لم تتحقق تلك الأهداف فلا يمكن التباهي بوجود الاستثمارات الأجنبية بيننا.
هناك جانب إيجابي في التنافسية، وهو دفع الشركات الوطنية لتحقيق جودة الإنتاج بمواصفات عالمية تضمن لها المنافسة في الأسواق، ومتى تحقق ذلك تكون الإيجابية قد تحققت في بعض جوانبها.
التعامل مع أنظمة منظمة التجارة العالمية لم يكن بالأمر الهين، خصوصا لشركات وطنية لم تكتسب الخبرة الكافية في الأسواق العالمية والتمرس في القضايا التجارية، وهو ما أدى إلى تورط بعض الشركات في قضايا تجارية غير عادلة، لذا أعتقد ــ والكلام للبوعينين ــ أن الإيجابية الكاملة لانضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية إن وجدت، فتحقيقها يبقى مرتهنا بقدرة قطاعات الإنتاج على التعامل معها بكفاءة تضمن لها تحقيق مزايا قوانين الأنظمة، وتستفيد أيضا من حماية أسواقنا بأنظمة التجارة العالمية، وهو أمر لم يحدث بعد، فالسوق السعودية باتت مفتوحة للجميع، يمارس فيها الإغراق التجاري، وتصدر لها البضائع المقلدة والمسرطنة والتي لا يسمح بدخولها الدول الغربية، دون أن تجد الجهات المسؤولة لدينا الأدوات الكفؤة لوقف تلك التجاوزات. هناك قوانين في أنظمة التجارية العالمية تحقق الحماية الجيدة لقطاعات الإنتاج المختلفة ومنها العمل بنظام «الكوتا»، واستكمال المواصفات والمقاييس السعودية واستغلالها لمواجهة دخول البضائع غير المتوافقة معها واستخدام نظام الروزنامة، وأمور أخرى كثيرة تساعد على حماية السوق المحلية وفق أنظمة التجارة العالمية. أعتقد أن رفع معدلات الثقافة بأنظمة التجارة العالمية، وافتتاح مركز متخصص لتحقيق ذلك الهدف، ونشر تلك الثقافة في قطاعات الإنتاج، والقطاعات الرسمية سيساعد كثيرا في تحقيق الإيجابية.
أعتقد أننا وبعد خمس سنوات من الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية لم نصل بعد حد القول بتحقيقنا الأهداف الوطنية، بل إنني أرى أن التزاماتنا تجاه التجارة العالمية تفوق بكثير الامتيازات التي حصل عليها قطاع الإنتاج؛ وهذا لا يمنع التفاؤل بتحقيق الاستفادة الكلية مستقبلا، فالبدايات تكون صعبة في الغالب.
وبرأي البوعينين، يبقى تحقيق الاستفادة مرتهنا بتطوير قطاعات الإنتاجيات، زيادة الصادرات غير النفطية، رفع تنافسيتها في الأسواق العالمية، وتحقيق الاستفادة القصوى من الاستثمارات الأجنبية في خلق الوظائف ونقل التقنية وتوطينها وفتح قطاعات إنتاجية جديدة تحقق الأهداف التنموية الداعمة للاقتصاد الوطني.
الاقتصاد الوطني ككل
استفاد الاقتصاد الوطني من الأنظمة والقوانين والتشريعات التي وضعت تماشيا مع متطلبات منظمة التجارة العالمية، وهذه دون أدنى شك من الانعكاسات الإيجابية والداعمة لحركة الاقتصاد، خاصة فيما يتعلق بالاستثمار الأجنبي.
الصادرات غير النفطية
يفترض أن تساعد أنظمة التجارة العالمية على فتح الأسواق الأجنبية للصادرات السعودية، إلا أن الصادرات غير النفطية لم تصل بعد الحجم المقلق للدول الأخرى ما يجعل الفائدة تقل في هذا الجانب، ومع ذلك يمكن أن تستفيد الصادرات البتروكيماوية من أنظمة التجارة العالمية، إلا أنه ولأسباب مختلفة لم تستفد صادراتنا البتروكيماوية من المنظمة، بل ربما أنها تضررت كما حدث لها في الهند والصين وتركيا، وربما أن السبب ليس في القوانين والأنظمة بل في التعامل معها من الجانب السعودي.
مستوى الخدمات
لم يتغير شيء البتة، فالتغير الأكبر والدعم وجه للاستثمار الأجنبي، أما الاستثمار المحلي فقد تضرر كثيرا لأسباب متفرقة، ومن هنا نطالب أن تتوحد المزايا المقدمة لقطاعات الإنتاج على المحورين الأجنبي والمحلي تحقيقا للعدالة ووصولا إلى الوطنية التي يفترض أنها كانت موجودة حين مناقشات الانضمام.
مكانة المملكة الاقتصادية
تحسين المملكة لبعض الأنظمة وتطويرها بما يتوافق مع المتطلبات العالمية ساعد في تحول المملكة إلى بيئة جاذبة للاستثمار الأجنبي وهو ما ساعدها في احتلال المرتبة 11 في التنافسية العالمية، وهذا دون أدنى شك مركز متقدم مقارنة بالمنافسة الحادة من دول أكثر تمرسا في هذا الجانب.
هيمنة الدول الكبرى
ومن وجهة نظر الباحث الاقتصادي محمد سعد القرني فإن المنظمة تمثل شكلا من أشكال الاستعمار المنظم وهيمنة الدول الكبرى، خاصة أمريكا على الاقتصاد العالمي بشكل عام وسحق الدول الفقيرة وتعجيزها عن أن تحقق مطالب ومعايير الانضمام لمنظمة التجارة العالمية التي أملتها أمريكا وصاغتها بما يتوافق مع ثقافتها ومتطلباتها وأنظمتها وما يتوافق مع مصالحها في المقام الأول، فهي الكاسب الأكبر في هذه اللعبة الاقتصادية الاستعمارية، ــ في نظره ــ دون مراعاة لخصوصيات الدول أو حقها في التحفظ المطلق على بعض المعايير التي وضعتها المنظمة كمتطلبات للانضمام لها، بل هي أقرب ما تكون إلى العودة بالاقتصاد إلى نظام الإقطاع لكن في ثوب جديد.
ويضيف أنه على مستوى الاقتصاد الوطني، فالمتتبع لوضع سوق الأسهم على سبيل المثال خلال الخمس سنوات الماضية كأحد المعايير التي يراها الآخر لتقييم الوضع الاقتصادي في المملكة، يرى سوقا محبطة للمستثمر، فالسوق تراوح في مسيرة أفقية إلى متراجعة رغم الوضع الاقتصادي المثالي للمملكة ورغم تزايد الاحتياطي النقدي للمملكة وتخفيضها للدين العام ووفرة السيولة، فأرقام الإنفاق العام التي تعلن في الموازنات العامة للمملكة خلال الميزانيات الخمس الأخيرة المتنامية لم يسبق لها مثيل في تاريخ المملكة، ما يزعزع الثقة في سوق الأسهم في المملكة كأحد معايير الاستثمار الأجنبي. وتأكيدا لهذا ما أعلن من تراجع في قيمة التداول خلال السنة الماضية (2010) بنسبة 40 في المائة عنه في السنة التي قبلها (2009) وخروج السيولة من سوق الأسهم.
أما بيئية الاستثمار الأجنبي، فعلى الرغم من التسهيلات الحكومية الكبيرة المقدمة للمستثمر الأجنبي في إنهاء متطلبات القيد في السجل التجاري وإنها متطلباته القانونية في مكان واحد وفي زمن قياسي، إلا أن الكثير من الاستثمارات الأجنبية تعطلت أو أصبحت موضع إشكالات قضائية وقانونية، وتعثرت بسبب تلك الإجراءات الروتينية التي لم تواكب التسهيلات الإجرائية الكثير من الاستثمارات، فالتسهيلات التي تمت لإنجاز متطلبات تسجيل الشركات الأجنبية لا تكفي لكي نقول أن البيئية الحاضنة للاستثمار الأجنبي لدينا أصبحت مكتملة الأركان الجاذبة، وأنها أصبحت بيئة مثالية يقصدها رأس المال الأجنبي بقوة، رغم المحفزات الكبيرة للمستثمر الأجنبي في المملكة من الناحية الأمنية والاقتصادية، خاصة في مجال الصناعات البتروكيميائية والنفطية بشكل عام وغيرها من الفرص المتاحة الأخرى.
أما القطاع الزراعي كأحد القطاعات التي تحفظت المملكة بشأنه عند التوقيع على الاتفاقية لسنوات من تاريخ التوقيع، فالمتتبع لوضع النشاط الزراعي في المملكة يلمس أنه وبعد أن كانت المملكة أداة في سوق تصدير القمح في منتصف الثمانينيات الميلادية وحصلت في ذلك الحين على جوائز دولية عدة تراجع الإنتاج الزراعي، إلى أن أصبحت المملكة مستوردا من جديد للقمح وغيره من المنتجات الزراعية، وتحولت بعض شركات المساهمة الزراعية إلى شركات صناعية وشركات تنمية، وتم إيقاف تداول إحدى الشركات الزراعية منذ سنوات لفشلها، ما يؤكد أن القطاع الزراعي غير مجد في المملكة وغير محفز للمستثمر الأجنبي وأن التحفظ السعودي في الجانب الزراعي غير مؤثر على وضع الزراعة في المملكة.
ولاشك أن قطاع التأمين تطور في المملكة إلا أنه تطور مشوب بحذر؛ لعدم توافق الكثير من أنظمة التأمين مع الثقافة المحلية، وهو قطاع هش وشركاته شركات ضعيفة يسهل السيطرة على أسهمها بسهولة ويسهل التأثير على أسعارها بسهولة لا تعكس واقعها الربحي في المملكة، كما أن الخدمات التي تقدمها شركات التأمين ضبابية وغير شفافة وغير مواكبة لتطلعات السوق السعودية.
أما القطاع البنكي فهو يتطور تطورا حذرا في المملكة، خصوصا في ظل ما تعرضت له أسواق المال من جراء الأزمة المالية العالمية، ولا شك أن البنوك المحلية تأثرت بتلك الأزمة، إلا أن السياسات النقدية التي اتبعت في المملكة حالت دون التأثير الكبير لتلك الأزمة العالمية على سوق المال السعودية التي تشهد تحولا إلى الصيرفة الإسلامية، التي أشادت بها الكثير من دول العالم وأصبحت راغبة في نهج المنهج الإسلامي في القطاع المصرفي لثبوت جدواه.
ويقترح الباحث القرني التدخل الحكومي لإجراء اندماج بين البنوك المحلية وشركات التأمين ورفع رؤوس أموالها، لمواكبة الوضع العالمي الذي لن يرحم البنوك أو الشركات والمنشآت الصغيرة.
كما يقترح تحسين البيئة القانونية والقضائية والكثير من الخدمات البنكية وتطوير الكثير من الأنظمة ذات العلاقة بالمقاولات والاستثمار، مشيرا إلى أن من أهم ما يجب العناية به خدمات النقل وتوسيع قدرات وسائط النقل الحالي بما يواكب الوضع المرتقب بعد سنوات من الآن، والنظر في وضع سوق العقار الذي قفزت أسعاره قفزات خيالية غير محفزة للمستثمر الأجنبي.