يا «كبيكج»

إبراهيم عبدالله مفتاح

قبل معرفتنا لوسائل المعمار الحديثة من أدوات النقوش الجبسية ودهانات «البويا» المختلفة الألوان والمسميات والشركات الصانعة أو المستوردة ولوحات الإعلانات الطويلة العريضة التي تفنن الخطاطون والفنانون في تصميمها ونصبها على واجهات المعارض والمحلات التجارية دعاية لجودتها وترويجا لبيعها.. أقول: كانت منازل جزيرتي «فرسان» ــ قبل أن نعرف هذه الأشياء ــ تزهو بأناقة مبانيها الحجرية التي تتباهى بطلاء الجص الناصع البياض المستخرجة صخوره ــ قبل طحنها ــ من مواقع معروفة باقية إلى اليوم كما تزهو بأخشابها العالية الجودة التي كان يجلبها أهل هذه الجزيرة من عدن ــ عندما كانت ميناء حرا مفتوحا ــ بواسطة سفنهم الشراعية.. أقول: إن أكثر ما كان يضايقني هو تلك الكتابات المخطوطة بـ«القطران» ــ بخط رديء ــ في أعالي زوايا تلك المنازل «يا كبيكج أحبس الأرضة» بل والأدهى من ذلك ــ في بدايات تعلمي للكتابة ــ أنه كان يطلب مني أن أقوم بكتابة تلك العبارة بمسواك من أعواد أشجار الأراك وكنت ــ رغم عدم ارتياحي لذلك ــ ألبي ما يطلب مني تباهيا باختياري لهذه المهمة رغم حداثة سني.
في تلك الأيام لم تكن المبيدات الحشرية موجودة، وكان الناس يعتقدون أن هذه العبارة «يا كبيكج أحبس الأرضة» تمنع هذه الدودة من نسج حبالها الطينية أو الترابية على جدران المنازل وتتسبب في إتلاف الكثير من المقتنيات بما في ذلك الكتب والوثائق والمستندات، ولما شبيت عن الطوق بدأ يطرق ذهني سؤال عن سر اختيار هذه العبارة وكتابتها على جدران المنازل، ومن خلال تساؤلي كانت معظم الإجابات تميل إلى أن هذا الاسم من الأسماء التي يتعامل بها المشعوذون مع الذين يلجأون إليهم، وكنت أحد المؤمنين بهذه الخرافة إلى أن جاء اليوم الذي كنت ــ من باب الصدفة ــ أقلب فيه صفحات العدد 50 من مجلة «أحوال المعرفة» الصادر في شهر محرم 1429 هـ الموافق لشهر يناير عام 2008 م لأجد بحثا طويلا للباحث إبراهيم عبد العزيز اليحيى تحت عنوان «ماذا تعرف عن الكبيكج ؟» وفيه يقول: من واقع عملي في مجال فهرسة المخطوطات في خزانة مكتبة الملك عبد العزيز العامة في الرياض فقد وقعت عيناي على كلمة «كبيكج» مكتوبة على صفحة العنوان ــ في بعض الكتب ــ «يا كبيكج احفظ الورق» ثم يعرف ذلك بقوله: «الكبيكج» ــ بفتح الكافين ــ ليس طلسما من الطلاسم بل هو نبات له عند الصيادلة والأطباء خواصه المعروفة.. منه استفاد أهل الكتب ــ قديما ــ في تبخير مخطوطاتهم من أجل هروب القوارض عن مخطوطاتهم وهو سبب للعناية بالمخطوط. ثم أورد له تعريفات «للرازي» و «جالينوس» و «الخوارزمي» و «ابن سينا» و «ابن البيطار» وآخرين منهم الملك «المظفر الغساني» والسخاوي وغيرهم.
وهنا خطر ببالي قوارض المال العام في مدينة جدة فتمنيت لو أن لي شيئا من الأمر لكتبت على كباري وأنفاق جدة وشوارعها ومشروعات الصرف الصحي فيها وأشياء أخرى «يا كبيكج احفظ جدة» لتستعيد شبابها وأناقتها وتصبح كما أراد لها عشاقها عروس البحر الأحمر.


للتواصل إرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو زين 737701 تبدأ بالرمز 101 مسافة ثم الرسالة