كعبة القرامطة في الجش وليس الأحساء
الخميس / 30 / جمادى الآخرة / 1432 هـ الخميس 02 يونيو 2011 21:39
محمد العنزي ــ الدمام
لم يكتب في تاريخ المسلمين يوم أسود مثل ذلك اليوم، الذي دخل فيه عدو الله أبو طاهر القرمطي، مكة المكرمة، على رأس جيش قيل إن عديد 900 جندي، فلم يرعَ ذلك الزنديق حرمة المكان ولا الزمان، فدخل في يوم عظيم ومهيب من أيام الله تعالى، (يوم التروية) في الثامن من ذي الحجة من عام 317هـ، فاستباح المسجد الحرام، ودماء ضيوف الرحمن، فقتل الحجيج في صحن الكعبة المشرفة، قتلا ذريعا وفي فجاج مكة وفي داخل البيت الحرام، فخلع باب البيت، وطرح القتلى في بئر زمزم ودفن الباقين في المسجد الحرام، حيث دفنوا بغير كفن، ولا غسل، ولا صلى عليهم أحد، وقيل إن عديد تلك المجزرة تجاوز الـ(30 ألف قتيل)، وأخذ كسوة البيت فقسمها بين أصحابه، ونهب دور أهل مكة، وأصعد رجلا ليقلع الميزاب فسقط فمات، فيئس من الميزاب، فاقتلع الحجر الأسود من الكعبة الشريفة، وصعد على عتبة الكعبة وأخذ يصيح: «أنا بالله وبالله أنا .. يخلق الخلق وأفنيهم أنا».
الليالي العشر
لم يرع عدو الله أبو طاهر القرمطي يوما عظيما من أيام الله تعالى، وهي التي أقسم بهن الله في قوله تعالى «والفجر وليال عشر» أما الفجر فمعروف، وهو: الصبح. قاله علي، وابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والسدي. وعن مسروق، ومجاهد، ومحمد بن كعب: المراد به فجر يوم النحر خاصة، وهو خاتمة الليالي العشر، أما الليالي العشر: المراد بها عشر من ذي الحجة؛ كما قاله ابن عباس، وابن الزبير، ومجاهد، وغير واحد من السلف والخلف. وقد ثبت في صحيح البخاري، عن ابن عباس مرفوعا: «ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيهن من هذه الأيام» -يعني عشر ذي الحجة- قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلا خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء».
سرقة الحجر الأسود
في ذلك اليوم الاثنين الثامن من شهر ذي الحجة (يوم التروية) وبينما الحجيج طواف في البيت الحرام، لم يشعر الحجاج إلا وقد وافاهم عدو الله، أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد حسن بن بهرام القرمطي الجنابي الأعرابي الزنديق، في جيش فدخلوا المسجد الحرام وأسرفوا في قتل الحجاج في الحرم، وردم بالقتلى (بئر) زمزم، وفعل أفعالا منكرة بالنساء، وبعد سبعة أيام من تلك المجزرة، جاء أبو طاهر بنفسه إلى الحجر الأسود فضربه بمطرقة مدببة الأطراف فكسره ثم قلعه بعد صلاة العصر من يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من ذي الحجة، وطلع رجل منهم البيت ليقلع الميزاب، فلما صار عليه سقط، فاندقت عنقه، فقال القرمطي: لا يصعد إليه أحد، ودعوه. فترك الميزاب، ولم يقلع، وقيل: إنه هلك في نقل الحجر تحته 40 جملا، فلما أعيد كان على قعود ضعيف فسمن؛ وقيل: إنه أراد أخذ المقام فلم يظفر به؛ لأن سدنة المسجد الحرام غيبوه في بعض شعاب مكة، فتألم بفقده، فعاد مكتفيا بالحجر الأسود.
كعبة مزيفة
وعاد عدو ألله أبوطاهر إلى بلده هجر في البحرين والمنطقة الشرقية وقيل منطقة الجش وتحديدا إلى القطيف، حيث بدأ أبو طاهر الجنابي في الإعداد لبناء كعبة، حتى يصد الناس عن الحج إلى البيت الحرام والتوجه إلى كعبته المزيفة لهدم الدين الإسلامي وتقويض عراه القوية، ووصل مع جيشه إلى قرية الجش في القطيف وذلك في حدود عام 318هـ، ولم تكن تعرف بذلك الاسم قديما، واختار أن يبني الكعبة على عين ماء وبناها بشكل دائري من الطين والحجارة القوية، وطلب من الناس أن يحجوا إليها بدلا من البيت الحرام، ومن يرفض يقتله، وبقيت كعبة القرامطة في قرية الجش 22 عاما والحجر الأسود موضوع عليها وسمي المكان بالكعبة، والعين بعين الكعبة، واحتفظت العين بهذا الاسم حتى يومنا هذا، فيما لا يزال بناء كعبة القرامطة موجودا وإن كانت عوامل الطبيعة والسنين قد أثرت فيه كثيرا فسقطت منها أجزاء تمثل 50 في المائة من بناء كعبة القرامطة.
أموال تبذل
وكان المنصور بن القائم بن المهدي راسل أحمد بن أبي سعيد القرمطي أخا أبي طاهر لأجل الحجر، وبذل له 50 ألف دينار ذهبا فلم يفعل، ويقال: إن بجكم التركي مدبر الخلافة ببغداد بذل كذلك للقرامطة على رد الحجر الأسود 50 ألف دينار، فأبوا وقالوا: أخذناه بأمر ولا نرده إلا بأمر. ولما يئست القرامطة من تحول الحج إلى الجش ردوا الحجر الأسود إلى محله سنة 339هـ، فكان مكثه عندهم 22 سنة، وذكر مثله المسبحي أيضا فقال: وكان مدة كينونة الحجر عند القرامطة 22 سنة إلا أربعة أيام.
للحجر علامة
وقال ابن أبي الدم في الفرق الإسلامية: إن الخليفة راسل أبا طاهر في ابتياعه فأجابه إلى ذلك، فباعه من المسلمين بـ50 ألف دينار، وجهز الخليفة إليهم عبدالله بن عكيم المحدث وجماعة معه، فأحضر أبو طاهر شهودا على نواب الخليفة بتسليمه، ثم أخرج لهم أحد الحجرين المصنوعين، فقال لهم عبدالله بن عكيم، إن لنا في حجرنا علامة أنه لا يسخن بالنار، وثانية أنه لا يغوص في الماء، فألقاه في الماء وغاص، ثم ألقاه في النار فحمي، وكاد يتشقق، فقال: ليس هذا بحجرنا، ثم أحضر الحجر الثاني المصنوع، وقد ضمخه بالطيب وغشاه بالديباج يظهر كرامته، فصنع به عبدالله كما صنع بالأول، وقال: ليس هذا بحجرنا، فأحضر الحجر الأسود بعينه فوضعه في الماء فطفا، ولم يغص، وجعله في النار فلم يسخن، فقال: هذا حجرنا، فتعجب أبو طاهر.
عودة الحجر
وبقي موضع الحجر من الكعبة خاليا، والحجر عند القرامطة نيفا و20 سنة، يضع الناس فيه أيديهم للتبرك، وقال ابن فهد في حوادث سنة 339هـ: فلما كان يوم الثلاثاء يوم النحر وافى سنبر بن الحسن القرمطي مكة، ومعه الحجر الأسود، فلما صار بفناء الكعبة ومعه أمير مكة أظهر الحجر الأسود من سفط وعليه ضباب فضة، قد عملت من طوله وعرضه، تضبط شقوقا قد حدثت عليه بعد انقلاعه، وأحضر معه جمعا يشهدون، فوضعه سنبر بيده، ويقال: إن الذي أعاد الحجر مكانه بيده حسن بن المرزوق وشده الصانع بالجص، وقال سنبر: أخذناه بقدر الله تعالى، ورددناه بمشيئة الله، ويقال: إنه قال: أخذناه بأمر وأعدناه بأمر. ونظر الناس إلى الحجر، فتبينوه وقبلوه واستلموه وحمدوا الله تعالى.
ثم ابتلي عدو الله أبو طاهر الخبيث بالآكلة فصار يتناثر لحمه بالدود وتقطعت أوصاله وطال عذابه، ومات أشقى ميتة «ولعذاب الآخرة أشد وأبقى». وقيل أنه هلك بالجدري في رمضان سنة 339هـ.
ليست الأولى
ولم تكن حادثة القرامطة هي الوحيدة، فقد جرت أحداث عدة تاريخية للحجر الأسود خلال الأزمنة التي سبقت الإسلام وبعده، خلفت آثارا فيه بتصدع أو تكسر نتيجة لها، فقد أصاب البيت الحرام حريقان؛ الأول في عهد قريش قبل الإسلام، فاحترق الحجر الأسود، واشتد سواده. والثاني: في الإسلام في عصر عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما، حين حاصره الحصين بن نمير الكندي، فاحترقت الكعبة المشرفة واحترق الحجر الأسود، فتفلق ثلاث فلق، حتى شد شعبه ابن الزبير بالفضة فكان أول من ربط الركن الأسود، وفي عهد أمير المؤمنين هارون الرشيد، كانت الفضة التي على الحجر الأسود قد رقت وتزعزعت عن محلها، حتى خافوا على الركن أن ينقض، فلما اعتمر هارون عمرته سنة 188هـ أمر بإصلاحه، وأمر بالحجارة التي بينها الحجر الأسود، فثقبت بالماس من فوقها وتحتها، ثم أفرغ فيها الفضة.
الجش أو الأحساء
وقرية الجش هي إحدى قرى محافظة القطيف بكسر الجيم، ولعل صوابها الجش بفتح الجيم كما وردت في معاجم اللغة، وهي مشتقة من جيش القوم؛ أي اجتمعوا أوتفرقوا، أو أجش المكان اجتمع نبته وحشيشته. وهذا أقرب إلى معناها، إن لم تكن من الأسماء المرتجلة القديمة وما أكثرها في المنطقة، وفي الغالب أنها من الأسماء التي لا يوجد لها أصل، وتم تداول هذا الاسم منذ سنين طويلة جدا أختلف في تحديد عددها، وتذكر بعض كتب التاريخ أنه ورد كتابة اسم قرية الجش مضاف اليه حرف الياء؛ أي الجيش، لأن الكاتب الذي كتبها هو تركي وقد سمعها من السكان بكسر الجيم وظنها ياء فكتبها الجيش.
دلائل تاريخية
ويقول عضو جمعية التاريخ والآثار السعودية عبدالخالق الجنبي إن قرية الجش من القرى القديمة في واحة القطيف التي ظلت محتفظة باسمها حتى هذا العصر، ويبدو أنها هي المعنية في خبر القرمطي أبي طاهر بن أبي سعيد الجنابي أورده مسكويه في كتابه (تجارب الأمم) حيث ذكر فيه في حوادث سنة 315 للهجرة مسيرة هذا الزعيم القرمطي من الأحساء إلى العراق، فذكر أنه نزل بعد يومين من خروجه من الأحساء في طريقه إلى العراق بالموضع المعروف بـ(الحس) دون نقط وهذه المسافة تنطبق على المسافة بين الأحساء وقرية الجش في الزمن الأول لمن يركب الخيول والجمال، وهو ما جعلني أرجح بقوة أن الموضع الذي سمي في كتاب مسكويه بـ(الحس) بغير نقط هو (الجش) وقد يكون السبب في ذلك أن المصدر الذي نقل عنه مسكويه في تاريخه لم يكن منقوطا فكتبها كما وجدها، ولم يلتفت إليها محقق الكتاب لعدم إلمامه بمواضع المنطقة، فلم يصححها وكتبها هو الآخر كما وجدها، وإلا فهي الجش وليس الحس، موضحا أن كل الدلائل التاريخية تشير إلى أن مكان كعبة القرامطة هو في قرية الجش.
إجماع المؤرخين
وتقع هذه القرية التي شهدت أبرز حدث في دولة القرامطة في الطرف الجنوبي الغربي من واحة القطيف على مقربة من الملاحة وأم الحمام، ويخترقها الطريق المؤدي إلى الشارع الرئيس السريع، وكانت قرية مسورة تتكون من 250 منزلا بعضها من الحجارة والطين وبعضها خارج السور، ويوجد فيها ثلاثة ينابيع عذبة بجوار المسجد خارج سور القرية، وهذا حالها كما ذكر في كتب التاريخ وكما ذكره بعض الرحالة الغربيين.
ويميل كثير من المؤرخين، إلى أن قرية الجش هي التي شهدت بناء كعبة القرامطة، وليس الأحساء أو أي مكان آخر، ودحض مناصرو هذا الرأي بأن كل المعطيات والدلائل التاريخية تشير إلى ذلك صراحة، كما أن آثار كعبة القرامطة يعرفها الناس حتى في عصرنا الحالي من المجاورين لها.
كشف علمي
إلى ذلك، قال مدير عام المتحف الإقليمي في المنطقة الشرقية عبدالحميد الحشاش، بأن هناك العديد من المواقع التاريخية والأثرية التي يدور حولها جدل كبير في تحديد موقعها الأصلي، أو الفترة الزمنية، مشيرا إلى أن الفيصل في ذلك يعود إلى تنفيذ عمليات تدقيق وكشف من قبل علماء الآثار، للوقوف على مدى صحة أي ادعاء أو حسم أي جدل في هذا الجانب، مؤكدا بأن هناك من يشير إلى أن كعبة القرامطة بنيت في الأحساء، وهناك من يقول بأنها في الجش بالقرب من محافظة القطيف حاليا، وكل أدلى بدلوه في هذا الاتجاه أو ذاك إلا أن الأمر الحاسم في ذلك يعود إلى إيجاد عمليات كشف علمية للتأكد من صحة هذا القول أو ذاك.
الليالي العشر
لم يرع عدو الله أبو طاهر القرمطي يوما عظيما من أيام الله تعالى، وهي التي أقسم بهن الله في قوله تعالى «والفجر وليال عشر» أما الفجر فمعروف، وهو: الصبح. قاله علي، وابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والسدي. وعن مسروق، ومجاهد، ومحمد بن كعب: المراد به فجر يوم النحر خاصة، وهو خاتمة الليالي العشر، أما الليالي العشر: المراد بها عشر من ذي الحجة؛ كما قاله ابن عباس، وابن الزبير، ومجاهد، وغير واحد من السلف والخلف. وقد ثبت في صحيح البخاري، عن ابن عباس مرفوعا: «ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيهن من هذه الأيام» -يعني عشر ذي الحجة- قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلا خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء».
سرقة الحجر الأسود
في ذلك اليوم الاثنين الثامن من شهر ذي الحجة (يوم التروية) وبينما الحجيج طواف في البيت الحرام، لم يشعر الحجاج إلا وقد وافاهم عدو الله، أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد حسن بن بهرام القرمطي الجنابي الأعرابي الزنديق، في جيش فدخلوا المسجد الحرام وأسرفوا في قتل الحجاج في الحرم، وردم بالقتلى (بئر) زمزم، وفعل أفعالا منكرة بالنساء، وبعد سبعة أيام من تلك المجزرة، جاء أبو طاهر بنفسه إلى الحجر الأسود فضربه بمطرقة مدببة الأطراف فكسره ثم قلعه بعد صلاة العصر من يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من ذي الحجة، وطلع رجل منهم البيت ليقلع الميزاب، فلما صار عليه سقط، فاندقت عنقه، فقال القرمطي: لا يصعد إليه أحد، ودعوه. فترك الميزاب، ولم يقلع، وقيل: إنه هلك في نقل الحجر تحته 40 جملا، فلما أعيد كان على قعود ضعيف فسمن؛ وقيل: إنه أراد أخذ المقام فلم يظفر به؛ لأن سدنة المسجد الحرام غيبوه في بعض شعاب مكة، فتألم بفقده، فعاد مكتفيا بالحجر الأسود.
كعبة مزيفة
وعاد عدو ألله أبوطاهر إلى بلده هجر في البحرين والمنطقة الشرقية وقيل منطقة الجش وتحديدا إلى القطيف، حيث بدأ أبو طاهر الجنابي في الإعداد لبناء كعبة، حتى يصد الناس عن الحج إلى البيت الحرام والتوجه إلى كعبته المزيفة لهدم الدين الإسلامي وتقويض عراه القوية، ووصل مع جيشه إلى قرية الجش في القطيف وذلك في حدود عام 318هـ، ولم تكن تعرف بذلك الاسم قديما، واختار أن يبني الكعبة على عين ماء وبناها بشكل دائري من الطين والحجارة القوية، وطلب من الناس أن يحجوا إليها بدلا من البيت الحرام، ومن يرفض يقتله، وبقيت كعبة القرامطة في قرية الجش 22 عاما والحجر الأسود موضوع عليها وسمي المكان بالكعبة، والعين بعين الكعبة، واحتفظت العين بهذا الاسم حتى يومنا هذا، فيما لا يزال بناء كعبة القرامطة موجودا وإن كانت عوامل الطبيعة والسنين قد أثرت فيه كثيرا فسقطت منها أجزاء تمثل 50 في المائة من بناء كعبة القرامطة.
أموال تبذل
وكان المنصور بن القائم بن المهدي راسل أحمد بن أبي سعيد القرمطي أخا أبي طاهر لأجل الحجر، وبذل له 50 ألف دينار ذهبا فلم يفعل، ويقال: إن بجكم التركي مدبر الخلافة ببغداد بذل كذلك للقرامطة على رد الحجر الأسود 50 ألف دينار، فأبوا وقالوا: أخذناه بأمر ولا نرده إلا بأمر. ولما يئست القرامطة من تحول الحج إلى الجش ردوا الحجر الأسود إلى محله سنة 339هـ، فكان مكثه عندهم 22 سنة، وذكر مثله المسبحي أيضا فقال: وكان مدة كينونة الحجر عند القرامطة 22 سنة إلا أربعة أيام.
للحجر علامة
وقال ابن أبي الدم في الفرق الإسلامية: إن الخليفة راسل أبا طاهر في ابتياعه فأجابه إلى ذلك، فباعه من المسلمين بـ50 ألف دينار، وجهز الخليفة إليهم عبدالله بن عكيم المحدث وجماعة معه، فأحضر أبو طاهر شهودا على نواب الخليفة بتسليمه، ثم أخرج لهم أحد الحجرين المصنوعين، فقال لهم عبدالله بن عكيم، إن لنا في حجرنا علامة أنه لا يسخن بالنار، وثانية أنه لا يغوص في الماء، فألقاه في الماء وغاص، ثم ألقاه في النار فحمي، وكاد يتشقق، فقال: ليس هذا بحجرنا، ثم أحضر الحجر الثاني المصنوع، وقد ضمخه بالطيب وغشاه بالديباج يظهر كرامته، فصنع به عبدالله كما صنع بالأول، وقال: ليس هذا بحجرنا، فأحضر الحجر الأسود بعينه فوضعه في الماء فطفا، ولم يغص، وجعله في النار فلم يسخن، فقال: هذا حجرنا، فتعجب أبو طاهر.
عودة الحجر
وبقي موضع الحجر من الكعبة خاليا، والحجر عند القرامطة نيفا و20 سنة، يضع الناس فيه أيديهم للتبرك، وقال ابن فهد في حوادث سنة 339هـ: فلما كان يوم الثلاثاء يوم النحر وافى سنبر بن الحسن القرمطي مكة، ومعه الحجر الأسود، فلما صار بفناء الكعبة ومعه أمير مكة أظهر الحجر الأسود من سفط وعليه ضباب فضة، قد عملت من طوله وعرضه، تضبط شقوقا قد حدثت عليه بعد انقلاعه، وأحضر معه جمعا يشهدون، فوضعه سنبر بيده، ويقال: إن الذي أعاد الحجر مكانه بيده حسن بن المرزوق وشده الصانع بالجص، وقال سنبر: أخذناه بقدر الله تعالى، ورددناه بمشيئة الله، ويقال: إنه قال: أخذناه بأمر وأعدناه بأمر. ونظر الناس إلى الحجر، فتبينوه وقبلوه واستلموه وحمدوا الله تعالى.
ثم ابتلي عدو الله أبو طاهر الخبيث بالآكلة فصار يتناثر لحمه بالدود وتقطعت أوصاله وطال عذابه، ومات أشقى ميتة «ولعذاب الآخرة أشد وأبقى». وقيل أنه هلك بالجدري في رمضان سنة 339هـ.
ليست الأولى
ولم تكن حادثة القرامطة هي الوحيدة، فقد جرت أحداث عدة تاريخية للحجر الأسود خلال الأزمنة التي سبقت الإسلام وبعده، خلفت آثارا فيه بتصدع أو تكسر نتيجة لها، فقد أصاب البيت الحرام حريقان؛ الأول في عهد قريش قبل الإسلام، فاحترق الحجر الأسود، واشتد سواده. والثاني: في الإسلام في عصر عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما، حين حاصره الحصين بن نمير الكندي، فاحترقت الكعبة المشرفة واحترق الحجر الأسود، فتفلق ثلاث فلق، حتى شد شعبه ابن الزبير بالفضة فكان أول من ربط الركن الأسود، وفي عهد أمير المؤمنين هارون الرشيد، كانت الفضة التي على الحجر الأسود قد رقت وتزعزعت عن محلها، حتى خافوا على الركن أن ينقض، فلما اعتمر هارون عمرته سنة 188هـ أمر بإصلاحه، وأمر بالحجارة التي بينها الحجر الأسود، فثقبت بالماس من فوقها وتحتها، ثم أفرغ فيها الفضة.
الجش أو الأحساء
وقرية الجش هي إحدى قرى محافظة القطيف بكسر الجيم، ولعل صوابها الجش بفتح الجيم كما وردت في معاجم اللغة، وهي مشتقة من جيش القوم؛ أي اجتمعوا أوتفرقوا، أو أجش المكان اجتمع نبته وحشيشته. وهذا أقرب إلى معناها، إن لم تكن من الأسماء المرتجلة القديمة وما أكثرها في المنطقة، وفي الغالب أنها من الأسماء التي لا يوجد لها أصل، وتم تداول هذا الاسم منذ سنين طويلة جدا أختلف في تحديد عددها، وتذكر بعض كتب التاريخ أنه ورد كتابة اسم قرية الجش مضاف اليه حرف الياء؛ أي الجيش، لأن الكاتب الذي كتبها هو تركي وقد سمعها من السكان بكسر الجيم وظنها ياء فكتبها الجيش.
دلائل تاريخية
ويقول عضو جمعية التاريخ والآثار السعودية عبدالخالق الجنبي إن قرية الجش من القرى القديمة في واحة القطيف التي ظلت محتفظة باسمها حتى هذا العصر، ويبدو أنها هي المعنية في خبر القرمطي أبي طاهر بن أبي سعيد الجنابي أورده مسكويه في كتابه (تجارب الأمم) حيث ذكر فيه في حوادث سنة 315 للهجرة مسيرة هذا الزعيم القرمطي من الأحساء إلى العراق، فذكر أنه نزل بعد يومين من خروجه من الأحساء في طريقه إلى العراق بالموضع المعروف بـ(الحس) دون نقط وهذه المسافة تنطبق على المسافة بين الأحساء وقرية الجش في الزمن الأول لمن يركب الخيول والجمال، وهو ما جعلني أرجح بقوة أن الموضع الذي سمي في كتاب مسكويه بـ(الحس) بغير نقط هو (الجش) وقد يكون السبب في ذلك أن المصدر الذي نقل عنه مسكويه في تاريخه لم يكن منقوطا فكتبها كما وجدها، ولم يلتفت إليها محقق الكتاب لعدم إلمامه بمواضع المنطقة، فلم يصححها وكتبها هو الآخر كما وجدها، وإلا فهي الجش وليس الحس، موضحا أن كل الدلائل التاريخية تشير إلى أن مكان كعبة القرامطة هو في قرية الجش.
إجماع المؤرخين
وتقع هذه القرية التي شهدت أبرز حدث في دولة القرامطة في الطرف الجنوبي الغربي من واحة القطيف على مقربة من الملاحة وأم الحمام، ويخترقها الطريق المؤدي إلى الشارع الرئيس السريع، وكانت قرية مسورة تتكون من 250 منزلا بعضها من الحجارة والطين وبعضها خارج السور، ويوجد فيها ثلاثة ينابيع عذبة بجوار المسجد خارج سور القرية، وهذا حالها كما ذكر في كتب التاريخ وكما ذكره بعض الرحالة الغربيين.
ويميل كثير من المؤرخين، إلى أن قرية الجش هي التي شهدت بناء كعبة القرامطة، وليس الأحساء أو أي مكان آخر، ودحض مناصرو هذا الرأي بأن كل المعطيات والدلائل التاريخية تشير إلى ذلك صراحة، كما أن آثار كعبة القرامطة يعرفها الناس حتى في عصرنا الحالي من المجاورين لها.
كشف علمي
إلى ذلك، قال مدير عام المتحف الإقليمي في المنطقة الشرقية عبدالحميد الحشاش، بأن هناك العديد من المواقع التاريخية والأثرية التي يدور حولها جدل كبير في تحديد موقعها الأصلي، أو الفترة الزمنية، مشيرا إلى أن الفيصل في ذلك يعود إلى تنفيذ عمليات تدقيق وكشف من قبل علماء الآثار، للوقوف على مدى صحة أي ادعاء أو حسم أي جدل في هذا الجانب، مؤكدا بأن هناك من يشير إلى أن كعبة القرامطة بنيت في الأحساء، وهناك من يقول بأنها في الجش بالقرب من محافظة القطيف حاليا، وكل أدلى بدلوه في هذا الاتجاه أو ذاك إلا أن الأمر الحاسم في ذلك يعود إلى إيجاد عمليات كشف علمية للتأكد من صحة هذا القول أو ذاك.