جولة ولي العهد الآسيوية.. التأكيد على خيار الاتجاه شرقاً

د. طلال صالح بنان

يبدأ سمو ولي العهد يوم الأربعاء القادم زيارة رسمية لثلاث دول آسيوية، هي: اليابان وسنغافورا وباكستان. هذه الزيارة لابد من النظر إليها من منظور جولة سابقة قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في شهر فبراير الماضي لأربع دول أسيوية، هي: الصين والهند وماليزيا وباكستان. كلتا الجولتين تأتي في إطار تحرك جديد غير تقليدي للسياسة الخارجية، بالاتجاه شرقاً، ليتواكب ويتكامل مع التوجه التقليدي للسياسة الخارجية السعودية في الاتجاه غرباً.
اليابان دولة صناعية كبرى، تتمتع باقتصاد قوي ومتقدم يعتبر ثالث اقتصاد في العالم، بعد الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوربي. اليابان عملاق آسيوي تاريخي، كانت لها طموحات امبراطورية على المستوى الاستراتيجي، ولكن بعد الحرب العالمية الثانية استبدلت طموحاتها التوسعية الجغرافية، بغزو الأسواق العالمية، بما فيها أسواق الدول التي هزمتها في الحرب الكونية الثانية. لعقود كثيرة بعد الحرب الثانية تمتعت اليابان بفائض في ميزانها التجاري مع الولايات المتحدة، حتى كادت تقضي على صناعة السيارات والأجهزة الاستهلاكية المعمرة في الولايات المتحدة، لولا اللجوء إلى استراتيجية توطين صناعة السيارات اليابانية في السوق الأمريكي، لتتفادى ضغوط اتحادات عمال السيارات الأمريكية، الذي استوعب جزءا كبيرا منهم في صناعة السيارات اليابانية في الولايات المتحدة. بالنسبة للمملكة اليابان شريك تجاري قديم وكبير، وكانت شركات النفط اليابانية من أوائل شركات النفط العاملة في المملكة، لتكسر احتكار شركات النفط الأمريكية والأوربية لصناعة التنقيب عن النفط واستخراجه في الخليج، اليابان أيضاً من الدول الصناعية الكبرى، التي استطاعت أن تنتهج سياسة خارجية في المنطقة، لا تثير حفيظة السياسة الأمريكية تجاه قضايا المنطقة، وفي نفس الوقت تحظى برضا العرب حول مواقفها من قضايا المنطقة.
سنغافورة، من ناحية أخرى، تمثل نموذج دولة المدينة ( City State ) في العصر الحاضر. لقد استطاعت هذه الدولة المدينة، أن تتفادى تعقيدات نموذج الدولة القومية الحديثة، وفي نفس الوقت، تفادي المساومة على هويتها القومية، بالانصهار في كيانات إقليمية كبيرة. في الوقت الذي يحوم الشك حول مصير نموذج الدولة القومية الحديثة، تقدم سنغافورة نموذجاً صامداً لدولة المدينة، في القرن الواحد والعشرين، يحقق معدلات نمو مرتفعة.. وتقدما تكنولوجيا مطردا.. وحركة تجارية مزدهرة، مع شركاء خارجيين، دون التعرض لتعقيدات الأمن والسياسة الخارجية، التي عادةً ما تستنزف الكثير من موارد دول العالم الأخرى.
باكستان، دولة إسلامية محورية، في سياسة المملكة الخارجية. من بين دول العالم الإسلامي الأخرى، تقف باكستان متفردة بوضعية خاصة لدى مؤسسات الصناعة الخارجية السعودية. لا يمكن التفكير في التوجه شرقاً، دون المرور ببوابة إسلام أباد، ليس لمجرد الحفاظ على تراث تاريخي عريق لعلاقة أخوية وطيدة، ولكن أيضاً لتأكيد إضافة الاتجاه شرقاً على أنه تكامل لتراث سياسي قائم بين المملكة والشرق بدءاً بباكستان، ليمر منها إلى فضاءات أرحب في الشرق الشاسع الغني تاريخياً.. والواعد اقتصادياً وتجارياً وتكنولوجياً.
الاتجاه شرقاً خيار استراتيجي، للسياسة الخارجية السعودية، جاء في موعده، ليلتقي مع طموحات برامج التنمية الكبيرة والواعدة، التي سوف تحدد معالم التنمية في المملكة مع بداية حقبة القرن الواحد والعشرين.