تراجع الدور العالمي للولايات المتحدة«2»

نجيب الخنيزي

نفقات حربي أفغانستان والعراق، وما يسمى بالحرب على الإرهاب، وتضاعف ميزانية البنتاغون، التي تجاوزت في العام 2011 مبلغ 530 مليار دولار، ولكن بدون احتساب الإنفاق الإضافي بقدر 182 مليار دولار على الحروب الأمريكية في أفغانستان والعراق، وغيرها من المسماة عمليات مكافحة الإرهاب في مختلف أنحاء العالم. وفي المجموع تشكل النفقات العسكرية الأمريكية ما يقرب من 25% من الميزانية الاتحادية بأكملها. والنتيجة هي أن الميزانية العسكرية الأمريكية أصبحت تشكل ما يزيد على 40 في المئة من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي، ونحو خمس مرات الصين التي تليها من حيث حجم الميزانية المخصصة للقوات المسلحة. كل ذلك عمق من حدة الأزمة المالية والاقتصادية الأمريكية ، وانعكس ذلك على تفاقم عجز الميزانية الفيدرالية، فوفقا لتقرير وزارة الخزانة الأمريكية أن عجز الميزانية الفيدرالية بلغ خلال العام المالي 2011 مبلغ 1.28تريليون دولار، علما بأن عام 2001، هو آخر سنة شهدت فيها الميزانية تحقيق فائض (وهو ما يعزى إلى إدارة الرئيس السابق كلينتون) قبل أن تغرق في براثن العجز المتواصل، حيث زادت الإيرادات الحكومية خلال ذلك العام عن النفقات بحوالى 127 مليار دولار. على صعيد الدين العام القائم للولايات المتحدة الأمريكية فقد وصل في يونيو 2011، إلى 14.46 تريليون وهو يفوق الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. لقد أدت الأزمة المالية / الاقتصادية التي اندلعت في أوغسطس 2008، وعمقتها تفجر أزمة المديونية في عام 2011، إلى انعكاسات مباشرة على حياة الأغلبية الساحقة من الأمريكيين، حيث تدهورت مكانة الطبقة الوسطى الأمريكية، وازدادت حدة الفقر، فوفقا لأرقام نشرها مكتب الإحصاء الأمريكي، أن عدد الأمريكيين الذين يعيشون في فقر وصل إلى أكثر من 15% من السكان وارتفع إلى مستوى قياسي وهو 46.2 مليون السنة الماضية. وأوضح المكتب أيضا أن عدد الأمريكيين الذين لا يغطيهم التأمين الصحي يظل على حاله أي نحو 50 مليون شخص، مع استمرار متوسط البطالة فوق نسبة 9 بالمئة من السكان في سن العمل. وتقدر بـ 15 مليون عاطل في العام 2011 وهو ضعف عدد العاطلين في عام 2007. التجربة التاريخية للإمبراطوريات والدول (قديما وحديثا) كافة، تؤكد أن جبروت القوة العسكرية (على غرار الاتحاد السوفيتي السابق) بدون قوة اقتصادية مكافئة لها، سيؤدي في النهاية إلى تراجع وتدهور بل اختفاء مكانة تلك الإمبراطوريات والدول، وهو ما ينطبق حاليا على وضع الولايات المتحدة. علينا الوقوف أمام ظاهرة تنام السخط والغضب، وتفجر المظاهرات الشعبية، ضد الشركات والمصارف والبنوك المالية الأمريكية من خلال حركة «احتلوا وول ستريت» والتي تشكلت في سبتمبر الماضي في أول منحى اجتماعي واضح مناهض للرأسمالية في داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وسرعان ما انبثقت حركات مماثلة في غالبية الدول الأوروبية التي بدورها تعاني من تفاقم أزمة المديونية وانكماش اقتصادي وتزايد معدلات الفقر والبطالة، كما شملت دول أخرى من العالم حيث شارك فيها عشرات الملايين، مستلهمة في ذلك أجواء وروح الانتفاضات والاحتجاجات المشتعلة في العالم العربي منذ بداية العام 2011 وحتى وقتنا الراهن. قبل أن أختم أستعيد قول المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي في مقال نشره بموقع «تروث آوت دوت أورغ» إن مؤشرات انهيار أمريكا بدأت منذ بلوغ أوج القوة بعد الحرب العالمية الثانية، وتلاها التفوق الملحوظ في المرحلة التي تلت حرب الخليج الثانية في التسعينيات مع أن ذلك كان مجرد خداع للذات. وقال إن المشهد قادم لإرعاب حتى المنظمين، فالشركات التي وضعت المتشددين في مراكز القرار هي الآن قلقة من أنهم يسقطون الصرح الذي بنته، وتفقد امتيازاتها والدولة القوية التي تخدم مصالحها. وأوضح تشومسكي أن طغيان الشركات على السياسة والمجتمع، وهو ذو تأثير مالي في الغالب، بلغ حدا جعل الحزبين الديمقراطي والجمهوري ــ اللذين بالكاد يشبهان الأحزاب السياسية ــ أبعد ما يمكن عن حق المجتمع بشأن القضايا الرئيسية قيد المناقشة.

للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 147 مسافة ثم الرسالة