البعد الاستراتيجي للصراع في الصومال والقرن الافريقي 2/1
الخميس / 07 / ذو الحجة / 1427 هـ الخميس 28 ديسمبر 2006 21:41
د.أنور بن ماجد عشقي
ترتبط هذه المنطقة ارتباطاً مباشرا بالأمن العربي فتلقي بتأثيرها الواضح على المصالح الحيوية لبعض الأقطار العربية الكبرى بشكل مباشر وغير مباشر، ومن أهم هذه الدول المملكة والصومال والسودان ومصر، والأردن، ولا شك أن هذه المنطقة تعتبر جزءاً هاما من الأمن القومي العربي.
فالقرن الافريقي هو الرأس الناتئ من اليابسة، المخترق للبحر، فيشطره الى شطرين شمالا البحر الاحمر وجنوبا المحيط الهندي، فمن المنظور الجغرافي يشمل القرن الافريقي اثيوبيا والصومال، وجيبوتي، واريتريا، لكن بعض الجغرافيين وسع من المفهوم حتى شمل السودان وكينيا، فالقرن الافريقي يعتبر البوابة الاستراتيجية الجنوبية للبحر الاحمر، اما المنظور الاستراتيجي والسياسي فيدخل اليمن والسعودية فيه، مما يؤكد على ان الدلالة الاستراتيجية تتجاوز المنظور الجغرافي، لذا بادر وزير الدولة الفرنسي للشؤون الخارجية (أوليفيه ستيرن) عام 1981م الى توجيه الدعوة الى المملكة واليمن لحضور المؤتمر الاقليمي الذي يهدف الى حل مشكلات المنطقة، ولا اعلم لماذا لم تدع الى المؤتمر جمهورية مصر العربية وقتها.
وتمتاز منطقة القرن الافريقي بخصائص استراتيجية هامة، فهي التي تتحكم في الممرات الاستراتيجية بين البحر الاحمر والمحيط الهندي، لكنها اكتسبت اهتماما عالميا بافتتاح قناة السويس عام 1869م ودخلت ضمن الامن القومي للدول الاوروبية مما استحدث التواجد الخارجي في الشؤون الداخلية للمنطقة، كما ان افتتاح القناة جعل من الموقع محلا لأطماع من دول المنطقة والدول الاوروبية، مما زاد من حدة الصراع.
تغيير الحدود السياسية
في العقدين الماضيين واجهت المنطقة اشد حالات الصراع حتى وصل الى حد الحروب والصدامات المسلحة، وبرز في هذا الصراع تفاعل المؤثرات المحلية والداخلية، طرحتها قوى خارجية مما غير من الحدود السياسية، فظهرت اريتريا في القرن الافريقي وانسحبت اثيوبيا الى خارج القرن.
واليوم يحتدم الصراع من جديد مما قد يغير من ملامح الحدود السياسية فتعود اثيوبيا لتحتل موقعا من الشواطئ، اما على حساب الصومال او على حساب اريتريا، باعتبارها اصبحت الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الامريكية، التي تسعى للسيطرة على الشرق الاوسط الكبير الذي يعتبر القرن الافريقي من أهم مقوماته الاستراتيجية.
كان الصراع خلال العقدين الماضيين، يتسم بطبيعة بالغة التعقيد، مرهونة بأبعاد ومستويات الصراع في المنطقة، فكان قائما على الخلافات الحدودية بين دول المنطقة نتيجة لصراع بين قوميات متناحرة بين الصومال وكينيا واثيوبيا.
وهذا الصراع كان يعود الى أبعاد حضارية وعرقية واقتصادية، فاتخذ اشكالا مختلفة شملت حروبا نظامية واسعة النطاق، وحروبا اهلية دامية، وانقلابات عسكرية متتالية، فكان من نتائج ذلك ان اصبحت لهذه الصراعات توجهات للسياسات الداخلية فانعكست على الأوضاع المحلية والاقليمية فشكلت أزمات استراتيجية استعصت على الحل.
قناة السويس واحتدام الصراع
في اعقاب افتتاح قناة السويس، احتدم الصراع العالمي على منطقة القرن الافريقي، وكان للامبراطورية الاثيوبية دور بارز، فاتسعت رقعتها لتضم عددا من القوميات الاخرى بلغات مختلفة، وثقافات متغايرة، وبعد الحرب العالمية الثانية، انتقل الصراع العالمي بين المعسكرين الشرقي والغربي الى المنطقة، لينتقل النفوذ الشيوعي الى اثيوبيا وينهي حكم الأباطرة، وبدأت اثيوبيا تقوم بدور في المنطقة لصالح المعسكر الاشتراكي.
فبينما كان الاتحاد السوفيتي يترنح قبيل انهياره، تحالف قائدان في اثيوبيا هما (آسياسي أفورقي وميليس زيناو)، وهما من مجموعة عرقية واحدة من التيجيري، فالأول اريتري والثاني اثيوبي.
خاض القائدان الحرب معاً ضد نظام منجستو، حتى تم القضاء عليه عام 1991م وهذا ما ساهم في ارساء علاقة قوية بينهما، انتهت الى حصول اريتريا على استقلالها عام 1993م، ووقع الاثنان على اتفاقيات تعاون في مختلف المجالات.
لقد خلفت مسيرة الود بينهما ألغاما موقوتة سرعان ما انفجرت، فظهر الخلاف الحدودي حول مناطق زامبيا، ويوري، ويام مي، وسيراو، كما ظهر الخلاف حول مثلث برجا، والحميدة، وعفر، وبعض ولاية تيجراي، وابيجي، وانداكيدا، ولبتينا، واردي ماتيوس، وتمحور الموقف القانوني بينهما في رؤية مشتركة لمبدأ يقضي بالاعتراف بالحدود المتوارثة عن الدول الاستعمارية وعدم تغييرها ولم تختلف الدولتان على أي اتفاقات تاريخية لا يجب الاخذ بها.
ومع هذا فقد تفجر الصراع الحدودي بينهما في اغسطس 1997م عندما اتخذت اثيوبيا بعض مظاهر السيادة على الاقاليم المتنازع عليها، بنشرها لبعض الخرائط التي اظهرت فيها تبعية اقليمي بادمي وزالامبسا، لها مما دعى اريتريا الى اقتحام الحدود المشتركة في 6 مايو عام 1998م واحتلال المناطق المتنازع عليها بالقوة العسكرية.
بعد تسعة اشهر انفجر القتال بينهما في ثلاث مناطق هي: بادي، وتسورنا، وزالامبسا، وريا جنوب غرب ميناء عصب، فحققت اثيوبيا بعض الانتصارات مما اجبر اريتريا على الموافقة على خطة السلام الافريقية في الجزائر فتوقف القتال، لكن جولة ثالثة من الحرب اشتعلت بينهما، واستردت فيها اثيوبيا المناطق التي احتلتها القوات الاريترية عام 1998م كما توغلت من جديد في الاراضي الاريترية، وهذه الجولة وضعت حدا للصراعات الدامية.
أثيوبيا محرومة من الشواطئ
في اعقاب هذا الصراع، وجدت اريتريا نفسها مهددة من اثيوبيا التي اصبحت محرومة من الشواطئ على البحر الاحمر وعادت تتطلع اليها فعمدت اريتريا الى التقارب مع الولايات المتحدة الامريكية لحماية شواطئها من خلال الاقتراب من اسرائيل ورعاية مصالحها، واخذت في استعراض قوتها في محاولة لاقناع الولايات المتحدة الامريكية بأهميتها في المنطقة، فعمدت الى مناوشة اليمن وجيبوتي وسعت الى زعزعة الامن في السودان، عن طريق دعم المعارضة السودانية بمختلف تياراتها، ولم تفلح اريتيريا في تحقيق أهدافها واستمالة الولايات المتحدة.
أما إثيوبيا فقد وطدت علاقتها مع أمريكا، من خلال مكانتها الاستراتيجية، وكثافة سكانها، كما ساعد على ذلك مكانتها الدينية التي استمالت اليمين المسيحي المتطرف، المؤثر على صناعة القرار الأمريكي.
فإثيوبيا تتحكم في حوض النيل بحوالي 85% من مياهه وبذلك تسيطر على مياه السودان ومصر اللتين تقعان أسفل الحوض، فسكانها يقارب السبعين مليون نسمة ومساحتها تصل الى 1.229.900كم، كما انها تمثل القلعة المسيحية في القارة الأفريقية.
لقد أصبحت أثيوبيا واريتريا والصومال أهم اللاعبين اليوم، في صراع النفوذ الدائر في المنطقة، وظهرت في الصومال سلطة المحاكم الشرعية، ولنجاح أثيوبيا في توطيد علاقتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الامريكية بصورة قوية، اصبحت امريكا تتعامل معها كقوة اقليمية، يعول عليها في المحافظة على الأمن، وخدمة المصالح الأمريكية، ومكافحة ما يسمى بالارهاب العالمي.
لقد استطاعت المحاكم الشرعية أن تستفيد من العداء الاثيوبي لها، فعمدت الى تأجيج المشاعر الوطنية الصومالية القلقة من النوايا الاثيوبية تجاهها، خصوصا وان اثيوبيا تحتل منطقة الاوغادين، التي تعتبر جزءا تاريخيا من اراضي الصومال الكبير، لكنها لم تعد تملك حقا سياسيا تجاه الاوغادين.
Email_eshki@doctor.com
فالقرن الافريقي هو الرأس الناتئ من اليابسة، المخترق للبحر، فيشطره الى شطرين شمالا البحر الاحمر وجنوبا المحيط الهندي، فمن المنظور الجغرافي يشمل القرن الافريقي اثيوبيا والصومال، وجيبوتي، واريتريا، لكن بعض الجغرافيين وسع من المفهوم حتى شمل السودان وكينيا، فالقرن الافريقي يعتبر البوابة الاستراتيجية الجنوبية للبحر الاحمر، اما المنظور الاستراتيجي والسياسي فيدخل اليمن والسعودية فيه، مما يؤكد على ان الدلالة الاستراتيجية تتجاوز المنظور الجغرافي، لذا بادر وزير الدولة الفرنسي للشؤون الخارجية (أوليفيه ستيرن) عام 1981م الى توجيه الدعوة الى المملكة واليمن لحضور المؤتمر الاقليمي الذي يهدف الى حل مشكلات المنطقة، ولا اعلم لماذا لم تدع الى المؤتمر جمهورية مصر العربية وقتها.
وتمتاز منطقة القرن الافريقي بخصائص استراتيجية هامة، فهي التي تتحكم في الممرات الاستراتيجية بين البحر الاحمر والمحيط الهندي، لكنها اكتسبت اهتماما عالميا بافتتاح قناة السويس عام 1869م ودخلت ضمن الامن القومي للدول الاوروبية مما استحدث التواجد الخارجي في الشؤون الداخلية للمنطقة، كما ان افتتاح القناة جعل من الموقع محلا لأطماع من دول المنطقة والدول الاوروبية، مما زاد من حدة الصراع.
تغيير الحدود السياسية
في العقدين الماضيين واجهت المنطقة اشد حالات الصراع حتى وصل الى حد الحروب والصدامات المسلحة، وبرز في هذا الصراع تفاعل المؤثرات المحلية والداخلية، طرحتها قوى خارجية مما غير من الحدود السياسية، فظهرت اريتريا في القرن الافريقي وانسحبت اثيوبيا الى خارج القرن.
واليوم يحتدم الصراع من جديد مما قد يغير من ملامح الحدود السياسية فتعود اثيوبيا لتحتل موقعا من الشواطئ، اما على حساب الصومال او على حساب اريتريا، باعتبارها اصبحت الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الامريكية، التي تسعى للسيطرة على الشرق الاوسط الكبير الذي يعتبر القرن الافريقي من أهم مقوماته الاستراتيجية.
كان الصراع خلال العقدين الماضيين، يتسم بطبيعة بالغة التعقيد، مرهونة بأبعاد ومستويات الصراع في المنطقة، فكان قائما على الخلافات الحدودية بين دول المنطقة نتيجة لصراع بين قوميات متناحرة بين الصومال وكينيا واثيوبيا.
وهذا الصراع كان يعود الى أبعاد حضارية وعرقية واقتصادية، فاتخذ اشكالا مختلفة شملت حروبا نظامية واسعة النطاق، وحروبا اهلية دامية، وانقلابات عسكرية متتالية، فكان من نتائج ذلك ان اصبحت لهذه الصراعات توجهات للسياسات الداخلية فانعكست على الأوضاع المحلية والاقليمية فشكلت أزمات استراتيجية استعصت على الحل.
قناة السويس واحتدام الصراع
في اعقاب افتتاح قناة السويس، احتدم الصراع العالمي على منطقة القرن الافريقي، وكان للامبراطورية الاثيوبية دور بارز، فاتسعت رقعتها لتضم عددا من القوميات الاخرى بلغات مختلفة، وثقافات متغايرة، وبعد الحرب العالمية الثانية، انتقل الصراع العالمي بين المعسكرين الشرقي والغربي الى المنطقة، لينتقل النفوذ الشيوعي الى اثيوبيا وينهي حكم الأباطرة، وبدأت اثيوبيا تقوم بدور في المنطقة لصالح المعسكر الاشتراكي.
فبينما كان الاتحاد السوفيتي يترنح قبيل انهياره، تحالف قائدان في اثيوبيا هما (آسياسي أفورقي وميليس زيناو)، وهما من مجموعة عرقية واحدة من التيجيري، فالأول اريتري والثاني اثيوبي.
خاض القائدان الحرب معاً ضد نظام منجستو، حتى تم القضاء عليه عام 1991م وهذا ما ساهم في ارساء علاقة قوية بينهما، انتهت الى حصول اريتريا على استقلالها عام 1993م، ووقع الاثنان على اتفاقيات تعاون في مختلف المجالات.
لقد خلفت مسيرة الود بينهما ألغاما موقوتة سرعان ما انفجرت، فظهر الخلاف الحدودي حول مناطق زامبيا، ويوري، ويام مي، وسيراو، كما ظهر الخلاف حول مثلث برجا، والحميدة، وعفر، وبعض ولاية تيجراي، وابيجي، وانداكيدا، ولبتينا، واردي ماتيوس، وتمحور الموقف القانوني بينهما في رؤية مشتركة لمبدأ يقضي بالاعتراف بالحدود المتوارثة عن الدول الاستعمارية وعدم تغييرها ولم تختلف الدولتان على أي اتفاقات تاريخية لا يجب الاخذ بها.
ومع هذا فقد تفجر الصراع الحدودي بينهما في اغسطس 1997م عندما اتخذت اثيوبيا بعض مظاهر السيادة على الاقاليم المتنازع عليها، بنشرها لبعض الخرائط التي اظهرت فيها تبعية اقليمي بادمي وزالامبسا، لها مما دعى اريتريا الى اقتحام الحدود المشتركة في 6 مايو عام 1998م واحتلال المناطق المتنازع عليها بالقوة العسكرية.
بعد تسعة اشهر انفجر القتال بينهما في ثلاث مناطق هي: بادي، وتسورنا، وزالامبسا، وريا جنوب غرب ميناء عصب، فحققت اثيوبيا بعض الانتصارات مما اجبر اريتريا على الموافقة على خطة السلام الافريقية في الجزائر فتوقف القتال، لكن جولة ثالثة من الحرب اشتعلت بينهما، واستردت فيها اثيوبيا المناطق التي احتلتها القوات الاريترية عام 1998م كما توغلت من جديد في الاراضي الاريترية، وهذه الجولة وضعت حدا للصراعات الدامية.
أثيوبيا محرومة من الشواطئ
في اعقاب هذا الصراع، وجدت اريتريا نفسها مهددة من اثيوبيا التي اصبحت محرومة من الشواطئ على البحر الاحمر وعادت تتطلع اليها فعمدت اريتريا الى التقارب مع الولايات المتحدة الامريكية لحماية شواطئها من خلال الاقتراب من اسرائيل ورعاية مصالحها، واخذت في استعراض قوتها في محاولة لاقناع الولايات المتحدة الامريكية بأهميتها في المنطقة، فعمدت الى مناوشة اليمن وجيبوتي وسعت الى زعزعة الامن في السودان، عن طريق دعم المعارضة السودانية بمختلف تياراتها، ولم تفلح اريتيريا في تحقيق أهدافها واستمالة الولايات المتحدة.
أما إثيوبيا فقد وطدت علاقتها مع أمريكا، من خلال مكانتها الاستراتيجية، وكثافة سكانها، كما ساعد على ذلك مكانتها الدينية التي استمالت اليمين المسيحي المتطرف، المؤثر على صناعة القرار الأمريكي.
فإثيوبيا تتحكم في حوض النيل بحوالي 85% من مياهه وبذلك تسيطر على مياه السودان ومصر اللتين تقعان أسفل الحوض، فسكانها يقارب السبعين مليون نسمة ومساحتها تصل الى 1.229.900كم، كما انها تمثل القلعة المسيحية في القارة الأفريقية.
لقد أصبحت أثيوبيا واريتريا والصومال أهم اللاعبين اليوم، في صراع النفوذ الدائر في المنطقة، وظهرت في الصومال سلطة المحاكم الشرعية، ولنجاح أثيوبيا في توطيد علاقتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الامريكية بصورة قوية، اصبحت امريكا تتعامل معها كقوة اقليمية، يعول عليها في المحافظة على الأمن، وخدمة المصالح الأمريكية، ومكافحة ما يسمى بالارهاب العالمي.
لقد استطاعت المحاكم الشرعية أن تستفيد من العداء الاثيوبي لها، فعمدت الى تأجيج المشاعر الوطنية الصومالية القلقة من النوايا الاثيوبية تجاهها، خصوصا وان اثيوبيا تحتل منطقة الاوغادين، التي تعتبر جزءا تاريخيا من اراضي الصومال الكبير، لكنها لم تعد تملك حقا سياسيا تجاه الاوغادين.
Email_eshki@doctor.com