لهم الأفعال.. ولنا الأقوال

حمود أبو طالب

في شهر مارس من العام الماضي ضرب زلزال تسونامي اليابان، وسبب كارثة لا تقل فداحة عما سببته القنابل التي سقطت على هيروشيما وناجازاكي خلال الحرب العالمية الثانية. تسبب الزلزال في دمار شامل لآلاف المنشآت والمنازل ووفاة أكثر من 19 ألف شخص وتشريد أكثر من 100 ألف بسبب الانبعاثات من مفاعل فوكوشيما. تحولت كثير من المناطق إلى يباب قدرت خسائره بما يقارب 300 مليار دولار، وأصبح « تسونامي» تشبيها يستخدمه العالم لأي كارثة أو حدث كبير مفاجئ، وكنا ــ كعرب ــ أكثر الشعوب استخداما له ربما لعشقنا المفرط للأمثال والاستعارات، وللكلام عموما.
المهم، مضينا في التشبيه، ومضت اليابان في العمل. فقط بعد 11 شهرا لم يعد هناك أثر لتسونامي في اليابان. أعادت عقولها وسواعدها كل شيء إلى أفضل مما كان عليه، وفي التقرير الذي نشرته مؤخرا صحيفة الديلي ميل البريطانية ونقلته كثير من وسائل الإعلام، لم تجد الصحيفة أبلغ من مقارنة الصورة القديمة أثناء الدمار بالصورة الجديدة بعد إعادة الإعمار لكثير من المواقع. المواقع ذاتها التي كانت أكواما من الأطلال تجاورها صورها الجديدة، وكأن شيئا لم يحدث.. بهدوء شديد، أعاد اليابانيون بناء كل شيء، وتخيلوا كم كانت كلفة إعادة الإعمار؟؟. فقط 50 مليار دولار مقابل دمار كلف 300 مليار دولار، وفي 11 شهرا.. لن أضع هنا علامات تعجب لأن ما فعله اليابانيون لا يدعو للعجب. شعب أعاد بناء وطنه بعد الحرب، وجعلها تقود العالم بإبداعها العلمي والتكنولوجي، كيف نستغرب منه إعادة إعمار وطنه مرة أخرى.
11 شهرا فقط يا ناس.. و 50 مليارا فقط يا ناس.. بالله عليكم لو كان تسونامي قد حدث في إحدى الدول العربية، تصوروا كيف سيكون مشروع إعادة الإعمار. تخيلوا كم عدد الشركات التي ستنهب، وكم عدد المسؤولين الذين سيعتبرون الكارثة فرصة ذهبية هبطت عليهم من السماء، وكم عدد الوسطاء والسماسرة ومقاولي الظاهر والباطن، وكم عدد شيكات الرشاوى التي ستودع في الحسابات، وكيف سيتم تبادل تهم التلاعب بين المسؤولين عن المشروع، والأهم تخيلوا متى سينتهي بكل علله ونواقصه ونقائصه، وكم هي التكلفة التي سيحصدها؟؟ ألف مليار، ألفين، الله وحده أعلم.
من الأسباب الكثيرة لهذا الإنجاز الياباني أن لديهم ثقافة خاصة هي ثقافة الانتحار عندما يشعر المسؤول أنه أخفق دون مبرر، أو حدث فساد في المرفق الذي يديره، بينما لا عجب أن تنهب الأموال وتتعطل التنمية لدى شعوب لا تطبق حتى حق العقاب العادل.



للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 259 مسافة ثم الرسالة


habutalib@hotmail.com