علاقة الروائي بالنصاب

نايف الرشدان

معظم كتاب الرواية في الأدب العالمي يتسمون بخلق جميل ويمتلكون مبادئ وقيما يكتبون من خلالها وينافحون عنها ولا يعني أنني أنزههم جميعا لكن في الغالب لا يكون الروائي كذابا رغم أنه يمارس الكذب الكتابي فهو ينقل لك أحداثا لم تقع ويروي لك أخبارا لم تجر في الواقع لكنه صادق في نقل ما يستوحيه وما يعتلج في صدره ويختلج في ذاكرته وما يقدمه من عقد وفجوات وحلول إن وجدت، ورغم ذلك أنني أعتقد بأن من يتصدى للعمل الروائي أو يريد أن يثري تجربته الإبداعية محوج إلى الجلوس للنصابين وليس أي نصاب بل إلى أكثرهم إقناعا وإبداعا وإمتاعا وغرابة، فإن هناك من احترف النصب حتى أنه لا يستطيع التوبة عنه وله في حرفته قدرات هائلة من الذكاء والمراوغة ومقومات من اللغة والقيم الفنية ولا أقصد بهذا التعارف وهذه المعرفة ما عناه عمر بن الخطاب في رده على من قال: إن فلانا لا يعرف الشر حين قال: «ذلك أدعى أن يقع فيه»، ولكن أقول إن من يعرف النصاب المميز أدعى أن يبدع في وصفه وتحليل شخصيته ويا ليت أن أجهزتنا الأمنية والمحاكم الشرعية والجهات ذات الصلة بردع النصابين تفسح المجال للمبدعين من كتاب وروائيين لحضور الجلسات التي تدور في أروقة المحاكمات وذلك حتى يتعرف المبدعون على أنماط من السلوك المنحرف بحرافة ويتعرفون على نزلاء عباقرة أو سجناء مذهلين أو متهمين أذكياء من خلال نسج حبائلهم وطريقة مخططاتهم وذلك لكي يسلم القراء من شرهم ويتوصلوا إلى كشف حيلهم وفضح أساليبهم وفهم دلالاتهم، إن أولئك النصابين المحترفين مهمون في العمل الروائي فأكثرهم مطلوب أدبيا وروائيا حتى وإن كان مطلوبا أمنيا أو جنائيا.
شاهد حي
ألف القصيبي روايته (أبو شلاخ البرمائي) وهي تدور حول نصاب محترف كشف الكاتب أسراره وهو المسؤول الذي مر عليه في عمله ومقروءاته أنماط سلوكية مماثلة ولعل الذي قرأ (حياة في الإدارة) وغيرها من الكتب يكشف مدى استيعاب القصيبي وفهمه لقبيلة النصابين وفضحه زمرة الكذب والاحتيال، لقد أبدع القصيبي في تشخيص حالة يعقوب المفصخ حتى قال بعض النقاد عن سيرة أبي شلاخ بأنها وصف لحالة تاريخنا وتصوير لبعض أشخاصنا فهي ترصد نبض المعاناة العربية حتى وإن ظن بعضهم أنها تعرية للواقع ورغم قيامها على توسل خطاب السخرية إلا أن القصيبي قد أحاط خبرا بالشخصية الكاذبة التي قد تكون موجودة في أكثر من زمان وأكثر من مكان بل وفي أكثر من نفس.