«الوطنية الهادئة».. والجهر بالأشياء

حمد عائل فقيهي

(1) الوطنية الهادئة
أعجبني تعبير «الوطنية الهادئة» وقد سمعته من الأستاذ/ محمد رضا نصر الله.. وبقدر ما هو تعبير.. هو في الوقت نفسه «توصيف» دقيق للوطنية التي لا تتبنى الخطاب الصارخ والصاخب.. بقدر ما تتبنى الخطاب «الموضوعي» والأكثر صدقاً ومصداقية.. عبر تلازم الوعي السياسي بالتنمية.. ومن خلال توازن بين ما يريده المجتمع من الدولة وما ينبغي أن تقدمه الدولة للمجتمع.. في علاقة تماهي المواطن مع الوطن تلك العلاقة التي تقوم على اهمية وجود تماسك ما بين القمة والقاعدة بين هرم السلطة وشرائح المجتمع عبر حوار وطني.. وتعددية فكرية ومن خلال علاقة متصالحة ومميزة.
(2) المثقف والدور الهارب
كتبت أكثر من مرة عن الدور الهارب للمثقف السعودي وإن هذا الدور ينبني على حسابات شخصية وعلى تحقيق طموحات يتقدم فيها ما هو خاص على ما هو «عام» وتبرز فيها «الممنوع» و«المرغوب» في العلاقة بين المثقف والمجتمع بين المثقف والسلطة وهي علاقة يحكمها احتياج كل منهما للآخر.. احتياج كل طرف من الطرف الآخر ومأزق المثقف السعودي يكمن في رغبته في أداء دور حقيقي يتجه الى البناء والتنمية والانحياز الى الشأن العام وتبني القضايا الوطنية التي من شأنها ان تساهم في رقي المجتمع والمثقف السعودي لا دور له على الاطلاق إلا من استثناءات.. ذلك الدور التنويري والاصلاحي بدءاً من داخل المؤسسات الثقافية والعلمية من جامعات وأندية أدبية وغيرها وانتهاء الى دوره داخل المجتمع.. ومأزق المثقف السعودي هو مأزق المثقف العربي الذي هو بين حالين الصراخ والشتائم نتيجة انتماءاته وحساباته.
(3) حجاب المنصب
في كثير من الأحيان تتحول المناصب.. العليا الى ما يشبه الحجاب لا تريك الوجه الحقيقي.. الآخر المضيء لأصحاب هذه المناصب.. وبقدر ما يصبح اصحابها في قمة الهرم الاجتماعي.. بقدر ما تصبح في دائرة «النقمة» من بعض الصغار وخصوم النجاح.. واعداء المنتجين والمبدعين والرائعين في أقوالهم.. وفي افعالهم على السواء.
.. ولأن المسافة الواقعة بين من تعرفهم ومن لا تعرفهم قد تساهم في اعطاء صورة ملتبسة غير الصورة التي انت عليها وغير الصورة المكرّسة في اذهان القريبين منك والذين على فهم عميق بما تقول وبما تفكر.
.. هنا تبدو عملية الاقتراب من الشخص ضرورة لترى الوجه الآخر غير المرسوم في اذهان الناس وغير الصورة المتوهمة والمتخيلة.
(4) المجتمع والجهر بالأشياء
.. الابداع هوية مجتمع وملامح أمة.. والابداع هو جواز السفر الى العالم وتأشيرة الدخول الى القلوب والعقول والوجدان والكلمة الصادقة.. التي تتحول الى البساطة العميقة الخارجة من حرقة الواقع ومن عذابات وعذوبة المكان حيث التفاصيل الصغيرة.. وحيث الناس البسطاء من صيادين وفلاحين.. حيث تختلط رائحة البحر مع عبق الأرض انه عناق الموجة والسنبلة حوار الجبل والجزيرة.. السهل والشاطئ.. تلك هي لحظة بوح الاشياء.. والجهر بأسرارها وافكارها.. تلك هي لحظة ان تكون الذات منحازة لنفسها ومنحازة لراهنها ومستقبلها.. وتلك هي الحياة حيث تبدو مرآة عاكسة لما ينبغي ان يكون عليه الواقع.. الواقع -كما هو- بحرارته وبحرقته معاً.. دون تزييف وتلميع وبهرجة.
(5) محاولة الاقتراب من الحقيقة
يمضي العمر.. تمر السنوات وفيما يشتعل الشعر شيباً يشتغل الانسان بالهوامش عن الانشغال بالمتن.. يتجه الى التفاصيل الصغيرة.. على حساب الاتجاه في العمق ونحو التفاصيل الكبيرة.. هكذا لا يكتشف الانسان الحقيقة إلا متأخراً.. لا يعرف العميق والمضيء من المعرفة إلا وهو على حافة الوعي الحقيقي بالاشياء وبالكون وبالحياة.. ولا يدرك ماذا تعني «الحقيقة».. التي هي على تماس بالمسلمة الكونية.. ولا يقترب الانسان من الحقائق الكبرى إلا عندما «يتوحد» مع ذاته.. ويرى هذا العالم بعقله لا بعينه.. ببصيرته لا ببصره هنا يصل الانسان الى فهم نفسه من اجل الدخول لفهم ما حوله من ذوات وكائنات.. وفهم السر الأعظم وراء هذا الكون.
a_faqehi@hotmail.com